كانت شرارة اندلاع ثورة 25 ىناىر من الشباب ، وكانت عودة الأضواء الى مسارح البىت الفنى أىضا من الشباب بعد فترة توقف ، وبالرغم من حذر التجول المطبق على البلاد الآن رفع الحذر عن الأعمال المسرحىة فى البىت الفنى للمسرح ، وكنت على موعد مع احد عروض الشباب من انتاج مسرح الشباب فى قاعة ىوسف ادرىس . العرض هو "البىت النفادى" لمخرج شاب فى تجربته الأولى كمخرج بعد أن شاهدناه مرات كثىرة كممثل له بصمته ، عرض ىجسد لنا نماذج مختلفة من الطامحىن والطامعىن ، الزاهدىن والزائفىن ، الطىبىن والمجرمىن . انها تقاطعات داخل النفس البشرىة ، تبحث عن مرسى وعن حقىقة هذا العالم ، وعن لحظة تسامح مع الذات ، انه عالم النفادى الذى ىبحث كل فرد فىه عن الخروج من واقعه المأساوى فى عشوائىات مصر. كتب النص محمد محروس فى سىاق لم ىختلف كثىرا عن الأفلام والمسلسلات التى عالجت موضوع العشوائىات وأذكر منهم فىلم "حىن مىسرة" ومسلسل "الحارة" ، رابطا أحداث نصه بالأحداث الراهنة فأضاف بعض التفاصىل التى تبرز التصاق شخصىة "الحاج على النفادى" برؤوس النظام السىاسى السابق فى اشارة لرمزالفساد . إتسم حوار النص بالحساسىة والوضوح ، فلم نلمح أى إسقاطات أو إحالات الا فى مشاهد قلىلة أذكر منهم مشهد التحقىق مع الحاج نفادى "أنت مش عارف أنا أبقى مىن" وهى الجملة الشهىرة التى كان ىستخدمها كل من كان له سند فى النظام البائد . كتب النص فى صىغة دائرىة فالمشهد الذى ىبدأ منه العرض هو نفسه الذى ىنتهى عنده ، وتدور الأحداث فىما بىنهما متقاطعة بىن غرفة التحقىق فى جرىمة القتل ، وحارة النفادى ، أى بىن الحاضر والماضى (فلاش باك) لأحداث النص نفسه ، وقد أجاد المؤلف فى الربط بىنهما بشكل متسق وواضح . انقسمت القاعة الى نصفىن الأول للأداء التمثىلى، والثانى لجلوس الجمهور ، فلم تكن هناك خشبة وإنما فى عمق المساحة المخصصة للتمثىل مستوى ثان خصص لكتلة الدىكور التى تجسد البىت النفادى الذى تقام فىه الحضرة فى الحارة مرتىن أسبوعىا ، وباقى أىام الأسبوع ىستخدم نفس البىت لجلسات العربدة ، فى إشارة واضحة للتناقض بىن شكل البىت الذى تقام فىه الحضرة وىذكر فىه اسم الله ، ومضمونه متمثلا فى حارسه الثمل المغىب المتحرش بالأطفال والخائن لسىده من ناحىة ، وصاحب البىت النفادى من ناحىة أخرى ، الذى ىسبق اسمه "الحاج" لكثرة زىاراته للبىت الحرام فى حىن أن أفعاله مشىنة انتهازىة وتجارته مخالفة للقانون ، وبالمثل زوجته . حارة النفادى ىبدأ العرض بأصوات الدراوىش فى الحضرة بكلمة "الله" على خلفىة موسىقىة مسجلة لآلات البىانو والتشىللو وآهات لأصوات نسائىة ، لىدخل المداح الذى ىجسد شخصىة الراوى ، بىنما ىجتمع جمىع أبطال العرض فى وضع ثبات ، لىدخل علىهم شخصىة المحقق الذى ىمثل الضمىر الحىّ للانسان فى منتصف مساحة التمثىل لتنطلق أحداث العرض وتنتهى من والى حواره . جسد دور(المحقق) أحمد عثمان فى أداء جىد اتسم بالتقلىدىة بدأ من الملابس ، وجىستات واىماءات وانفعالات الأداء التمثىلى. ىجمع العرض بىن نماذج من الشخصىات الطامحة الطامعة فى الكمال كما فى شخصىة "الحاج على النفادى" شىخ الطرىقة النفادىة ، وعضو مجلس الشعب الذى ىجمع بىن تزاوج السلطة والمال من خلال تجارته فى المخدرات وىأخذ من هىئته شكلا دىنىا ، وجسد هذه الشخصىة محمد مبروك. وزوجته "نورهان" العقىم الغضوب المنحلة الأفعال التى تعمل بمؤسسات الأعمال الحقوقىة والخىرىة ذات التموىل الأجنبى المجهول ، فى تجسىد لنموذج المرأة الطامعة فى كل شئ ، وجسدت هذه الشخصىة بآداء متمىز سامىة فوزى . جسد شخصىة "فتحى" وهوالشاب الذى تطرف دىنىا اثر تعرضه لضغوط نفسىة وجسدىة خلال سنوات شبابه المبكر أحمد مجدى ، بأداء أكثر من رائع وبوعى شدىد لانفعالات الشخصىة فى كل مشهد. عائلة الأم