بعثة المجموعة الإنمائية «SADC» تطلع على التجربة المصرية في التعليم الرقمي    «من كل فجٍّ عميق».. السعودية تكشف عدد الحجاج هذا العام    85 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك بمراكز الشباب والأندية ب كفر الشيخ    إيرادات فيلم اللعب مع العيال في 3 أيام عرض    تحذير مهم من «الإفتاء» بشأن تلويث البدن والثياب والممتلكات بدماء الأضاحي    هل يؤثر تناول العكاوي في عيد الأضحى على نسبة الكوليسترول بالدم؟    الهلال الأحمر الفلسطيني: الاستهدافات الإسرائيلية للمنشآت والمرافق تستهدف إبادة مقومات الحياة في غزة    جيش الاحتلال يؤكد مقتل 8 من ضباطه وجنوده في المعارك بجنوب قطاع غزة    أسقف جنوب سيناء ووفد كتدرائية السمائيين يهنئون المحافظ بعيد الأضحى    مصدر ليلا كورة: سيراميكا كليوباترا يقترب من تجديد عقد محمد إبراهيم    رونالدينيو: لن أشاهد البرازيل في كوبا أمريكا    تحرير 11 محضرا متنوعا خلال حملات على الأسواق في أسوان    البحيرة: اتخاذ كل إجراءات الحفاظ على سلامة المواطنين في عيد الأضحى    عودة البريق لألبومات الصيف بموسم غنائى ساخن    ما أسباب تثبيت الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة؟.. خبير اقتصادي يجيب    لكل مشتاق لزيارة بيت الله الحرام.. شاهد| دعاء مؤثر لأزهري من جبل عرفات    د. أيمن أبو عمر: يوم عرفة فرصة للطاعة والتوبة    مساجد الإسكندرية انتهت استعداداتها لاداء صلاة عيد الأضحى    وزير سعودي خلال زيارته للفلسطينيين في مكة: لا مكان لمن يقتات على الفتن في هذه البلاد المباركة    بعد تريند «تتحبي».. تامر حسين يكشف تفاصيل تعاونه مع عمرو دياب للأغنية 69    محمد رمضان يشوق محبيه بطرح «مفيش كده» خلال ساعات | صور    عيد ميلاد صلاح.. عودة أوروبية وحلم إفريقي في عامه الجديد    حزب المؤتمر يهنئ الرئيس السيسى والشعب المصرى بعيد الأضحى    "الخضيري" يوضح وقت مغيب الشمس يوم عرفة والقمر ليلة مزدلفة    هل يجوز للحاج أن يغادر المزدلفة بعد منتصف الليل؟.. الإفتاء تُجيب    قبل احتفالات عيد الأضحى.. احذر من عقوبات التنمر والتحرش والتعدي على الغير    «الغذاء والدواء السعودية»: شرب الماء بانتظام وحمل المظلة يقي الحاج الإجهاد الحراري    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحذر الحجاج من الوقوف في منطقة تقع على حدود جبل عرفات في السعودية ويشير إلى أنها "يفسد الحج".    محمد شريف يعلن تفاصيل فشل انتقاله ل الزمالك    خطبة وقفة عرفات الكبرى: الشيخ ماهر المعيقلي يخاطب أكثر من مليوني حاج    ميسي يتصدر قائمة الأرجنتين النهائية لبطولة كوبا أمريكا 2024    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    وزير الصحة السعودى: انخفاض حالات الإجهاد الحرارى بين الحجاج    الدفاع المدنى الفلسطينى: قطاع غزة يشهد إبادة جماعية وقتلا متعمدا للأطفال والنساء    عروض الأضحى 2024.. «يوم عاصم جدا» يعود من جديد على مسرح السلام    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الترجمة التخصصية باللغة اليابانية بآداب القاهرة    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعي تدخل «جينيس» ب4 أرقام قياسية جديدة    الغرف العربية: 3 تريليونات دولار مساهمة القطاع الخاص العربي في الناتج المحلي الإجمالي    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في بورسعيد    بقرار من المحافظ.. دخول ذوي الهمم شواطئ الإسكندرية بالمجان خلال العيد (صور)    أخبار الأهلي : هل فشلت صفقة تعاقد الأهلي مع زين الدين بلعيد؟ ..كواليس جديدة تعرف عليها    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    ميناء شرق بورسعيد يستقبل سفنينة تعمل بالوقود الأخضر    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    هيئة« الدواء» تعلن رقمنة 5 خدمات للتواصل والاستفسار عن توافر الأدوية والإبلاغ عن الآثار الجانبية    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية يسارية أمريكية للثورة المصرية
نشر في القاهرة يوم 24 - 05 - 2011

في وسائل الإعلام كان هناك منظر يثير السخرية لمكبرات صوت الديكتاتورية تقدم نفسها فجأة باعتبارها رائدة للثورة أو متنبئة بها بعد مظاهرات تطلب بقوة إقصاء قادة محطات التليفزيون والصحف المملوكة للدولة، وقد صدرت مراسيم بتطهير دستة من هذه الشخصيات. إن الثورة كانت مظاهرات سلمية جماهيرية يقوم بها مواطنون عزل يواجهون قمعًا بالرصاص والغاز والماء بشجاعة وانضباط. يريدون إسقاط النظام مطالبين أساسًا بالحرية السياسية أي نفي الوضع القائم وخلق وضع جديد هو شيء غير الديكتاتورية دون رسم دقيق لخطوطه الإيجابية. لم تكن الثورة إلا في الظاهر مقتصرة علي إسقاط الديكتاتورية في خطاب سياسي ولا شيء أكثر من ذلك. فقد كانت في الحقيقة والتاريخ ذات أعماق وآفاق أبعد. ونعلق هنا علي دراستين لما حدث ويحدث في مصر والعالم العربي من تسلسل الانفجارات منشورتين في مجلة اليسار الجديد (مارس - إبريل 2011). الأولي لبيري أندرسون المفكر الشهير يحلل فيها الحركات الشعبية والاضطرابات المفاجئة في منطقة اقترنت فيها السيطرة الإمبريالية بالاستبداد المحلي زمنًا طويلاً. وجاءت الدعوة إلي الحرية السياسية معيدة الارتباط بالمساواة الاجتماعية والأخوة العربية في تضامن جذري. ثلاثة أمثلة وتنتمي تلك الحلقة الثورية العربية لعام 211 إلي فئة نادرة من الأحداث التاريخية حيث التسلسل من الانتفاضات السياسية الواحدة تفجر الأخري عبر منطقة بأكملها من العالم. ولم يكن هناك تاريخيا إلا ثلاثة أمثلة سابقة أولها حروب التحرير من إسبانيا في أمريكا اللاتينية التي بدأت في 1810 وانتهت في 1825، والثانية الثورات الأوروبية التي حدثت في 1848-1849، ثم سقوط أنظمة الكتلة السوفيتيية 1989-1991. وكل منها له نوعيته التاريخية في زمانه ومكانه كما ستكون عليه سلسلة الانفجارات في العالم العربي. ولقد اشتعل عود الثقاب أولا في تونس ديسمبر 2010 وانتشر اللهب إلي مصر واليمن وليبيا والبحرين وعمان والأردن وسوريا، وسيكون أي تنبؤ بالنتائج النهائية سابقًا لأوانه مبكرًا أكثر من اللازم. وقد انتهت أشد الانفجارات السابقة راديكالية بالهزيمة الكاملة في 1852 وانتصرت الاثنتان الأخريان علي الرغم من أن ثمار النصر كانت مرة بعيدة جدا عن الآمال. امبرياليون وصهاينة ومن المحتمل أن يكون مصير الانتفاضات العربية فريدًا منقطع النظير. فقد كانت هناك سمتان ميزتا هذه البلاد وأفردتاها ضمن العالم السياسي المعاصر. الأولي هي الطول الفريد وكثافة السيطرة الاستعمارية علي المنطقة طوال القرن العشرين. فمن المغرب إلي مصر تضاعفت تلك السيطرة البريطانية الفرنسية بوصول دولة صهيونية علي مقبرة الانتفاضة الفلسطينية التي سحقتها بريطانيا في 1939 ثم برزت الولايات المتحدة بدلا من بريطانيا وفرنسا باعتبارها الحاكم الأعلي