.. للمرة الثانية.. ومن نفس المتحف سرقة اللوحات من المتاحف شائعة واكتوي بنارها كثير إن لم يكن كل متاحف العالم صغيرها وكبيرها رغم إجراءات الأمن المشددة بل الخرافية في تشددها واتباعها لأحدث نظم الأمن العالمية.. ورغم هذه النظم الفولاذية إلا أنها أمام عصابات سرقة اللوحات العالمية، تسرق اللوحات وما بين شهر وآخر علي الأكثر نسمع عن سرقة لوحة من هنا أو هناك، ولا تسرق إلا اللوحات التي تقدر قيمتها المادية بعشرات الملايين من الدولارات لخفة وسهولة اخفائها.. ومن هذه الزاوية لكن في اتجاه عكسي سرقت لوحة «زهرة الخشخاش» 55 مليون دولار من متحف محمود خليل للاهمال الخرافي في وسائل الأمن وتعطل البوابات الالكترونية وأجهزة الانذار وكاميرات المراقبة.. لذلك جاءت سرقتها دون جهة الدفاع عنها.. جاءت سرقتها رخيصة كرخص ادراكنا لثرواتنا الفنية. اللوحة المسروقة اهمالاً للمرة الثانية من نفس المتحف التي تعد «درة تاج» أروع مجموعات الفن في الشرق الأوسط تكشف بجلاء إنها ما سرقت هكذا مرتين خلال ثلاثين عاما إلا لافتقادنا الثقافة الفنية.. والسارق لم يسرق اللوحة بل نحن أسرقناه إياها وقدمناها علي طبق من ذهب فقد دعمناه بجهلنا معنويا وبإهمالنا ماديا وما كان عليه إلا تنفيذ السرقة دون أدني جهد بذل منه لاقتناصها ولا أدني جهد بذل منا للدفاع عنها وحمايتها ومن قبل ذلك للدفاعن مكانتنا كشعب متحضر كما المفترض فينا. وهذه الخشخاش المسروقة بعد حوالي قرن وربع القرن من رسمها تعد واحدة من أروع لوحات فان جوخ التي رسمها للزهور (عباد الشمس.. الايريس.. والخشخاش) لأنه رسمها في آخر 29 شهراً من حياته، حيث كان متوهج اللون والمشاعر فقد رسمها عام 1887 ضمن لوحاته التي بدي فيها بوضوح نشاطه الفني المحموم كما أنها تمثل نقطة تحول في أسلوب فان جوخ ولهذا فلها أهمية كبري كثروة فنية لم نطق علي الحفاظ عليها صبرا. وهذه اللوحة تحديداً للخشخاش هي واحدة من اثنتين بنفس الاسم تأثر فيها فان جوخ بالفنان الفرنسي أدولف مونتيشيلي الذي برع في رسم الزهور بطريقة جذبت فان جوخ حين وصوله إلي باريس في 1886 وأعجب فان جوج بأعمال مونتيشيلي للغاية.. وقد جذبت فان جوخ لوحات مونتيشيلي للزهور التي رسمها في الفترة من 1879 - 1883 وأثرت علي فان جوخ وبدي أثرها في لوحاته المسروقة.. ولزهور الخشخاش شعبية في الثقافات الشرقية ورسم علي الفخار ويوجد له تماثيل في القرون القديمة ومؤخراً رسمه فنانون في لوحاتهم.. فرسمت الفنانة الأمريكية جورجيا أوكييف عام 1928 اثنتين من زهور الخشخاش العملاقة». ورسم الفنان تشيلدهاسام لوحة «جزر الخشخاش».. ورسم كلودمونية لوحة بعنوان «حقل الخشخاش».. ولوحة «مشخصي القبر» رسمه الفنان ويليام بليك لزهور الخشخاش عن قصيدة القبر لروبرت بلير.. ولوحة فيها هذه الزهرة رسمها السير ادوارد جوزبورن بعنوان «حكاية الأمير» مصورا واحدة من الحكايات «تشوسر» حكايات كانتربري.. أما فان جوخ فرسم لوحتين للخشخاش إحداهما عام 1886 والثانية 1887 المسروقة للمرة الثانية من مصر. في القرون الوسطي كان الكيميائيون ينظرون إلي الخشاش علي أنه من طبيعة قمرية وعلي الأرجح لأنه يجلب النعاس.. وقد صدق حدسهم فبعد ستة قرون أصابت الزهور حراس أمن أحد المتاحف المصرية المهمة بالنعاس مرتين لنفس المتحف خلال ثلاثة عقود وأخذت من بين أيديهم اللوحة وهم نعاسا أو في سبات عميق.