أسفرت المفاوضات التي جرت بين وفدي شمال و جنوب السودان في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا عن فشل المحادثات بشأن مستقبل منطقة أبيي الغنية بالنفط بوسط السودان لتظل بذلك احدي أهم العقبات أمام استفتاء الجنوب المقرر عقده في التاسع من يناير المقبل حيث من المقرر أيضاً إجراء استفتاء مواز بخصوص ضم منطقة أبيي إلي الشمال أو الجنوب وفقاً لبنود اتفاقية السلام الشامل التي وقعت عام 2005 بنيفاشا لتنهي حرباً أهلية بين شمال وجنوب السودان استمرت منذ عام 1994 راح ضحيتها حوالي مليوني شخص وتسببت في نزوح ما يزيد علي 4 ملايين مواطن عن بيوتهم. وأعلن باقان أموم، أمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، أن هذه الجولة من المفاوضات فشلت وأضاف "أمامنا 90 يوماً. الوقت حساس للغاية. إذا فشل الجانبان في تسوية هذه القضايا فقد يؤدي ذلك إلي نهاية عملية السلام ذاتها. السلام قد يتداعي في السودان". مقترح جريشن وخلفت المحادثات التي أجهضت بين الجانبين و التي شارك بها المبعوث الخاص للإدارة الأمريكية سكوت جريشن العديد من التكهنات حول مستقبل الاستفتاء بخصوص أبيي، ونقلت وكالة رويترز عن بعض المصادر أن أحد الحلول المحتملة للخروج من الأزمة ما اقترحه جريشن من الاستغناء عن استفتاء أبيي وتقسيم أراضي المنطقة بين الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي يمثل إشكالية في حد ذاتها بسبب عدم اتفاق الطرفين علي ترسيم الحدود وعلي مسألة المواطنة، و بسبب اتهام الحركة الشعبية لتحرير السودان حكومة الخرطوم بتوطين الآلاف من قبيلة المسيرية في شمال أبيي للتأثير علي التصويت. في الوقت الذي أعلن فيه حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال عن تأجيل الاستفتاء بخصوص منطقة أبيي إلي ما بعد استفتاء الجنوب، أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان عن رفضها تأجيل استفتاء أبيي. وقال حاكم أبيي القيادي في الحركة الشعبية دينق أروب كول، ان سكان أبيي يرفضون تأجيل الاستفتاء وأنهم مستعدون لتنظيم استفتاء بأنفسهم مستقل عن الحكومة تحت مراقبة دولية. وكان زعماء من قبائل المسيرية، الذين يرعون عادة ماشيتهم في منطقة أبيي مما يتسبب في اشتباكات مسلحة متكررة مع قبيلة الدنكا، قد دعوا إلي إجراء محادثات مباشرة معهم في الجولة المقبلة من المفاوضات المقرر عقدها الشهر المقبل من أجل التوصل لحلول بشأن مستقبل المنطقة. وقال حسين جلال الدين، نائب رئيس منتدي المسيرية وهي هيئة قبلية استشارية، "ما نحتاجه هو أن ترفع الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني أيديهما." واتهم حسين جلال الدين شريكي الحكم بتشويه الأمور والتسبب في مشكلات غير ضرورية بسبب تنافسهما السياسي و الاقتصادي علي المنطقة، و أكد أن قبائل المسيرية والدنكا مارست بالفعل وعلي مدار عشرات السنين طرقاً عديدة لتسوية الخلافات بينها. واتهمت قيادات في قبيلة المسيرية الجيش الشعبي بنشر 700 مجند في منطقتي أبو غزالة وأبو خريط شمال أبيي، وبالعمل علي إرسال الآلاف من الجنوبيين إلي المنطقة لحفظ الأمن وللتأثير في الصوت الانتخابي خلال الاستفتاء. معوقات استفتاء أبيي وبالإضافة إلي المنازعات التقليدية بين قبائل المسيرية و الدنكا في أبيي بخصوص حق رعاية الماشية، هناك العديد من المسائل الخلافية الأخري التي تعيق إجراء الاستقتاء و منها الاتفاق علي من يحق له التصويت في الاستفتاء فبينما تري قبائل المسيرية ان لديها نفس حقوق قبائل الدنكا في التصويت في الاستفتاء، يصر زعماء الحركة الشعبية لتحرير السودان علي أن حق التصويت يرجع فقط إلي أفراد قبائل الدنكا من المستوطنين وإلي عدد محدود من المسيرية الذين يحسبون كسكان دائمين في أبيي. وأشار وزير الدفاع السوداني الفريق عبدالرحيم محمد حسين إلي إصرار حكومة الخرطوم علي التمسك بحقوق قبائل المسيرية، و أضاف "إن الذين يروجون إلي عدم وجود حقوق للمسيرية في منطقة أبيي مخطئون بل ويتناقض موقفهم مع قرارات هيئة التحكيم الدولية التي اعترفت بها الأطراف كافة في وقت سابق. إن الذين يطالبوننا بتبني وجهة النظر المنادية بإقصاء المسيرية إنما يحاولون نقل الحرب إلي الشمال بخلق مواجهة بين الدولة والمسيرية الأمر الذي لن نسمح به. هؤلاء كمن يسعون إلي استقرار الجنوب علي حساب الشمال". وكان زعيم قبيلة المسيرية مختار بابو نمر قد حذر من منع أبناء قبيلته من التصويت قائلاً "إذا لم يقبلوا أن نشارك في الاستفتاء فلن يكون هناك اقتراع، سنستخدم القوة للحصول علي حقوقنا وسنستخدم الأسلحة