للعالم العربي. وفي الخمسينيات جاء العدوان البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي علي مصر وإنزال القوات الأمريكية علي لبنان. وفي الستينيات جاء عدوان إسرائيل علي مصر وسوريا والأردن في حرب الأيام الستة. وفي السبعينيات جاء الرد من مصر وسوريا في حرب أكتوبر، وفي الثمانينيات غزو إسرائيل للبنان ومحاولة سحق الانتفاضة الفلسطينية. وفي التسعينيات حرب الخليج وفي العقد الأخير الغزو الأمريكي واحتلال العراق. وحتي النزاعات العسكرية ذات الأصل المحلي (الحرب الأهلية في اليمن في الستينيات واستيلاء المغرب علي الصحراء الغربية في السبعينيات وهجوم العراق علي إيران في الثمانينيات وغزو الكويت في السبعينيات) لم يكن التآمر أو السماح الضمني أو التغاضي والتواطؤ من جانب الغرب غائبًا، فالقليل في المنطقة تحرك دون اهتمام استعماري وثيق أو حتي حينما لزم الأمر استعمال القوة أو تقديم التمويل. وأسباب الدرجة الاستثنائية من التدخل الأوروبي والأمريكي في العالم العربي واضحة. فمن ناحية هو أكبر تركز لاحتياطات النفط علي الأرض، وهو حيوي لاقتصادات الغرب كثيفة استعمال الطاقة، لذلك توجد قواعد بحرية وجوية ومخابراتية علي طول الخليج والعراق وإلي تغلغل عميق في هيئات الأمن المصرية والأردنية واليمنية والمغربية. ومن ناحية أخري توجد إسرائيل مزروعة وسط هذه البلاد ويجب حمايتها من جانب الغرب. تآكل العقد الاجتماعي ويري حازم قنديل - الذي يدرس المؤسسات العسكرية الأمنية لمصر وتركيا وإيران في جامعة كاليفورنيا -أنه بعد حكم ثلاثين عامًا أسقط مبارك بواسطة حركة شعبية في أقل من ثلاثة أسابيع، ولكن كان هناك عصيان يختمر تحت السطح طوال السنوات القليلة الماضية. وكان هناك إحساس عام بأن الوضع القائم لا يمكن استمراره، فالأفلام والروايات والأشعار والأغاني مملوءة بموضوعات الرفض والعصيان التي كانت منتشرة في كل مكان من مخيلة الشعب. ولكن تطورين كانا مسئولين عن جعل المصريين العاديين غير المسيسين يشعرون أنهم لم يعودوا قادرين علي الاستمرار في حياتهم العادية المألوفة. الأول كان انحلال العقد الاجتماعي الذي يحكم علاقات الدولة بالمجتمع منذ أيام ناصر في الخمسينيات. لقد كان العقد يتضمن تبادلا صامتًا: النظام منح تعليمًا مجانيا والتشغيل في قطاع عام واسع ورعاية صحية مقدور علي تكاليفها وإسكانًا رخيصًا وأشكالاً أخري من الرعاية الاجتماعية مقابل الطاعة واللا سياسة إلا في التصفيق للمواقف الرسمية. فالحصول علي هذه المنافع مشروط بأن السياسيات الداخلية والخارجية لا تطرح للمساءلة وبأن السلطة السياسية لا تنازع. وبكلمات أخري فهم الجميع أنهم يقايضون حقوقهم السياسية مقابل الخدمات الاجتماعية. ومن الثمانينيات فصاعدًا تآكل هذا العقد دون أن يلغي بالكامل. وابتداء من القرن الجديد شعر النظام أنه صفي المعارضة المنظمة بشكل كامل حتي انه لم يعد يحتاج دفع الرشاوي الاجتماعية التقليدية لضمان الإذعان والخضوع السياسيين. وحينما أبصر النظام سكانًا يبدون في الظاهر سلبيين بالكامل مفتتين وضعيفي المعنويات والعزيمة ظن مخطئًا أن الوقت حان للنهب علي نطاق واسع. ففي الحزب الحاكم تجمع تكتل حول ابن الرئيس جمال الذي استولي علي الحكم من خلال هيئة جديدة اسمها لجنة السياسات. وكان لها مكونان الأول يتألف من رجال أعمال فاسدين علفتهم الدولة هم أصحاب سيطرة احتكارية مربحة من الاقتصاد والمكون الثاني يتألف من مثقفين ليبراليين