الثقافة حجاب محبة للوفاق الوطني !! توقفت عند معلومة : في أطفيح 10 آلاف خريج جامعة ، ومعلومة أخري : طالبات المدرسة الثانوية للبنات بأطفيح لهن مدونة إلكترونية ، يسعين علي صفحاتها للتواصل البديع مع المجتمع باستخدام سبل عصرية .. يطرحن علي صفحاتها أهم البرامج الإلكترونية لتعميم فائدة وجدوي التعامل معها ، ويعلن عن فرحتهن بحصول أساتذة المدرسة علي دورات متقدمة في لغات وفنون الحاسب الآلي .. نعم يحدث في أطفيح ! ويبقي السؤال ونحن نعيش أجواء وتبعات إيجابية لثورة يناير التي تصدر مشهدها ، وكان في طليعتها شباب أداربتصميم وطني عبقري كل مراحل التصعيد وصرخوا " نعم نستطيع التغيير" عبر استخدام وإعمال التفكير العلمي ..أسأل : كيف يمكن الربط المنطقي بين مجتمع ريفي بسيط صغير يعيش فيه تلك الأعداد من شباب الجامعات ، وما وصل إليه الواقع من إشارات لحالة تراجع معرفي وصل إلي حد خلط المفاهيم لديهم .. علاقة شاب مسيحي وبنت مسلمة ، فيكون الانتقام من الكنيسة لأنها بيت عبادة ذلك الشاب الهارب في إعلان غريب لرفض دينه ، وكنيسته التي تصوروا أن وجودها بات يمثل مشكلة عبر اعتقاد بأن هناك من يمارس فيها أعمال السحرالتي تساهم في تدمير العلاقات الزوجية في قريتهم ، فكانت الأحداث الطائفية وتبعاتها الخطيرة لتزامنها مع حالة تداعي أمني غير مسبوقة. ولا شك أن من أهم أسباب شيوع مثل تلك الأفكار الشعبوية ، افتقاد تلك القري لمؤسسات ثقافية وتنويرية تتواصل مع أهلها وشبابها لتطوير وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، حيث لا وجود لبيت ثقافة، أو قاعات لممارسة الأنشطة الثقافية والفنية المختلفة. إشارات أبوغازي وعليه أسعدني متابعة الإشارات الأولية التي أعلنها وزير الثقافة الجديد د.عماد أبوغازي والتي أري أن أهمها إعلانه الشروع في إدارة حوار مع أهل الفكر والرأي للوصول إلي شكل نهائي لمحددات الأهداف والرؤي العامة للعمل الذي يمكن أن يحظي باتفاق الجماعة الثقافية ، وأن هناك تشريعات مرتبطة بالعمل الثقافي تحتاج إلي إعادة نظر مثل قانون الرقابة علي المصنفات الفنية وقانون الوثائق، لافتا إلي وجود مشروع قانون جيد للوثائق، يحتاج لتفعيل ، ومنح دفعة لصناعة النشر وصناعة السينما تساهم في تسويق منتج ثقافي مصري يمنحها القوة التنافسية عالميا واقليميا، من بينها قانون الجمارك ، مطالبا بسن قوانين اعفاءات جمركية علي مسلتزمات الصناعات الثقافية ، ووضع نظام لمنح ميزات لمصدري المنتجات الثقافية ، وتحويل الوزارة إلي وزارة منتجة تضيف للاقتصاد الوطني، عن طريق استثمار بعض الأصول المملوكة للثقافة والتي انتقلت في التسعينات إلي وزارة الاستثمار مثل الاستوديوهات ودور العرض ، وأصول الأفلام ، لافتاً إلي أن الأفلام المملوكة للوزارة ستكون نواة للأرشيف القومي للسينما. انتخاب أعضاء المجلس الأعلي للثقافة أتمني أن تلاقي محاورتلك الرؤية الواضحة لوزير الثقافة طريقها للتطبيق علي أرض الواقع ، وإن كنت أتحفظ علي تصريحه حول حرصه علي أن يتم اختيار أعضاء المجلس الأعلي للثقافة بالانتخاب ، ليكون برلمانا حقيقيا للمثقفين ، وتحويله إلي كيان تخطيط ورقابة مستقل عن وزارة الثقافة ، فإن تصور اختيار أعضاء