ضد كل من يحاول منعنا من التصويت". تبادل اتهامات أدي فشل المحادثات إلي تصعيد التوتر بين الشمال و الجنوب وتصعيد الاتهامات المتبادلة بين شريكي الحكم حزب المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية لتحرير السودان من ناحية، و تصعيد اتهامات المعارضة الموجهة للحزب الحاكم في الشمال من جهة أخري. واتهمت الحركة الشعبية لتحرير السودان حكومة الخرطوم بعدم الجدية بالالتزام باتفاق السلام الشامل بينما اتهم رئيس البرلمان السوداني أحمد إبراهيم الطاهر الحركة الشعبية لتحرير السودان بالسعي لإشعال حرب جديدة بين شمال البلاد وجنوبها عقب الاستفتاء بسبب تبنيها خيار الانفصال، و أكد أن البرلمان السوداني سيظل يعمل لدعم خيار الوحدة و التنمية. وانتقد الدكتور حسن الترابي، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان، سياسات حكومة الرئيس عمر البشير، ووصفها بأنها ستؤدي إلي تفكك السودان بسبب استخدام القوة لفرض الوحدة. وأضاف الترابي أن السودان "مقبل علي مخاطر متداعية، وإذا انفصل الجنوب فستنتشر العدوي"، و عبر عن خوفه من أن يتحول السودان إلي نموذج أسوأ من الصومال. وعلي صعيد الأممالمتحدة، بدأت المنظمة الدولية في إعادة نشر قوات حفظ السلام علي طول الحدود بين الشمال و الجنوب بسبب مخاوف من اندلاع صراعات قبل الاستفتاء. وأكدت سفيرة واشنطن لدي الأممالمتحدة، سوزان رايس، أن سيلفاكير ميارديت رئيس جنوب السودان طلب إقامة منطقة عازلة بعمق 16 كيلومتراً تديرها الأممالمتحدة علي طول الحدود المتنازع علي ترسيمها. و انتقد الجيش السوداني الأممالمتحدة بهذا الشأن، ووصف المقدم الصوارمي خالد سعد المتحدث باسم الجيش السوداني حديث مسئول عمليات حفظ السلام في الأممالمتحدة آلان لوروا حول نشر قوات أممية عازلة علي الحدود بين الشمال والجنوب علي أنه "لا يعبر إلا عن جهل بمجريات الأحداث الحقيقة في السودان أو تحرشاً يستهدف استقراره وسلامته". اجتماع جوبا وفي محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد، التقي في جوبا عاصمة الجنوب كل من نائب الرئيس الفريق سلفاكير ميارديت وعلي عثمان طه بمجلس الدفاع المشترك ولجنة مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار من أجل مراقبة التحركات العسكرية من قبل القوات المسلحة و الجيش الشعبي لتحرير السودان. وفيما اعتبر احتماع جوبا محاولة جديدة لتهدئة الأوضاع ووقف التصعيد والتراشق عبر وسائل الإعلام وتجديد الالتزام بحل المسائل العالقة، لا يزال المجتمع الدولي يرقب بحذر تطورات الأوضاع في السودان، و أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن السودان علي قائمة أولوياته وأكد التزامه بدعم استقرار البلاد حتي لا يؤدي تجدد الصراع فيه إلي تحول السودان لبؤرة جديدة للإرهاب الدولي. وأعربت اللجنة الدولية لمراقبة الاستفتاء عن قلقها بشأن الاستفتاء وطالبت طرفي المفاوضات بالالتزام ببنود اتفاق نيفاشا، وقال رئيس اللجنة بنجامين مكابا ان مفوضية الجنوب لا تملك الموارد المالية اللازمة لتعيين موظفين ،وشراء المعدات، والمواصلات بسبب عدم التزام حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الجنوب بدفع تعهداتهما. كما قام مندوبو الدول ال 15 الأعضاء في مجلس الأمن بزيارة السودان مؤخراً، وقال الرئيس الحالي للمجلس، ممثل أوغندا، روهاكانا روغندا، إن الزيارة تهدف إلي مطالبة المسئولين السودانيين في شمال البلاد وجنوبها بإجراء الاستفتاء في موعده والعمل علي ضمان الانتقال السلمي للسلطة إذا اختار الجنوب الانفصال. وعن نتائج احتماع جوبا، قالت الحركة الشعبية لتحرير السودان إنها طرحت استراتيجية لمعالجة قضايا ما بعد الاستفتاء والتي من بينها تقسيم الثورة النفطية و حقوق استخدام خطوط أنابيب النفط و ترسيم الحدود و العلاقات الدولية والاتفاقات الأمنية المتبادلة والديون الخارجية والمواطنة و العملة و تقسيم حصص مياه النيل. العد التنازلي لإجراء استفتاء الجنوب بدأ ولا تزال معظم القضايا الخلافية بين الشمال و الجنوب عالقة وسط إصرار الشمال علي التمسك بمعادلة الوحدة الطوعية و إصرار الجنوب علي الاستعداد للانفصال. استفتاء أبيي لا تزال أمامه فرصة أخيرة إذا ما حدثت تطورات إيجابية في الجولة المقبلة من المفاوضات التي تم الاتفاق علي عقدها الشهر القادم في أديس أبابا أيضا برعاية إثيوبية، غير أن احتمالات تخطي شريكي الحكم لخلافاتهما بدأت تضاءل ذلك في الوقت الذي ازدادت فيه الاستعدادات الدولية و الإقليمية و السودانية لاندلاع موجة جديدة من الحرب الأهلية.