تداخل المواسم السينمائية أدي إلي تحقيق خسائر فادحة لمعظم أفلام العام الماضي رغم تجريم القانون للقرصنة إلا أن كل جهة تعمل في واد وتعيش في جزيرة منعزلة مما يهدد الصناعة بالدمار المتأمل لحال السينما المصرية خلال عام 2010 م المنصرم لا تعوزه الفطنة في اكتشاف العديد من الظواهر السينمائية التي يمكن رصدها والوقوف أمامها لتحليلها ودراستها للاستفادة من الايجابية منها، وتلافي الوقوع في فخ الظواهر السلبية التي جاءت نتائج عكسية تعوق مسيرة هذه السينما المفتري عليها، حتي تخيل البعض المتشائم أنها في أفول وانحدار لما أصابها من تدني علي المستويين: الفكري والفني لدرجة الحيرة والخجل من المشاركة في مهرجانات السينما الدولية وكذلك العربية التي كنا بالأمس القريب نتربع علي علي قمتها. ولنبدأ برصد أهم الظواهر السلبية لنختم حوارنا بالإيجابية الباعثة علي الأمل ... ولعل أبرز تلك الظواهر السلبية هي " تدني الانتاج السينمائي " لأقل المعدلات التي وصل اليها، وفي جميع الأحوال ليس من القبول بأي حال من الأحوال وصول الانتاج السينمائي المصري الي هذا المستوي الهزيل الذي يعصف بتاريخ سينمائي عريق تعدي في عمره المائة عام ... ولنعرف أن السينما الهندية تنتج في خمس ولايات فقط من 28 ولاية هندية، حوالي 1500 فيلم في السنة، بالطبع لن نحلم بمثل هذا الرقم إلا أننا يجب أن نقف أمام رقم إنتاجنا الهزيل عددا والذي لم يصل الي 30 فيلما في 2010 م. ... الي أين نحن ذاهبون بالسينما؟ القرصنة الظاهرة السلبية الثانية التي شهدتها السينما المصرية هذا العام تتمثل في " ظاهرة القرصنة " التي تهدد صناعة السينما عندنا بالدمار والتوقف التام، وللأسف كل جهة من الجهات المنوط بها حماية السينما من هذه الممارسة غير للأخلاقية من قراصنة الأفلام، كل منها يعمل في جزيرة معزولة وكل منها أيضا يتصور أنه عمل ما يفرضه عليه واجبه أوموقعه، علي الرغم من القرصنة وأدواتها مجرمة في القانون المصري طبقا لقرار الحاكم العسكري العام رقم 3 لسنة 1998 م والذي يقضي بالسجن لمدة عام علي كل من يمتلك أدوات القرصنة أو استخدامها أوبيعها أو الاعلان عنها. ومن المؤكد أن هذه الظاهرة السيئة سوف تستمر أن لم تتحد كل الجهات المسئولة في عمل خطة قابلة للتنفيذ، بعيدا عن العنتريات والقاء اللوم علي بعضها البعض. موسم مهتز الظاهرة السلبية الثالثة تتمثل في " الموسم السينمائي المهتز " والذي ينفذ بطريقة عشوائية غير منظمة تعتمد علي الاجتهادات الفردية من قبل شركات الانتاج والتوزيع ... الأمر الذي أدي الي خسارة البعض من منتجي السينما. وقد يكون السبب الجوهري هواختلاط وتداخل مواسم العرض مع مناسبات أخري ربما كانت سببا في انحراف جماهير السينما المتوقعة وتحولها الي وسائل ترفيهية أخري رخيصة مثل كرة القدم، أوبسبب ضيق ذات اليد عند الجمهور المنتظر وكابوس الدروس الخصوصية وارتفاع الأسعار الجنوني في كل شيء حتي في أسعار تذاكر السينما ذاتها. ولانستطيع أن نتجاهل مشكلة احتكار دور العرض التي اقتصرت علي عرض أفلام لشركات انتاج بعينها، وغيرها من الأسباب التي تحتاج وقفة متأنية بعيدا عن حب السيطرة والاحتكار. الظاهرة السلبية الرابعة فهي المتمثلة في "هجرة نجوم السينما الكبار الي الدراما التليفزيونية". نحن لسنا ضد عمل النجوم الكبار في الدراما التليفزبونية ولا ضد التليفزيون نفسه في اغرائهم بالعمل فيه، وهذا حقهم ... لكننا بالتأكيد لسنا مع الهجرة لمجرد الحصول علي الملايين في أعمال تتسم بسطحية المعالجة ناهيك عن المسلسلات المستمدة من أعمال سينمائية يمكن اعتبارها من كلاسيكيات السينما المصرية، وان دل هذا فانما يدل بالتأكيد علي الافلاس الفكري والاستسهال القمييء وسرقة وقت المشاهدين بالتطويل والمط والشطحات التي لارابط لها ولا ضابط. الهدف منها سخيف وغير مقبول وهوالزج