أخذ الصحفيون والنقاد يتسللون في الظلام من قاعة العرض التي لم يدخلها أساسا إلا قلة لعل حاسة الشم أو التذوق اقنعتهم أن الفيلم ليس علي المستوي اللائق، كان الفيلم هو الإسباني «الحياة الرائعة» للمخرج الشاب «35 سنة» دانييل فيلا ميديانا Daniel Villa Mediana عرض في مسابقة مخرجي الحاضر في نفس هذه المسابقة بمهرجان لوكارنو - كان قد عرض له فيلم «الثور الهائج» عن حياة مصارع ثيران ، جذبني إلي مشاهدة الفيلم أنه كما قرأت في الكتالوج صور بجنوب إسبانيا بالأندلس بين مدن طليطلة - قادس- قشتا له - بلد الوليد - وأشبيليه.. هذه هي الأسماء العربية الأصلية، حيث حكم العرب الأندلس علي مدي ثمانية قرون.. يدور الفيلم حول محاولة شاب استقصاء ومتابعة تاريخ جده الذي عاش في الجنوب سنوات طوال قبل رحيله إلي أمريكا.. في البداية يلتقي مع جدته التي تروي له ذكرياتها وتطلعه علي صور قديمة في رحلة البحث عن الجذور، نزور هذه المدن الأندلسية: جدرانها، قصورها القديمة، شوارعها، ومع ذكر الأندلس يذكر أو يتذكر الشاب الماضي - الإسلام- وحضارته ويربطه بالحضارة القديمة في روما.. أشبيليه يراها كمدينة مقدسة ، نشاهد صراع الثيران وصراع الديوك والمقامرة حولها نستمع إلي الموسيقي والأغاني. هذا كله - كما تري- شيء جميل وشأنه أن يجذبك، فلماذا إذن أخذ الصحفيون يتسللون واحدا بعد الآخر، وقد صممت علي البقاء حتي النهاية، وجدت لهم تبريرا.. قاومت الملل.. تصدر البطل رحلته بزيارة مطعمها وبطلب كميات ضخمة من السردين وكلها انتهت بطلب غيرها.. ويستمر يأكل ويشرب في بطء شديد والناس حوله يتضجرون وهو يستمتع بشراهة ونحن نضجر .. كما نجده داخل جذع شجرة عتيقة لمدة طويلة تدعو للملل تتراكم أكوام العظام .. وتضيع ذكري الجد الذي يقتضي الجند خطاه .. وإن كان قد ذكر لنا عرضا أنه وقف ضده فاشية فرانكو.. ورحل إلي أمريكا في الأربعينات. ملك الكوميديا نترك فيلم الملل لأدعوك إلي مشاهدة فيلم قديم في قاعة قريبة بالمدينة القديمة نصعد إليها كم أخذت القاعة بالضحكات الصاخبة .. الفيلم في إطار برنامج استعادي Retros Pective عن أرنست لوبيتش Ernst Lubitsch ليضم كل أفلامه التي أخرجها أو انتجها أو مثل فيها .. البرنامج بالتعاون مع السينماتيك الفرنسية - لوبيتش أحد أعظم المخرجين في تاريخ السينما وهو ملك الكوميديا كما اطل عليه، سيرته تمتد من السينما الصامتة إلي الناطقة. «لمسة لوبيتش» تعبير عن إبداعه وقد ولد في برلين عام 1892 وهاجر إلي أمريكا عام 1922 وعمره ثلاثون عاما من أول فيلم له - دخل التاريخ - كان عام 1918 «عيون الحدباء ما» بطولة نجوم ألمان مثل بولا نجري Pola Negri وأميل جاننجز Emil Jannings صيته في الكوميديا مهد له الطريق إلي هوليوود بين الثلاثينات والأربعينات قام ببطولة أفلامه نجوم هوليوود مثل «مدريس شيفالبيه وجاري كوبر ومارلين ديتريش ، وجيمس ستيوارت وجريتا جاربو» من أفلامه الرائعة أن «تكون أو لا تكون» 1942 كوميديا حول مقاومة النازي وبربريتهم وغبائهم - عام 1947 نال لوبيتش الأوسكار الشرفي وتوفي بعدها، يقول عنه الناقد أوليفير بير Olivier Pere المدير الفني الجديد لمهرجان لوكارنو ما زال لوبيتش له أهميته بعد خمسين سنة من وفاته.. شهد له جمهوره هذا العام تأثيره الكبير علي المخرجين الأوروبيين والأمريكيين. مشاعر غامضة دعوتك إلي مشاهدة فيلم لوبيتش «مشاعر غامضة» الذي يعود إلي عام 1941، وقد ضجت الصالة الكبيرة بالضحكات، الفيلم بطولة ملفين دوجلاس Melvyn Douglas رجل الأعمال الناجح الذي يحب زوجته ميرل أوبرونMerle Oberon وكانت لانشغالاته في التعاقدات ولكنه ينشغل عنها بأعماله.. تعاني من زغطه ومن الملل تذهب إلي طبيب نفسي - تعارف في عبارته علي عازف البيانو الرائع الذي يخبرها بموسيقاه ويعرفها علي قاعة الفن التي تعرض لوحة ثمينة، لا تفهم فيها شيئا يقنعها أن هذا هو الفن الحديث. يقيم زوجها مأدبة رجال أعمال من المجر يعرفها كيف تحييهم باللغة المجرية ويفاجأ بحضور عازف البيانو مفاجآت ومقالب ويحاول الزوج حدفها عن عازف البيانو.. التي كانت تعتني به، ولكن في النهاية السعيدة يضحك الجمهور للمواقف الكوميدية الغريبة. جمهور جاربو اليوم التالي عرض أحد روائع لوبيتش «بنوتشكا» الذي يعود إلي عام 1939 .. ومازال يثير الإعجاب يضحك الجمهور مع جريتا جاربو القوميسارة السوفييتية التي تحضر لأول مرة إلي باريس لتعرض مجوهرات الارستقراطية البائدة .. كيف تحول من الجدة والجهامة بل والصرامة في زيها الخشن إلي الأنثي الرقيقة التي تبهرها أضواء باريس وتترك الرأي الخشن إلي زي حديث براق .. وتستمتع بحياة الليل .. إلي أن تقرر عودتها .. قدم الفيلم، وقتها بدعاية «جاربو تضحك». ليس هذا أول أفلام مارلين ديتريش من إخراج لوبيتش فقد أخرج لها عام 1938 فيلم «ملاك». ومن أجل أفلام لوبيتش وأكثرها مرحا فيلم «الأرملة الطروب» 1932 بطولة مدريس شيفاليه chevalier وجانيت ماكدونالد مستوحي من أوبريت بنفس العنوان «موسيقي ليهار» وأفلام أخري عدة صامتة وناطقة من العشرينات والثلاثينات أغلبها إنتاج أمريكا وبعضها ألماني بالأبيض والأسود مازالت تثير الإعجاب، كما بدا من إقبال الجمهور .. سيعاد تقديم هذا البرنامج الاستعادي في مدينة لوزان في شهري أكتوبر ونوفمبر القادمين. فيلم جديد 2010 يعرض في هذا البرنامج فيلم جديد إنتاج فرنسي 2010 هو «الريس» بالألوان إخراج برنارد بينه B.Benh، تينا المير هذا الثنائي يعد الكوميديا الأمريكية الجذابة «يتسلل النقاد من عرض فيلم مخرج شاب .. ويقبل الجمهور علي عروض قديمة .. ومع هذا فمازلت أؤمن بسينما الشباب.