جدد أعلاهم قدرًا رجال اقتصاد لهم صدي بالهيئات المالية العالمية. وفي 2004 كان مجلس وزراء رجال الأعمال برئاسة أحمد نظيف علامة علي المرة الأولي التي استولت فيها هذه المجموعة علي الحكومة، وحصل رأسماليون احتكاريون علي مواقع وزارية لها صلة بمجالات نشاطهم. وفي 2005 خفضت الضريبة الموحدة علي الشركات من 40% إلي 20%، علي حين ارتفعت الضريبة المفروضة علي كتلة السكان وخصوصًا علي المباني. وكانت الحياة شديدة العسر من الناحية الاقتصادية بالنسبة لمعظم المصريين. تغيير أشكال القهر وفي التوازي مع التغير الاجتماعي حصل تغير في أشكال القهر السياسي. وبالرجوع إلي الخمسينات والستينات كان مفهومًا أن الفرد لن يقاسي القبض عليه والتعذيب إلا إذا كان منظمًا سياسيا، وتخصص الجهاز العسكري في القمع الداخلي الذي إن يكن وحشيا فهو مصوب بدقة. وفي السبعينات والثمانيات المبكرة انتقلت هذه الوظيفة من الشرطة العسكرية والمخابرات إلي البوليس وصار القمع بدون تمييز بدرجة كبيرة. ولكنه ظل يمارس داخل هيكل يقبل التحديد داخل حدود معينة وضد الذين يخرقون خطوطًا حمراء. وفي التسعينات صار النظام شديد الثقة بنفسه وأنه متأكد من عدم مواجهة تحديات، فعامل النقد في الصحافة والتليفزيون والإنترنت كأشياء غير مؤذية. فلماذا يضيع ضباط البوليس وقتهم وطاقتهم في إخافة قليل من الطلبة أو منظمي الإضراب بالمصادفة أو نشطاء حقوق المرأة لإبعادهم عن النزول إلي الشارع. وربما لم تكن هذه الملاحظة لحازم قنديل دقيقة. وهكذا تزايد استعمال المساعدين بالملابس المدنية لهذه المهمات. وكان السادات قد بدأ استخدام البلطجية من هذا النوع في السيعينات ولكن علي نطاق ضيق جدًا. وكانت غارات البلطجية تمرر إعلاميا علي أنها مظاهر لتأييد شعبي للنظام. ثم استعمل مبارك البلطجية في الانتخابات البرلمانية في الثمانينات. ومن التسعينات فصاعدًا انتشر هؤلاء المأجورين موسمىًا علي جدول المكافآت دون أن يكونوا من صفوف الشرطة رسمىًا. ومع هؤلاء البلطجية صار القمع عشوائىًا فكانوا يسيئون معاملة أناس عاديين دون سبب سياسي بل لأغراض الابتزاز. وكانت إحدي الحالات الدرامية لهذه الظاهرة المنتشرة والتي أسهمت في تحريك الانتفاضات هي حالة خالد سعيد. قوي الثورة وعن القوي وراء حشد المظاهرات الشعبية يري حازم قنديل أن هناك ست مجموعات، اثنتان منها مرتكزتان علي شبكات الفيس بوك، الأولي مجموعة "كلنا خالد سعيد" والثانية "حركة شباب 6 إبريل". وظهرت الثانية حول تأييد إضراب عام دعي إليه عام 2008 ولم تستجب للدعوة إلا مجموعة صغيرة، مصر للعمال في الدلتا، وهناك قمع العمال بوحشية وأصيب بعضهم بطلقات الرصاص وقتلوا. وفي العام التالي أقام منظمو التأييد تسجيلاً علي الفيس بوك يروي ما حدث يسمي حركة شباب 6 إبريل وطلبوا من الناس أن يلزموا بيوتهم بدلا من أن يتكتلوا في الشوارع وتأكد البوليس من أنه لم يحدث شيء. ولكن في 2010 كان للمجموعة 70 ألف عضو وكان لها طابع سياسي يجمع اهتمامات عمالية وليبرالية. وعلي الرغم من أن مظاهرة جماهيرية كانت مختلفة عن استراتيجية البقاء في البيوت فقد قرروا أن ينضموا إلي قوات "كلنا خالد سعيد" من أجل الحشد في يناير. وكانت هناك مجموعة ثالثة مهمة هي شباب الإخوان المسلمين بزغت في السنوات الثلاث الأخيرة وشاركت في مظاهرة 25 يناير وكانت علي خلاف مع مكتب إرشاد الجماعة. اليسار الجديد ويري الباحث أن هناك مجموعة رابعة تتألف ممن يمكن أن يسموا