في الوقت الذي نفتقد فيه تماماً أغاني أو أناشيد تتغني بالعلم المصري، نجد أن أول نشيد لهذا العلم في العصر الحديث (من تأليف صلاح جاهين وتلحين أشرف السركي) محبوسا في أدراج التليفزيون ولا يذاع منذ حوالي خمس سنوات، لماذا؟ يبدأ النشيد بتحية للعلم كرمز للوطنية المصرية: كام ألف مرة يا علم يا مجيد/ قدام صفوفنا مشيت خفيف وسعيد و مشينا خلفك ننشد الأناشيد/ ونتبعك بالحب والتأييد قام بتلحين هذا العمل الفنان أشرف السركي الذي عرف بالتزامه بالحركة الوطنية وواكبت ألحانه هذه الحركة منذ السبعينات حتي الآن، وتبدأ قصة نشيد العلم حين عاد السركي من /حلته الفنية في انجلترا عام 1983، وفي أثناء إطلاعه علي ديوان (أنغام سبتمبرية) لصلاح جاهين لفت انتباهه نشيد العلم وقام بتلحينه كما استمعت إلي العمل في هذا الوقت المخرجة «عفاف طبالة» ونال إعجابها. سافر الملحن إلي الخارج مرة أخري ليعود نهائيا عام 1988، وفي غمرة فرحه بالعودة وشوقه لبلاده قام أشرف السركي بتلحين عملين موسيقين مهمين هما: زفة نجيب محفوظ «وكانت احتفالا بفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل» وعرض العمل بالتليفزيون لفترة محدودة، والعمل الآخر هو نشيد العلم الذي تم تسجيله في أول عام 1989 وعرض في 25 ابريل 1989 «عيد سيناء» وقد تحرر التراب الوطني بعودة طابا. وظل العمل بعيدا عن الأضواء لمدة عامين ثم قامت المخرجة عفاف طبالة بتصويره ليعرض في القناة الأولي علي نحو محدود، في حين تمت إذاعته مرات كثيرة في قناة التنوير التي كان يرأسها في ذلك الحين الشاعر ماجد يوسف الذي كان علي معرفة وثيقة باشرف السركي، وقد تعاونا في أعمال شعرية موسيقية، بالإضافة إلي عمل السركي وقتها في قناة التنوير بإعداد وتقديم برنامج تليفزيوني معروف «مقامات شرقية» الذي تم ايقافه أيضا بعد إغلاق قناة التنوير منذ ثلاث سنوات تقريبا! ومن الناحية الموسيقية، نجد أن نشيد العلم يبدأ بجملة تطريبية (كام ألف مرة يا علم يا مجيد) لينطلق النشيد بعد ذلك في سماء الدراما الغنائية (التي تتسم بالتفاعل بين عدة عناصر كالطرب والتعبير والنشيد) خالقا لاتجاه يسميه الملحن نفسه بالرومانسية الوطنية التي يمتزج فيها الحس الوطني بالدراما والتطريب.. وبوجه عام، يتسم نشيدالعلم بالجاذبية اللحنية وخروج الملحن من «دائرةالرتابة» التي تقع فيها بعض الأناشيد الوطنية أو الحماسية. نعود لقصة نشيد العلم لنجده قد منع من شاشات التليفزيون نهائيا منذ ما يقرب من خمس سنوات، ويذكر الملحن أن هناك أسبابا كثيرة لهذا المنع لا مجال لذكرها الآن، ويتساءل: لماذا لم تتم إذاعة هذا العمل في التليفزيون المصري في السنين الماضية بعد أن أنتجه بالفعل ولماذا هذا الإهدار المالي والفني؟ والأكثر غرابة من ذلك هو عدم عرض هذاالعمل حتي بعد 25 يناير وانطلاقة مصر الجديدة في سماء الحرية التي لابد أن تتضمن حرية الإبداع وحرية المواطن في التلقي والاستماع. بناء علي كل هذا، نوجه رسالتنا إلي مسئولي التليفزيون والرقابة فقط ليستمعوا إلي نشيد العلم ثم يجيبوا علي تساؤلنا: لماذا لا يفرج عن نشيد يغني لعلم مصر الذي يرفرف الآن في سماء الحرية والأمل في حياة أفضل لكل طبقات الشعب؟ لماذا لا يفرج عنه في الوقت الذي تحتاج فيه الاسماع إلي أناشيد وأغاني وطنية صادقة تختلف عن كثير من الأعمال الغنائية التي تركب الموجة وتتسم بالتسطيح مضمونا وشكلا؟ ولماذا يمنع فنان من نشر إبداعه الذي يتغني بحب مصر وأرضها وبيوتها وأبطالها وعلمها في لحظات يعلو فيها الإحساس الوطني العام؟ نريد إجابة أو تفسيرا لذلك من السادة المسئولين بالتليفزيون المصري والقناة الأولي التي أنتجت هذا النشيد آملين في عهد جديد تتمتع فيه البلاد بجميع أشكال الحريات.