تفجرت مؤخراً قضية المخرج والباحث السينمائي اليمني حميد عقبي للمرة الثانية منذ تكفيره وإهدار دمه في إبريل الماضي بعد أن طالبت زوجته كريمة شويرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بمنحها وأطفالها الثلاثة حق اللجوء السياسي إلي فرنسا للحاق بزوجها المقيم هناك لإتمام رسالة الدكتوراه في الإخراج السينمائي ويعد لإنجاز فيلمه الطويل الأول الذي يحمل عنوان "بلال وحبيبته حورية". وأشارت إلي أن الأوضاع في اليمن باتت تمثل خطورة علي حياتها وحياة أولادها حيث قالت حول إمكانية صدور فتوي ضدها"كل شيء جائز ومحتمل جداً حدوث ذلك قريباً. فأي شخص يتضامن مع زوجي معرض للتهم والفتاوي التكفيرية وسبق أن قام بزيارتنا أكثر من مرة عناصر نسائية من جماعات دينية ليحاولن إقناعنا أن ما قام به زوجي جرم كبير معتمدين علي فتاوي النائب البرلماني المتشدد محمد الحزمي وغيره". وأضافت كريمة شويرب " أنا مقتنعة بزوجي وحتي إن أخطأ في التعبير فإن الله غفور رحيم لكن هذه الجماعات لا تعرف سوي التكفير والتهديد". فتوي التكفير وكان المخرج اليمني قد صدرت بحقه العديد من فتاوي التكفير إثر نشره سلسلة من المقالات النقدية عن الفيلم المصري "حين ميسرة" للمخرج خالد يوسف في جريدة الثقافية اليمنية بتاريخ 21 مارس بعنوان "المضمون الاجتماعي والسياسي والإغراء الجنسي في أفلام خالد يوسف". وتناول عقبي الحديث في مقاله عن المثلية الجنسية وعن ضرورة التعامل معها علي أنها واقع في مجتمعاتنا مؤكداً "المثلية الجنسية هي جزء وشريحة من مجتمعاتنا ولا يمكن أن نلغيها أو نستمر في ازدرائها وعزلها، وعلينا ان نطور القوانين المدنية ونوسع من حرية التعبير لتجد هذه الفئة المناخ الملائم للتعبير عن نفسها واندماجها وتفاعلها مع الآخرين، ففي الغرب والدول المتقدمة توجد مؤسسات عملاقة وجمعيات لحماية هؤلاء ونبذ العنصرية ضدهم وتم سن قوانين عديدة لحمايتهم ومساعدتهم علي الاندماج والتعايش مع الفئات الأخري وهم يطالبون بسن مزيد من القوانين مثل قوانين الزواج بعضهم من البعض والتبني وغيرها من الحقوق المدنية. (...) وأصبحت عقود الزواج المثلية يتم عقدها في الكنائس وبعض الدول مثل أسوج التي سنت قوانين الزواج المدني بين المثليين. وربما بعد عشرين عاماً قد يصبح حضور مراسم زواج مثلي جنسي في بلد مثل اليمن أمراً عادياً ليس فيه أي نوع من الغرابة أو الدهشة، نحن نعيش في عالم السماوات المفتوحة والتغيرات السريعة ونحن جزء من المجتمع الإنساني ولا يمكننا أن نظل معزولين عنه ومن الأفضل ان نناقش مثل هذه القضايا بشكل علمي بعيداً عن سطوة وتأثيرات أخري كالدين والعادات والتقاليد". وما كان إلا أن فتحت النيران علي المخرج وعلي الجريدة وتمت مناقشة الموضوع في البرلمان اليمني في السابع من إبريل وتم تحرير مذكرة إلي وزير الاعلام من رئاسة البرلمان تطالبه بغلق الصحيفة والتحقيق مع المسئولين. وترأس النائب البرلماني محمد الحزمي الحملة ضد حميد عقبي وبالفعل تم إصدار قرار بإيقاف الصحيفة وتحويل طاقم التحرير إلي التحقيق. صمت المنظمات الحقوقية وأعلن المخرج اليمني من مقر إقامته في فرنسا الخميس الماضي الإضراب عن الطعام لمدة 100 ساعة احتجاجاً علي دعوي إهدار دمه وعلي صمت المنظمات الحقوقية والإنسانية العربية والدولية تجاه قضيته. وأضاف عقبي أنه وعلي الرغم من المناشدات التي تقدم بها للعديد من المنظمات الحقوقية، إلا أنه لم يجد الدعم إلا من البرلماني المستقل أحمد سيف حاشد والحقوقية سعاد القدسي رئيس ملتقي المرأة اليمنية ، وتم نشر بيان تضامني علي موقع سينماتك حداد الذي يديره الناقد السينمائي البحريني حسن حداد، وعلي موقع الناقد السينمائي صلاح هاشم، وعلي موقع السينما العربية التابع لمهرجان نوتردام الدولي. يذكر أن حميد عقبي من مواليد الحديدة باليمن عام 1972 حصل علي البكالوريوس في الإخراج الإذاعي والتليفزيوني من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1979، وحصل علي شهادة الماجيستير عام 2004 في الإخراج السينمائي والمسرحي من جامعة كون