المجلس الأعلي للثقافة بالانتخاب قد يحرم تشكيله من أعضاء تتوافر في سبل اختيارهم الكفاءة والوعي العام بالملف الثقافي وهموم المعنيين بأمره ، واستثمار تواصل دورهم الفكري والثقافي والإبداعي.. إن مسئوليته تشكيل مجلس مهم ينبغي أن تتوافر له سبل الاختيار العلمي والموضوعي ، وعبر قراءة واعية لواقع البلاد والعباد ، والمتغيرات التي تفرضها مرحلة ما بعد ثورة تحرير المواطن المصري وفك أسرملكات الإبداع لديه في وطن يتبدل لأن المجلس الأعلي للثقافة من الأجهزة التي نأملها حاضرة بقوة لتساهم بقدرهائل في دعم وتطوير العمل الثقافي الجاد والمؤثرعلي أرض المحروسة ، والمحدد لأهدافه المادة الثانية من الفصل الأول من القرار الجمهوري رقم 150 لسنة 1980 ، ومنها تيسير سبل الثقافة للشعب ، وذلك بتعميق ديمقراطية الثقافة والوصول بها إلي أوسع قطاعات الجماهير مع تنمية المواهب في شتي مجالات الثقافة والفنون والآداب ، وإحياء التراث القديم واطلاع الجماهير علي ثمرات المعرفة الإنسانية ، وتأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية. أيضاً لا ينبغي عند تشكيل عضوية لجان المجلس الأعلي للثقافة الاكتفاء بعضوية أشخاص لمناصبهم ، وأشخاص لدورهم فقط .. المجلس في احتياج لعضوية المزيد ممن لديهم رؤي مختلفة ، مثل أصحاب التجارب المتميزة في مجال العمل الثقافي والفني الإبداعي الأهلي والخاص ، وأيضاً ينبغي دعوة أصحاب النماذج العالمية في مجالات النشر والترجمة والتعاون الثقافي الدولي للمشاركة والاستفادة بتجاربهم الناجحة. الحوار بين المؤسسات والجماهير ولأن باب الحوار ينبغي أن يظل مفتوحاً بين مؤسسات الثقافة والجماهير بشكل عام والشباب بشكل خاص ، فقد آن لنا أن نقترب لفتح ملفات تتعلق بأطر للعمل المشترك بين أجهزة الثقافة والكثير من مؤسسات الدولة ، فإذا كانت نظم علاج البدن الإنساني العصرية الناجعة تعتمد آلية تبدأ بالفحص الشامل لكل أجزاء البدن لدرء حدوث مخاطر تلقي المريض لنوعية علاج وجرعات دواء قد ينشأ عنها مضاعفات مرضية غير محسوبة في أجزاء علي حساب علاج الأجزاء المريضة ، فإن أمرالعمل الثقافي ينبغي ألا يكون منبت الصلة ببنية العمل العام .. يتردد الحديث دائماً عقب كل أزمة حول أهمية تغييرثقافة المواطن وتطوير الثقافة التقليدية السائدة .. أيضاً وعقب كل أزمة طائفية نتحدث عن ضرورة تغيير الثقافة..ومع زيادة معدلات ممارسة العنف نتحدث عن ضرورة تغيير الثقافة..عقب رصد حالة تقاعس المواطن المصري عن المشاركة السياسية نتحدث عن ضرورة تغيير الثقافة .. عقب الحديث عن ظاهرة تخلف الفنون المصرية ، وانخفاض مستوي الحالة الإبداعية ، وتردي حالة المُتلقي المصري وتراجع معايير تقييمه نتحدث عن ضرورة تغييرالثقافة ، إلي غير ذلك من أمور حياتية نري أن هناك حالة إجماع وطنية علي أهمية تغيير ثقافة المواطن تجاهها حتي لو استغرق الأمر زمناً طويلاً ، فالأمر يتطلب ضرورة الشروع في العمل المشترك لاتخاذ خطوات البداية. ولأننا لسنا شعباً من الملائكة ، ولأنه من الطبيعي أن الشعوب عندما تثور تُخرج أعظم قيمها وأطيب نماذج بنيها ، إلا أنها أيضاً تكشف عن وجود عناصر خبيثة شريرة انتهازية غير وطنية ، وعليه فأمر الاتجاه لتعظيم القيم الإيجابية عبر بث رسائل عاجلة من مؤسسات العمل الثقافي لدرء مخاطر حدوث ثورة مضادة بات أمراً ملحا ًوضرورياً. هناك ضرورة لوجود آلية للتعاون بين وزارة الثقافة ووزارتي التعليم ..