يسارًا جديدًا في مصر وهم يساريون شبان وفي منتصف العمر وعلاقتهم ببعض قادة الحركة الشيوعية القديمة أنصار ما يسمي الجبهة الوطنية المزعومة مع كل نظام حاكم لم تكن تختلف عن علاقة شباب الإخوان المسلمين بمكتب الإرشاد. وكان كثير من المناضلين الشيوعيين القدامي قد صاروا مسنين أو تورطوا في مصالحة النظم السياسية المتعاقبة منذ زمن بعيد وكانت الذريعة في ذلك هي أن خطر "التأسلم" هو التهديد الأكبر بمصر وأن الالتزام بالعلمانية يدفع بهم إلي عدم التصارع مع مجموعة حاكمة يفترض أن بينها ليبراليين. وقد سمح لهم النظام أن يكتبوا ويحاضروا كما حظر عليهم أن يبنوا قاعدة حقيقية وسط الطبقة العاملة. ولكن عند معظم اليساريين الشبان كانت هناك تهديدات أفدح من التأسلم هي بالتحديد الاستغلال الاقتصادي الذي يسمي نفسه ليبراليا جديدًا مطلق العنان. ومن منظورهم كانت الأولوية هي تنظيم المقاومة في المصانع. وطوال ما لا يقل عن خمس سنوات تنامت الحركة الإضرابية التي صارت مألوفة في السنتين الأخيرتين. وقد قدر أن مليوني عامل اشتركوا في أنشطة إضرابية في العقد السابق، ولكن الإضرابات لم تكن سياسية وانحصرت في مطالب تتعلق بالأجور ومقاومة فصل العمال وتحسين شروط العمل، كما كانت محلية ولم تبرز أي محاولة لنشاط علي نطاق وطني، فالمطالبات لم تكن تتعدي التحسينات الاقتصادية المتواضعة. ولكن ما أن بدأت الاحتجاجات السياسية حتي اكتسب كل إضراب طابعًا سياسيا وأعطي زخمًا. وفي الأيام الأخيرة قبل تنحي مبارك بدأ زعماء الإضرابات يدعون إلي خلق اتحاد عمال مستقل ونقابات مستقلة بدلاً من النقابات دمي الديكتاتوية. ثورة العشوائيات ماذا عن أفقر الفقراء في العشوائيات في القاهرة وحولها وهم يصلون إلي خمسة أو ستة ملايين يعيشون في شروط غير آدمية بلا مياه جارية ولا كهرباء أو صرف صحي وبلا مدارس؟ لقد كانت هذه الكتلة الحافلة بالتهديد غائبة عن الثورة. ومن الناحية الأخري غاب أغني الأغنياء الذين كانوا مستفيدين من النظام، كما كان الفلاحون سلبيين أثناء الثورة. وفي التسعينات المبكرة أصدر مبارك قانونًا يسمح لكبار الملاك أن يطردوا المستأجرين الذين كانوا يعجزون عن دفع الإيجارات التي ارتفعت. وكانت النتيجة موجة تمرد فلاحي طوال سنتين حينما رفض عشرات الآلاف من القرويين الإخلاء وأحرقوا المحاصيل وأرسلت إليهم قوات الأمن المركزي وتم دك قري بأكملها. وبعد ذلك لم يسمع إلا القليل عن الفلاحين فهم قوة غير مسيسة وهكذا
ليس من المدهش أنهم لم يلعبوا إلا دورًا صغيرًا في الأسابيع الثلاثة للثورة علي الرغم من تعاطفهم معها. وقد حاول الشبان اليساريون تطوير قوة ذاتية بالكتابة والنشر بين أشياء أخري وتعالت الدعوة إلي توحيد اليسار. ومعظمهم مثقفون مدنيون ومديريون جامعيون أو مؤرخون شبان أو دارسون للسياسة وعلم الفنون والآداب. وكانت هناك مجموعة البرادعي ومجموعة نشطاء حقوق الإنسان ويوحد أفرادها أنهم لم يعترفوا بأي تنظيم سياسي قادر علي حشدهم وتعبئتهم لمنازعة نظام مبارك علي نحو مباشر. والصفة المميزة لكل المجموعات هي أن أفرادها لم يكن لديهم أوهام بخصوص البدائل التقليدية يسارية أو يمينية للديكتاتورية. عسكريون وشرطيون ذهب مبارك ولكن الأجهزة التي ارتكز عليها نظامه لم يتم اختفاؤها. وبدلا منه تمسك القوات المسلحة بالسلطة الأعلي في أيدي المجلس العسكري الأعلي. فكيف يمكن - عند حازم قنديل- تشخيص دور العسكريين المصريين وأي دور يلعبونه؟ لقد ظل المحللون علي اختلافهم يميلون إلي الكلام عن مبارك وعمر سليمان وأحمد شفيق كشخصيات عسكرية لأن مبارك كان قائدًا للقوات الجوية قبل 35 عامًا، وعمر سليمان كان لواءً للجيش قبل ما يزيد علي 20 سنة، أما شفيق فيرجع ذلك إلي قبل عشر سنوات. لكن هذا النوع من التصنيف غير دقيق، فهؤلاء لم يعودوا يمثلون مصلحة العسكريين بوصفهم مؤسسة، فالعسكريون لا يميلون بالتدريب والتاريخ إلي ممارسة الحكم المباشر أو الكبت الداخلي، وهم يفضلون أن يكونوا في الظل كحماة للنظام دون تدخل إلا في حالة الضرورة. وتختلف عن ذلك تمامًا زمرة الأمن التي لا تزدهر إلا في بيئة سلطوية ويقل تأثيرها في حالة الديمقراطية. وبخلاف العسكريين فإن أجهزة الأمن تدفع دائمًا في اتجاه الحكم السلطوي. والقوة الواقعية للعسكريين توجد في الضباط العسكريين وضباط الصف، وهم لا يحصلون علي امتيازات كما يتوهم بعض المراقبين. وكانت قدرتهم المالية أثناء حكم مبارك أقل كثيرًا من المستفيدين من الحزب الحاكم وهيئات الأمن. كذلك كانت مكانتهم الاجتماعية أدني عند مقارنتهم بأمثالهم في الشرطة والحزب الحاكم. وأقصي ما وصلوا إليه أيام السادات ومبارك أن المشروعات الممنوحة لهم يمكن أن تقدم القليل من الربح مما يسمح بحياة قد تكون لائقة للضباط لا تتعدي سيارة وشقة. ولكنها لا تمكن مقارنتها بالامبراطورية الاقتصادية التي بناها الجيش التركي. فالضباط لم يغتنوا، فقد كان لدي وزير الداخلية السابق مليار دولار في حسابه المصرفي، ولا يستطيع وزير الدفاع حتي أن يحلم بهذا النوع من المال. وبعد شهر من رحيل مبارك سمح العسكريون المصريون بالسماح لسفينتين حربيتين إيرانيتين بالمرور عبر قناة السويس إلي سوريا رافضين الاستجابة لمطالب أمريكا وإسرائيل. ولم يكن لدي العسكريين نية إحراق مراكبهم مع أي من البلدين بل كانوا يرسلون رسالة تقول إنهم سيقررون ما هو في الصالح الوطني. وقد قيل إن قرار العسكريين في النهاية بالتخلي عن مبارك اتخذ بالتشاور مع البيت الأبيض (إن لم يكن البنتاجون)، فما وصف حازم قنديل لهذا التشاور مع الأمريكان؟ يذهب إلي أنه أثناء نظام مبارك استمرارًا لنظام السادات كانت هناك مشاركة مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في الضغط علي حركة التحرير الفلسطينية وخنق حماس وتعذيب مساجين بالاتفاق مع الأمريكان. فقد كانت مصر حليف أمريكا المخلص الثابت في المنطقة، وكانت العلاقات الاقتصادية علي قدم وساق. ولكن العلاقات الودية بين العسكريين في البلدين لا تجعل المؤسسة العسكرية المصرية تابعة للأمريكان، فلها نظرتها المستقلة إلي العالم ومصالح خاصة. ومع "الثورة" كانت رسالة واشنطن أن يبقي مبارك حتي سبتمبر وأن يأخذ عمر سليمان سلطاته، أما العسكريون المصريون فقد قالوا لهم بوضوح إن هذا لم يعد ممكنًا وأن مبارك يجب أن يتنحي. فالمؤسسة العسكرية تتشاور مع واشنطن ولكنها تتخذ قراراتها لأسبابها الخاصة. والمجلس العسكري ينعقد تاريخيا حينما يكون البلد في حالة حرب فدعي إلي الانعقاد في 67 و73 برئاسة رئيس الجمهورية باعتباره القائد الأعلي للقوات المسلحة. وحينما انعقد المجلس في 10 فبراير دون مبارك ودون دعوة من القائد الأعلي ودون حضوره كان ذلك معادلاً لعصيان يقول إن نظام مبارك انتهي. عمل طنطاوي طويلا مع مبارك ويبدو أنه لم يكن مرضيا عنه ولم يكن راضيا عن استمرار مبارك في الحكم ولا عن وريثه.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.