بأكبر قدر من الاعلانات التجارية التي فسدت متعة الرؤية في التليفزيون علي العموم. وبالتالي فقدت السينما رونقها وعبقها بتمرد كبار النجوم عليها، مما أثر بالسلب علي مسيرتها وازدهارها. اذا كانت السينما المصرية شهدت خلال العام المنصرم العديد من الظواهر السلبية التي ذكرنا بعضا منها، الا أن الأمر لم يعد بهذه القتامة السينمائية والتردي الفكري، فقد شهد هذا العام العديد أيضا من الظواهر الايجابية التي تعيد الأمل في غد أفضل لهذه السينما العريقة. من الظواهر الايجابية تأتي تجارب شباب المخرجين فيما يسمي ب " السينما المستقلة " علي رأس هذه الظواهر فقد استطاع نفر منهم اقتحام عالم السينما بجرأة وبحرفية الديجيتال التي تحسب لهم، تلك الأفلام التي صمدت أمام أفلام الميزانيات الضخمة التي تصل الي عشرات الملايين وهي في الغالب أفلام تجارية لم ترتق للسينما الجادة أوالنظيفة. أفلام هؤلاء الشباب الواعد تمثل مايمكن تسميته ب " سينما المستقبل "، ولعل تجارب: أحمد عبد الله في " هليوبوليس " و" ميكروفون " وإبراهيم البطوط في " عين شمس " و" حاوي " وتامر عزت في " الطريق الدائري " وأحمد رشوان في " بصرة " ومحمد عبد الحافظ في " الباب " وأخيرا محمد دياب في " 678 " ... لعل هذه التجارب الناضجة بما حققته من جوائز في مهرجانات: دمشق وقرطاج والقاهرة وتربيكا وأخيرا في دبي، كلها تعيد الينا الأمل المفقود في عودة السينما المصرية الي سابق أمجادها وجمالها. السينماتيك الظاهرة الايجابية الثانية تتمثل في الخطوة الايجابية التي طال انتظارها لسنوات طوال وهي انشاء " السينماتيك المصري " علي غرار السينماتيك الفرنسي، والذي تحدد مكانه في قصر الأمير عمر طوسون. لا شك في أنها خطوة ايجابية تتوائم مع ماتملكه مصر من تراث سينمائي ضخم حصيلة خبرات سينمائية متراكمة منذ أن عرفت مصر السينما مع نهايات القرن التاسع عشر. وهذا الصرح السينمائي الضخم المزمع تشييده في القاهرة تظل الحاجة الي وجوده علي أرض الواقع حماية للسينما المصرية وتراثها العريق الذي انفرت عقده بين أجنبي مستغل ولصوص وقراصنة الفن المصري. وعلي الجانب الآخر يمثل هذا السينماتيك المصري بوابة الانطلاق للأبحاث والدراسات السينمائية التي نحن في أمس الحاجة اليها اذ لا سينما بدون تاريخ ولا تاريخ بدون السينما. ... وهومشروع لاشك في أنه يمثل الأمل لدي كل السينمائيين في مصر ويمثل الكيان الحقيقي لأي دولة تحترم تاريخها السينمائي وبشكل خاص اذا كانت في حجم وقامة مصر سينمائيا. والي جانب هذه الظواهر الايجابية التي شهدتها السينما المصرية الروائية الطويلة، يمكن أن نضيف تلك الظاهرة الايجابية التي شهدتها أيضا " السينما الروائية القصيرة والوثائقية "، فقد ظهر علي الساحة السينمائية العديد من الأسماء الواعدة من المخرجين الشبان التي جاءت أعمالهم بمثابة الأمل في أن تستعيد السينما المصرية خلال الأعوام القليلة القادمة رونقها وعافيتها وازدهارها. ولعل أبرز مافي هذه الظاهرة هو أن القائمين علي انتاجها هي جهات وجمعيات وكيانات مستقلة بعيدة عن تلك الجهات الرسمية التابعة للدولة ... ومن أهم هؤلاء المخرجين الشبان نذكر: مني عراقي في " طبق الديابة "، محمد فتح الله في " ملك هانم "، أحمد مجدي في " كيكة بالكريمة "، محمد حماد في " أحمر باهت "، نادر هلال في " مواطن صالح من المعادي "، دينا عبد السلام في " دة مش بايب "، أحمد السمرة في " أسود ملون "، اسلام كمال في " نسخة شعبية " ... وغيرهم من مخرجي المستقبل في السينما المصرية. هذه في ظني أهم الظواهر الايجابية والسلبية التي شهدتها السينما المصرية خلال هذا العام 2010، نرجو أن نستفيد من الايجابيات ونتجنب السلبيات في الأعوام القادمة، اذا كنا جادين في انقاذ السينما من كبوتها، وأزمتها التي تبدو لدي البعض مستعصية الحل وكارثية الوضع.