يسود دوائر الديمقراطيين في الإدارة الأمريكية قلق بالغ خشية فوز الجمهوريين في انتخابات الكونجرس المرتقبة في نوفمبر القادم ، الأمر الذي عكسته تصريحات الناطق باسم البيت الأبيض روبرت جيبس والتي ألمحت إلي احتمالات خسارة الحزب الديمقراطي سيطرته الحالية علي مجلس النواب في هذه الانتخابات ، خاصة أنه علي مدي عقود ماضية ، يقدر متوسط عدد مقاعد مجلس النواب التي انتقلت من الحزب الحاكم إلي الحزب المنافس في الانتخابات النصفية بحوالي 28 مقعدا. وعلي الرغم من الجهود التي يستشعر الديمقراطيون أنهم بذلوها في الفترة السابقة ، سواء في مجالات حفز الاقتصاد الأمريكي ، أوقانون إصلاح الرعاية الصحية ، أوالموقف من قانون الطاقة، والتغير المناخي ، فإنهم يعرفون أن أسباب الاستياء الشعبي متوافرة، بالإضافة إلي أنه ، تاريخيا ، جرت العادة علي أن الحزب الحاكم في البيت الأبيض عادة مايخسر انتخابات نوفمبر النصفية. ومع أن الديمقراطيين يتمتعون حاليا بأغلبية 77 نائبا في مجلس النواب فضلا عن أغلبية 58 عضوا علي خصومهم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ، فإن استطلاعات الرأي تنبئ بتغيرات مغايرة مع انخفاض نسبة تأييد الشارع الأمريكي للرئيس أوباما إلي 50% بالمقارنة مع 71 % في عام 2009، بالإضافة إلي مؤشرات تثبت تفضيل أغلبية الناخبين لهيمنة الحزب المعارض في الكونجرس ، بدلا من سيطرة الديمقراطيين الحالية علي البيت الأبيض والكونجرس معا. وفي الآونة الراهنة ، يحمّل غالبية الأمريكيين الرئيس الأمريكي ، والحزب الحاكم المسئولية المباشرة عن استمرار الركود الاقتصادي ، والنتائج السلبية لبقعة النفط في خليج المكسيك، وعدم طرح أية مبادرات إيجابية سريعة إزاء انغماس الولاياتالمتحدة في حربين طويلتين متزامنتين ، الأمر الذي أثار استياء عاما ، نجح الجمهوريون في استثماره جيدا . حركة حفلات الشاي في انتخابات نوفمبر القادم ، يجري التنافس علي مقاعد مجلس النواب وعددها 435 مقعدا، إلي جانب 36 مقعدا من مقاعد مجلس الشيوخ التي يبلغ عددها 100 مقعد ، وفي حالة تحقيق الجمهوريين مكاسب واضحة في هذه الانتخابات في الكونجرس بمجلسيه، فسوف تشكل هذه النتيجة عقبة كبري أمام الرئيس أوباما لتمرير برامجه السياسية ، خاصة وأن الانتخابات القادمة تأتي في منتصف فترة ولايته للرئاسة. ويلاحظ أن الاستياء الشعبي تجاه سياسات الحكومة ، ليس موجها فقط للديمقراطيين ، وإنما يتناول أيضا الجمهوريين ، الأمر الذي يثير تكهنات بتصاعد نفوذ مجموعة المحافظين المتشددين من أعضاء حركة " حفلات الشاي " ، التي يزداد الاهتمام بها سياسيا وإعلاميا في الساحة الأمريكية ، ويرجح أنها ستكون من عوامل التأثير المهمة في مسار الانتخابات القادمة ، كونها تمثل " الفرع النشط " في الحزب الجمهوري ، برغم أنها تمارس نشاطها مستقلة عنه . وتعود أهمية حركة "حفلات الشاي" إلي توجهاتها السياسية نحوالحكومة ، فالحركة تؤمن بالدفاع عن الأسواق الحرة ، وتدافع عن مصالح الشركات وتتحالف معها ، وتتصدي لكل السياسات التي يحتمل أن تقود الولاياتالمتحدة للمبادئ الاشتراكية ، وتنادي بحصر التدخلات الحكومية ، وجعلها في أضيق الحدود . وكانت حركة " حفلات الشاي " قد بدأت مع خروج عدة مظاهرات في واشنطن وولايات أمريكية أخري في 2009، كرد فعل علي خطة باراك أوباما الشاملة لإصلاح التأمين الصحي ،وضد مبدأ أن جميع الأمريكيين يجب أن يتوفر لهم تأمين صحي بضمان من الحكومة، بغض النظر عن مواردهم المالية . كذلك نشأت الحركة نتيجة الغضب من خطة التحفيز المالي ، وارتفاع الديون الناتجة عنها ، بالإضافة إلي خيبة الأمل في الدعم الجمهوري لخطة إنقاذ المصارف . ولكن حركة حفلات الشاي بوجه عام تعرف نفسها بأنها" منظمة رعاية اجتماعية مخصصة من أجل المنفعة العامة والرعاية الاجتماعية لمواطني الولاياتالمتحدة ، وباعتبارها الوصية علي الديمقراطية الأمريكية، وكقوة أخلاقية لحماية منفعة جميع الأمريكيين ". استمرار اليمين في السلطة كشفت استطلاعات الرأي خلال يوليوالماضي أن 38 % من الناخبين المستقلين يوافقون علي سياسات أوباما ، بالمقارنة مع 81% من الناخبين الديمقراطيين ، و12% فقط من الناخبين الجمهوريين . وقد وصلت شعبية أوباما الإجمالية إلي 46 %، وتعتقد نسبة تقل عن ثلث مجموع الناخبين بأن بلادهم تسير في الاتجاه الصحيح. ومن التساؤلات الجوهرية المطروحة حاليا في دوائر أمريكية عديدة ماإذا كان وجود رئيس ليبرالي مستنير كالرئيس أوباما في السلطة ، ومؤيديه من الديمقراطيين ، يمكن أن ينجحوا في مواجهة سيطرة اليمين علي مقاليد المؤسسات الأمريكية ، حيث لم تنته سيطرة هذا اليمين بخروج الرئيس السابق جورج بوش من السلطة ، فاليمين الأمريكي يتغلغل في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي المواقع الاستراتيجية . وعندما نجح الرئيس أوباما في تعميم الضمان الصحي علي جميع أبناء الشعب الأمريكي لكي يشمل الطبقات الشعبية والفقيرة التي كانت محرومة بسبب العجز والفقر ، فقد انبرت تيارات اليمين ، ومنها حركة " حفلات الشاي " لمعارضة مبدأ أن جميع الأمريكيين يجب أن تتوفر لهم رعاية التأمين الصحي بضمان من الحكومة ، بغض النظر عن مواردهم المالية ، الأمر الذي جعل الاستاذ كريستوفر باركر من معهد الدراسات الإثنية والعرقية في جامعة واشنطن يؤكد أن حركة " حفلات الشاي " لديها بنسبة 25 % احتمالية "الكراهية العنصرية"، كونها لاتعني بالأقليات المحرومة اقتصاديا ، فالحركة فعلا تتحيز ضد مصالح الأقليات. غير أن مسألة اليمين الأمريكي المسيطر هي أكبر من ذلك ، وهوما تعبر عنه الكاتبة الأمريكية سوزان جورج حينما تكتب تحت عنوان "انطفاء الأنوار في أمريكا "عن تغلغل الأصوليات الدينية، بخاصة في الولايات الجنوبية ، وتحول المبشرين البروتستانت إلي نجوم تليفزيونيين . وفي احد استطلاعات الرأي تبين أن 60 % من الشعب الأمريكي يعتقدون بأن ماقاله سفر التكوين التوراتي عن خلق العالم صحيح حرفيا ، في حين أن 40 % يعتقدون بأنه كلام مجازي ورمزي ليس إلا، وبالتالي ، فلا ينبغي أن نأخذه علي حرفيته . أما لدي الأصوليين البروتستانت في الولايات الجنوبية فتصل النسبة إلي 90 % ، أي أن 90 % يرفضون العلم الحديث ونتائجه وبحوثه عن نشأة الأرض والكون والإنسان. وتستنتج سوزان جورج أن تغلغل اليمين في المؤسسات الأمريكية، في الوقت الذي يعاني فيه اليسار من التفكك والفوضي ، يترتب عليه في التحليل الأخير ضرب قيم العدالة الاجتماعية ، والتهاون في حقوق الضعفاء ، وتهميش حقوق الطبقات الفقيرة ، واهمال قضايا البيئة والتلوث . وفي هذا السياق ، تجري مناقشة القضايا الانتخابية ، سياسيا وثقافيا ، في ظل مناخات متحيزة ، وهوما يبدوفي الحملة الانتخابية ، وفي نقاشات الكونجرس ، لدرجة أن جمهوريين يمينيين يدعون إلي تعديل دستوري من أجل منع الأطفال الذين يولدون لمهاجرين غير شرعيين من الحصول علي الجنسية الأمريكية، وهي الخطوة التي يعارضها ويرفضها بقوة الرئيس أوباما. قضية المسجد الإسلامي منذ اللحظة التي قال فيها الرئيس أوباما إنه يؤيد فكرة بناء مركز إسلامي يضم مسجدا ، بالقرب من مكان مبني