لابد من فتح مسارح الوزارة للشباب الموهوب ، وتنظيم مسابقات ومعارض لفنون ومواهب أدبية ليتنافس الشباب علي المشاركة فيها .. ودعم اقتناء الأعمال الفنية المتميزة لطلبة وطالبات الجامعات. الفترة القادمة تستدعي دعم وإثراء ثقافة الشباب وتنويع مصادر الحصول عليها لتوطيد وتكريس قيم قبول الآخر ، ومحاربة الأمية ، بالإضافة لتأهيل الشباب لحالة الاستقبال الوطني لنسائم الحرية وممارسة العمل الديمقراطي وقبول استحقاقاته .. الخ. إن تعاون وزارة الثقافة مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون علي سبيل المثال بات ضرورة لإنتاج مواد ثقافية تتيح مساحات أكثر اتساعاً لبث رسائل وقيم اجتماعية وإنسانية تلاحق التغيرات المنشودة لمجتمع ما بعد الثورة.. هناك حاجة ملحة أيضاً لتعاون الوزارة بجميع أجهزتها مع المؤسسات الدينية والبحثية المعنية بتطوير الخطاب الديني ، وأهمية دعم ثقافة قبول مجتمعي لفلسفة "الكل في واحد" والعيش المشترك عبر تنظيم برامج مشتركة تساهم في تفعيلها بشكل رئيسي قصور وبيوت الثقافة في كل أرجاء المحروسة. حجاب المحبة إن ما حدث في أطفيح ينبهنا إلي ضرورة اليقظة لأدوار يتبناها باسم الدين البعض من المتشددين .. فتحت شعار "اللي حضر العفريت يصرفه " دعونا رموز التشدد لتهدئة مشاعر المتشددين في أطفيح ، فكان خطابهم علي المنصة نموذجاً سلبياً للتعامل مع أهالينا البسطاء ، داعماً لمشاعر الكراهية نحو شريك الوطن عبر الإشارة لحدوتة الاستقواء بالخارج ، والحديث عن ممارسة لعبة الابتزاز السياسي في ظروف وطنية حرجة..لقد كان النظام الذي رحل لا يسعي لإقامة دولة دينية ، ولكن كان يستند إلي مؤسسات دينية لمنحه شرعية لتأييد قراراته ، ولا ينبغي ألا يتكرر المشهد بعد ثورة يناير .. لابد أن نرفض الاستعلاء علي الناس باسم الدين مسيحيا كان أو إسلامياً ..لابد أن نقرر خيار الشعب ، ونسأل : هل نريدها دولة دينية أم دولة مدنية ؟ لقد دفع الشباب لإقامة دولة مدنية ضريبة الدم ، وقدم قرابين فداء الأمة في حالة تطهر عبقرية أصر فيها علي تطهير البلاد من الفساد والمفسدين .. في ظل دولة مدنية سيسود بين الناس في مصر قيم العدالة الاجتماعية ، فضلا عن تطبيق مبدأ سيادة القانون ، ومن ثم ننعم بنسائم الحرية في وطن عبقري .. لابد من استثمار حالة التوهج الوطني التي نعيشها بعد ثورة يناير في مد سبل التواصل مع نخب شباب تلك الثورة ، حيث لا يمكن إغفال الحالة الإبداعية التي لازمتهم في الميدان وخارجه .. مطلوب مشاركتهم في وضع أطر وخطط العمل الثقافي وزارة ما بعد يناير 2011 .. دعونا نصنع من الثقافة حجاباً للمحبة بين الناس وصولاً لدعم حالة وفاق وطني ، بديلاً لأحجبة الشعوذة التي نطلبها من بيوت العبادة بجهل وغباوة وتخلف .. لابد من التغيير ، لقد جعلتنا الأيام الينايرية المجيدة نتذكر رباعيات الراحل العظيم صلاح جاهين قبل أن يغادرنا " أنا كنت شيئًا وأصبحت شيئًا ثم شيئًا ..شوف ربنا قادر علي كل شيء"..