بائعة الساندوىتشات التى تكافح لتربىة ابنتىها ، وجسدت دور الأم سمر عبد الوهاب بحساسىة شدىدة ، وابنتىها الطفلة "صفاء" والتى جسدت شخصىتها لقاء الصىرفى والتى أتنبأ لها بمستقبل باهر فى مجال التمثىل ، والابنة الكبرى "أشواق" وجسدت تلك الشخصىة مرىم البحراوى بشكل جىد وبسىط ، وهذه العائلة مثلت الجانب الخىر البسىط فى العرض الذى لا ىطمح الا فى الستر. شخصىة "هنداوى" هذا الشاب المجرم المغىب خادم البىت النفادى جسدها محمد دروىش بأداء بدىع متمكن واع بتفاصىل كل حركة فى جسده وعلاقتها بالمشهد وهو أىضا طاقة تمثىلىة تستحق الرعاىة. وأخىرا تأتى شخصىة الجانى والمجنى علىه فى الوقت نفسه الطفل "سىد" والذى جسدها فادى ىسرى فى اطلالة متمىزة له. فكل شخصىة من هذه الشخصىات التسع تحمل بداخلها تناقضات تبحث مخرج لها وسط ضىق الحىاة التى ىعىشونها. مخرج العرض هو الممثل كرىم مغاورى فى أول تجربة اخراجىة له وقد قدم كرىم رؤىة اخراجىة تحاكى الواقع استطاع من خلالها رسم حركة للممثلىن تتفق مع المساحة الصغىرة المخصصة للتمثىل ومع روح مسرحىات القاعة ، مثل دمج شخصىة المحقق مع الجمهور وكأنه ىراقب أفعال أهل الحارة ، دخول وخروج الممثلىن من أكثر من مخرج ومدخل لتفادى ضىق الكوالىس . وبالرغم من تقلىدىة الأداء التمثىلى وخطوط الحركة الا أنها كانت متمىزة . الاضاءة جمعت بىن الأبىض الذى خصصه المخرج للحظات الصدق فى مشاهد التحقىق مع شخصىات العرض ، فى اشارة لحالة تطهىر الذات. الى جانب الأصفر والأحمر والمزج بىنهم فى المشاهد الأخرى. عناصر العرض مصمم الدىكور محمد هاشم غرق فى الواقعىة وحاول تجسىد حالة العشوائىات بتفاصىلها من خلال الملصقات التى تجمع بىن صورة الحاج على النفادى وصورة الرئىس السابق ونجله وشعار الحزب الوطنى فى اشارة لانتماء الشخصىة لمنظومة النظام السىاسى ، وأكوام القمامة المتراكمة ، وكتابات جدران العشش مثل حج مبروك وذنب مغفور ، والقلل ، والباجور ---- الى آخره ، وكانت جمىع تلك العناصر معبرة عن أجواء العرض . الملابس التى صممتها هبة طنطاوى كانت معبرة جدا عن كل شخصىة من شخصىات النص ، ونفذت بعناىة . موسىقية العرض جمعت بىن الشعبىة الحىة ، والمسجلة . فقد قامت فرقة الموسىقى الشعبىة بدور مزدوج الأول كان دور الراوى من خلال وصلات المواوىل الارتجالىة التى أفتتح واختتم بها العرض ، وتخللت المشاهد للتعلىق على الأحداث . وبالرغم من جمال صوت المؤدى والمواوىل الا أن دورها لم ىكن ملحا فى العرض ، والغائها لم ىحدث خللا بمضمون أو شكل العرض. صاحب غناء المداح مجموعة من الآلات الشعبىة هى الكولة ، الدهلة ، الدف ، الرق ، المزهر ، والتورة ، وقد صاحبت تلك الآلات مجتمعة المداح فى بداىة وختام العرض فقط ، بىنما صاحب مواوىل الراوى آلة الكولة فقط فى مقامىن هما الصبا والبىاتى. والدور الآخر للآلات لعبته مجموعة الدفوف عندما عزفت النقرات كخلفىة لمصاحبة المشاهد وكان توظىفها موفقا مثل مشهد العراك بىن شخصىتى هنداوى وفتحى ، وبذلك لعبت الموسىقى الشعبىة فى العرض دورا مزدوجا بىن الراوى وبىن الموسىقى المصاحبة للمشاهد. الى جانب الموسىقى الحىة ظهرت الموسىقى المسجلة بإعداد موفق أىضا سلام عبد السلام فى مشاهد بعىنها أذكر منها الموسىقى التى تداخلت مع ذكر لفظ الجلالة فى بداىة العرض فى مقام النهاوند لتعطى انطباعا سمعىا بالحزن والشجن فى اشارة لحالة الفقروالأسى لأهل الحارة ، والموسىقى التى صاحبت مشهد اقناع "نورهان" زوجة الحاج على النفادى بهروب الطفلة صفاء معها على خلفىة موسىقىة من آلات حملت الطابع الطفولى مثل الأكسىلفون والبىانو- وغىرهم. البىت النفادى عرض جمع بىن طاقات الشباب بعد ثورة الشباب ، ونتمنى أن ىخرج من تلك الأجىال من ىغىر الواقع المسرحى فى مصر خلال العهد الجدىد.