التجارة العالمي ، الذي دمره هجوم 11 سبتمبر 2001، فقد تحولت قضية المسجد الإسلامي إلي قضية انتخابية رئيسية بامتياز. ذلك أن المناقشات حول هذا الموضوع تحولت إلي قضية رأي عام، وانقسم الأمريكيون حيالها بين مؤيدين لايرون ما يمنع من بناء المسجد في منطقة هجمات سبتمبر إثباتا للتسامح الأمريكي ، ومعارضين يتذرعون بضرورة احترام أحزان ضحايا هذا الحدث التاريخي. وامتدت الانقسامات في الرأي إلي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فمن ناحية أعلن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد معارضته لبناء مسجد في مدينة نيويورك بالقرب من موقع التفجيرات ، بينما أدلي جيرولد نادلر الديمقراطي من ولاية نيويورك بتصريح قال فيه " إن الذي هاجم الولاياتالمتحدة في سبتمبر هوتنظيم " القاعدة " وليس الإسلام ، وإن ضحايا الهجمات كان منهم المسلمون " . أما علي صعيد الحزب الجمهوري ، فقد وصف رئيس لجنة أعضاء الكونجرس عن الحزب جون كورنين تأييد أوباما لبناء المسجد أنها تبرهن علي أن الرئيس غير ملتصق بالشعب الأمريكي. وبالإضافة إلي كون قضية بناء المسجد أصبحت إحدي القضايا الانتخابية مما قد يهدد مصير الحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة فقد أثارت نقاشا مجتمعيا موسعا يتعلق بأهمية احترام التعديل الأول في الدستور الأمريكي حول حرية الأديان في الولاياتالمتحدة ، كما تناولت المناقشات موضوعات حول الإسلام، والهوية الوطنية ، وماذا يعني أن يكون المرء أمريكيا . فالرئيس أوباما فسر موقفه بأن مبدأ حرية الأديان في أمريكا يسمح ببناء المسجد في مانهاتن ، وأضاف المتحدث باسم البيت الأبيض بأن الرئيس من حقه الدفاع عن المبادئ الدستورية وعن حرية الأديان والمساواة بالنسبة إلي كل الأمريكيين ، وأنه طالما في الإمكان بناء كنيسة أومعبد يهودي أومعبد هندوسي ، فإنه لايمكن رفض بناء مسجد. علي صعيد آخر، تولت منظمة يهودية تحمل اسم " معاداة السب " Anti Defamation League محاربة فكرة بناء المسجد بالقرب من مكان أحداث 11 سبتمبر ، بدعوة ضرورة احترام مشاعر ضحاياها (حتي ولوقامت هذه المشاعر علي التحيز ) . وكانت هذه الآراء المعارضة وراء ما يمكن وصفه بحملة شعبية متعصبة، عمت عدة مناطق في نيويورك ، وواشنطن ، وكاليفورنيا وهي المظاهرات التي تجاوزت معارضة إنشاء المركز الإسلامي في مانهاتن إلي حد التطرف، ووصف كل المساجد الإسلامية بأنها مجرد معاقل للإرهاب. ولعل الجانب الأكثر تأثيرا في قضية المسجد تتمثل في شدة الانتقادات التي وجهت إلي الرئيس أوباما ، والتي وصلت إلي حد وصفه بأنه "أسود" يكره البيض والمسيحيين، وأنه ليبرالي مسلم عنصري ، ولايفكر مثل بقية الأمريكيين ، وأن تأييده فكرة بناء المسجد مكان ما دمرته هجمات 11 سبتمبر سيترتب عليه امتلاء أمريكا بالمساجد ، وتحويل الأجانب غير القانونيين إلي مواطنين أمريكيين . وأعلن مركز جالوب للاستطلاعات أن شعبية أوباما وصلت إلي 44 % ، وفي استطلاع لتليفزيون سي ان ان جاء أن 70 % من الأمريكيين يعارضون بناء المسجد في مانهاتن. وبالطبع، فإن زعماء الجمهوريين في مجلس النواب يوجهون أعنف الانتقادات للرئيس ، ويتهمونه بالسعي لاسترضاء الإسلام الراديكالي علي حساب مشاعر الأمريكيين . وقد اضطر أوباما لتوضيح موقفه بأنه كمواطن أمريكي ، وكرئيس ، يعتقد أن المسلمين لهم نفس الحقوق في ممارسة الدين مثل أي شخص داخل هذه الدولة ، ويتضمن ذلك الحق في بناء مكان للعبادة ومركز إسلامي ، في مانهاتن بما يتماشي مع القوانين واللوائح المحلية.