مع بداية الاحتفالات بأعياد الميلاد المجيد والعام الجديد، والتي تزامنت مع الذكري الأولي لوفاة الفنان الكبير والناقد «أحمد فؤاد سليم»، قامت الدكتورة «مارسيل متي» أستاذ البيانو بمعهد الكونسيرفتوار بأكاديمية الفنون بالقاهرة بالاحتفال بذكراه بأسلوب خاص يشع رومانسية وحميمية وقوة، حيث قامت وفاء لذكري زوجها الراحل الفنان «أحمد فؤاد سليم» بإعادة افتتاح مرسمه الخاص للجمهور من عشاق فنه ومن زملائه وتلاميذه، وكذلك لجميع طلاب كليات الفنون للاستفادة من أعماله، ومقالاته النقدية بل والاستفادة أيضاً مما تحتويه مكتبته الخاصة من كتب فنية وعلمية ومراجع. وقد اختارت مارسيل ان يتزامن هذا الاحتفال والاحتفال مع احتفالات العام الجديد لتحتفل به علي طريقتها الخاصة بعد ان أفنت عاماً كاملاً في التفكير والتخطيط والتجهيز والمتابعة لهذه الاستعدادات «بالجهود الذاتية» تشاركها في ذلك ابنتهما الوحيدة مطربة الأوبرا الشهيرة «أميرة سليم» إحياءً لذكري الراحل الفنان التشكيلي البارز والناقذ المعروف «أحمد فؤاد سليم» بل ومحاولة إعادته إلي الحياة مرة أخري، فقامت بتجديد وتجهيز مرسمه الواقع في منطقة حية بوسط المدينة «3 ب شارع سليمان الحلبي»، وكذلك تجهيز لوحاته التي أنجزها علي مدار حياته الفنية، واختيار بعضها للعرض الأول، وكان أبرزها آخر أعماله الفنية التي أنجزها قبل رحيله مباشرة والتي تعرض لأول مرة، كما تم عرض أعمال أخري تتناول مراحله الفنية المختلفة والتي بدأت في الستينات من القرن الماضي، والتي برز فيها اهتمامه بتصوير العازفين، والموسيقيين علي الآلات الموسيقية المختلفة، وكذلك عرض مراحله الفنية الأخري التي اهتم فيها بدراسة الخط، والمساحات اللونية والتي غلب عليها الطابع الجرافيكي. ولم يخل العرض أيضاً من بعض الأعمال التي جمعت بين الخامات المختلفة، والتي برع «سليم» في استخدامها بوعي كامل، كما حرصت «متي» أيضاً علي إحياء الذكري كاملة عن طريق عرض مقتطفات من الكتابات النقدية التي نشرت عنه وعن نشاطه الفني، وكذلك رسائله إلي كبار الفنانين العالميين وأبرزها رسالة من الناقد الأمريكي «هربرت ريد» لتتحول القاعة إلي أرشيف فني متكامل عنه، ولم تكتف بذلك فقط بل قامت بتخصيص قاعة كاملة لعرض مقتنياته الشخصية من أعمال كبار الفنانين أمثال «منير كنعان» و«علي رزق الله» و«صلاح طاهر» و«فرغلي عبدالحفيظ» و«حلمي التوني» و«مدحت شفيق» و«عبدالسلام عيد» و«حسين الجبالي» و«محمد عبدالله».. الخ من كبار الفنانين التشكيليين علي الساحة المصرية والعربية، ليتحول بذلك مرسمه الخاص إلي متحف فني متكامل. فأحمد فؤاد سليم قدم العديد من الفعاليات هي الأهم في الحركة التشيكلية المصرية بل العربية مثل بينالي القاهرة الدولي، وصالون القطع الصغيرة، وصالون الشباب، كما قدم للأوساط التشكيلية العديد من الأسماء المهمة، وشيد علي يديه العديد من الصروح التشكيلية مثل مجمع الفنون بالزمالك، وأدار طوال حياته العديد من الصراعات وأثار العديد من الجدل لكتاباته النقدية وكان مقاله الثابت بجريدة القاهرة منطلقاً للعديد والعديد من الايجابيات التي تنعم بها حالياً الأوساط التشكيلية. ويعد «أحمد فؤاد سليم» «1936- 2009» واحدا من الذين ساهموا بإبداعهم في إثراء وتديعم الحركة الفنية حيث أسس مسرح ال 100 كرسي التجريبي 1968، وكان أول من أدخل الدراما التجريبية للمثل الواحد وأشرف علي جميع المطبوعات المسرحية وتصميم نشراتها كما اشترك مع «صالح رضا» في تصميم ديكورات المواسم المسرحية. وكان «سليم» ضمن أول مجموعة تصدت لإقامة اتحاد الفنانين عام 1965، ووضع في هذا السبيل 142 مادة تنظيم مع «صالح رضا»، كما أسس مجمع الفنون بالزمالك 1976 وباشر إدارته حتي عام 2005، وهو صاحب فكرة إنشاء بينالي القاهرة الدولي، كما أسس أول مهرجان مصري لفن الفيلم السينمائي الروائي والفيلم الفني القصير - والفيلم الوثائقي، وقد حصل الفنان الكبير المولود بمحافظة دمياط عام 1936 علي ليسانس الحقوق في جامعة القاهرة، ثم اتجه إلي دراسة التشكيل كهواية في معهد «ليوناردو دافنشي» بالقاهرة، وشارك طوال مسيرته الفنية في أكثر من 70 معرضاً ما بين الخاص والجماعي والمحلي والدولي، كما نال العديد من التكريمات والجوائز أبرزها جائزة التكريم من وزارة الثقافة 1997، الجائزة الأولي «الخريف الثاني» للأعمال الفنية الصغيرة 1998، والجائزة الأولي «تصوير» لبينالي الإسكندرية لدول حوض البحر الأبيض المتوسط الدورة العاشرة 1974، وحصل علي وسام الفنون بدرجة «فارس» في الفنون والأدب من الحكومة الفرنسية 1986، ميدالية الفن من ملكة الدانمارك 1986، الجائزة الكبري وأوسكار «تي» في بينالي القاهرة الدولي الثالث 1988. لذا نأمل ان تمتد فعاليات مرسم «سليم» وان تمتد أنشطته في المستقبل لتضم ندوات فنية ونقدية أي ان يتحول إلي صالون ثقافي يهتم بنشر الفنون التشكيلية وإثراء الحياة النقدية عن طريق إتاحة الفرصة للنقاد من الأجيال الجديدة للتواصل، كما نؤرخ هذا الحدث كدليل علي الوفاء والرغبة في العطاء التي تحمل معني أشد عمقاً وأقوي تأثيراً إذا ما كان هذا الوفاء بعد الرحيل، ودون انتظار كلمة شكر أو تقدير من أحد، بل هو حب لحياة الآخر وتعظيماً لانجازاته، والتي أعتقد ان إلقاء الضوء علي مثل هذا النوع من العلاقات الإنسانية التي تسمو فوق الاتجاهات العقائدية بل تمجد الالتقاء الفكري وبقاء واحترام الذكريات الطيبة يكون أفضل من ألف خطبة في المنابر والكنائس تحمل عبارات وشعارات رنانة عن التسامح والعطاء وتؤكد المواطنة والتعايش مع الآخر.