غير أن السبب لم يكن خافيا، لأن القيادة السياسية في هذه المرحلة من الحكم الناصري رأت في أحداث المسرحية ومضمونها الذي يفسر سقوط فرعون وضياع الوطن بالتفاوت بين إمكانياته الفعلية وطموحه العريض رأت فيه إسقاطا علي عبدالناصر الذي كان يتطلع بعد 1956 إلي بناء دولة قومية مترامية الأطراف تقوم علي الوحدة والحرية والعدالة، دون أن يمتلك القوة أو الإمكانيات التي تحقق هذا الطموح أو هذا الهدف النبيل. وأكد هذا الإسقاط السياسي المباشر أن الغرب المعادي لعبدالناصر كان يسميه في الصحافة والإعلام نفس الاسم الذي اتخذته المسرحية عنوانا لها، بعد أن كان عنوانها في تجاربها الأولي «سقوط إخناتون». ولم يقتصر الوضع علي وقف المسرحية، وإنما تخطاه إلي فصل ألفريد فرج من عمله في جريدة الجمهورية التي كانت تخضع لرقابة شديدة باعتبارها جريدة الثورة، ثم إلي اعتقاله خمس سنوات من 1959 إلي 1963 تقلب خلالها مؤلف «سقوط فرعون» في معتقلات مصر مما دفعه بعد ذلك بسنوات طويلة في 1987 إلي التضرر أمام المحاكم من هذا التعسف الذي لا يسقط بالتقادم. وصل في الحكم الأول ثم في الاستئناف علي تعويض مالي قدره تسعة آلاف جنيه. وبغض النظر عن هذا التعويض لا يساوي يوما واحدا من فقدان الحرية، فإنه يثبت أن ألفريد فرج لم يكن منتميا لأي تنظيم شيوعي، رغم صداقته لقياداتها في القاهرة. كما يثبت أن ما حدث له ولكثيرين غيره في هذه الحملة وغيرها، كان إهدارًا لكل حقوق الإنسان، ولأنه لم يكن منخرطا في أي تنظيم اتسعت آفاق التفكير والتعبير لديه بعيدا عن الجمود المذهبي. ولابد من الإشارة إلي أن ألفريد فرج في سنوات الاعتقال اهتدي إلي مشاكل الوطن الجوهرية التي غزل منها أعماله وجس براحته هموم وأحلام الذين يعيشون علي الكفاف في هذا الوطن، ابتداء من مسرحية «حلاق بغداد» التي كتبها علي ورق البافرا وراء القضبان، وطالب فيها بالديمقراطية ممثلة في منديل الأمان لكل فرد من أفراد الشعب، حتي يتحقق العدل والأمان ولا تقع الانتهاكات التي ترتكبها السلطة من جراء غياب الديمقراطية. وفي إطار هذه الأبعاد لم يكن ألفريد فرج يكرر أو يستثمر عملا من أعماله، مهما كان نجاحه الجماهيري واحتفال النقاد به. ويذكر ألفريد فرج في أحاديثه الخاصة أن أحد رجال الثورة حضر عرض «حلاق بغداد» في المسرح القومي في 1964، وفهم مقاصد المؤلف فقال له وهما يتجهان إلي خارج المسرح بعد انتهاء العرض: يعني الدولة تنفق بسخاء علي المسرح، ثم تتعرض لهذا النقد اللاذع من كتابه! رد ألفريد علي الفور: ما تقوله هو بالضبط ما ينبغي أن يكون تنفق الدولة علي الثقافة، وتوفر الحرية الكاملة للإبداع، وتؤدي الثقافة والإبداع رسالتهما بعدم إغماض العين عن الواقع، وبنقد النواقص والعيوب من أجل تحرير الفكر وصلاح الأحوال. ومسرحية «سقوط فرعون» ككل مسرحيات ألفريد فرج لا ترتبط في منهج كتابتها بزمن معين هو الزمن الذي تكتب فيه المسرحية، وإنما تتجاوزه بشخصياتها ووقائعها الخيالية ومضمونها الفكري الذي قد ينطبق علي الواقع المعاصر، ولكنها لم تكتب له وإلا لغدت نوعا من الدعوة والدعاية، ولما عاشت بعد أن تطوي الأيام هذا الواقع ويتحرك التاريخ نحو فواصل زمنية أخري ينسي فيها ما مضي، ويقبل علي مراحل زمنية جديدة هي الدافع للكتابة. والكاتب يدع القراء دائما يتلقون الأعمال الفنية بالصورة التي يرتاحون إليها. وإذا كانت الصناعة في عالمنا المعاصر تتجاوز في إنتاجها النظامين الشيوعي والرأسمالي، فإن الأدب والفن يعلوان علي زمنهما بمسافات أبعد كثيرا من الصناعات. والأجيال الجديدة من القراء لا تعرف «سقوط فرعون» لأنها منذ عرضها في 1957 ظلت مطوية في مكتبة ألفريد فرج الخاصة، ولم تنشر علي مدي أكثر من نصف قرن غير مرة واحدة في 1989، ضمن المؤلفات الكاملة لألفريد فرج. وهذا ما يدفعنا إلي دعوة القارئ للبحث عن المسرحية وقراءتها مرة أخري.