بفرنسا، وكان موضوع الرسالة "بحث في السينما الشعرية في أفلام المخرج الفرنسي جون كوكتو، والمخرج الإسباني لويس بنويل، والمخرج الإيطالي باز وليني، والمخرج السويدي بيرجمان والمخرج الروسي تاركو فسكي وسينمائية القصيدة الشعرية". ينهي حالياً رسالة الدكتوراه بعنوان "المساهمة النظرية والجمالية للسينما الشعرية وعلاقتها بالسينما السريالية والتجريبية" بجامعة كون بفرنسا. الحلم والكابوس ساهم عقبي في تأسيس كلية الفنون الجميلة بجامعة الحديدة عام 1998، وعمل مدرساً مساعداً بها. ومن أهم أعماله السينمائية كتابة سيناريو وإخراج فيلم "الرتاج المبهور" عن قصيدة بنفس العنوان للشاعر عبد العزيز سعود البابطين، وفيلم "حياة جامدة" عن قصيدة بنفس العنوان للشاعر العراقي سعدي يوسف، وفيلم "محاولة للكتابة بدم شاعر" عن قصيدة بعنوان "محاولة للكتابة بدم الخوارج" للشاعر اليمني عبد العزيز المقالح. وهي كلها من الأفلام القصيرة التي تنتمي للسينما الشعرية التي اكتشفها عام 1996 وتأثر بها كثيراً. مسيرة حميد عقبي بها الكثير من الصراع والتحديات ليس فقط المادية ولكن الفكرية حيث عمل علي أن ينقل نوعًا من الفانتازيا والجنون للتعبير عن بعض القضايا المحظورة. ويقول عن رؤيته في أعماله "أنا أميل إلي الأفكار الفلسفية وأحيانا السياسية لذا مثلاً فيلمي الأول محاولة للكتابة بدم شاعر لم يجد قنوات للعرض وفيلمي الثاني أيضا. أنا أخوض موجة صعبة، أفكارًا مبعثرة، أحاسيس غريبة أحاول أن أفرغ بعض ما أحس به في أعمالي ومتي اقتنعت بقصيدة. اقتناعي بها يأتي بعد أن أحس بها أولاً وأنها تعبر عن بعض أحاسيسي اخلط بين الحلم والكابوس الوهم والحقيقة". نموذج المخرج اليمني هو نموذج مؤسف بكل المعايير فالمتتبع لمسيرته يري أنه يمثل نموذج الفنان القلق المشاغب الذي يريد أن يبث كما قال هو كل اضطراباته وجنونه وأحلامه وكوابيسه في فنه. ظهوره في جو لا تزال فيه السينما اليمنية تخطو خطواتها الأولي وفي جو من الاضطرابات السياسية والعنف الطائفي والصخب الديني بين الشد والجذب بين تأثير القاعدة وتمرد الحوثيين وتزمت السلفيين، كل هذا بالتأكيد لم يكن ليخفي علي الباحث الشاب الذي يطمح لأن يؤسس لسينما شعرية عربية ولمهرجان سينمائي يمني. سعي المخرج اليمني للتأسيس لحقوق المثليين جنسياً في مثل هذه الأجواء وفي الوقت الذي لم يؤسس هو فيه لنفسه تاريخاً سينمائياً يدعم فكره ومنهجه وعن طريق اتباع أسلوب الصدمة هو إشارة إلي استخدامه مثل هذه الكتابات لإثارة زوبعة حول أعماله فسرها البعض علي أنها نوع من السعي لتسليط الأضواء علي فيلمه القادم والذي سيتناول أيضاً موضوعات حساسة تمس المعتقدات الدينية والغيبية السائدة. هامشية الصراع بين الابداع والتكفير تراجع المخرج عن تأويل ما كتبه علي الرغم من تمسكه بعدم الاعتذار الذي طالبه بها البعض في اليمن تؤكد اضطرابه في تفسير قضيته. فهو في النهاية ليس بصاحب قضية. وأشار رداً علي سؤال حول دعوته لسن قوانين تبيح زواج المثليين جنسياً "هذا كلام غير دقيق. أنا طالبت بمسألة توسيع وسن قوانين للحرية الاجتماعية، وفهم ظاهرة المثلية الجنسية والتعامل معها بأسلوب علمي وحضاري، والعبارة الأخيرة ليست أمنية ولا حلما بالنسبة لي، تستطيع أن تقول إني ضد أن يكون هناك تمييز عنصري بين الناس بغض النظر عن انتمائهم الديني أو هويتهم الجنسية. أنا لست مثلياً ولكني أعيش في بلد متحضر لا يفرق بين الناس ويحترم حرية التعبير والحرية الشخصية ومسألة سن قوانين للزواج المثلي لم يكن مطلبي كوني أعلم جيداً أن هذا أمر يناقش حتي هنا بفرنسا، وهناك من هم مع أو ضد هذا الأمر، ولكن النقاش يدور بطرق حضارية. أنا أكثر علماً وفقهاً وإيماناً من محمد الحزمي ويمكنني مناظرته ومستعد لذلك بأي قناة فضائية عربية أو عالمية ومستعد للرد عليه بخصوص هذه القضية، وقضية زواج القاصرات ومسألة تحرير المرأة كونه ينظر إليها كمتاع، ويحرمها من أقل حقوقها كإنسانة". حميد عقبي إما أن يكون جاداً في حلمه بالتغيير فيعرف أنه لن يتحقق عن طريق إبداع الصدمة وشطحاتها بعيداً عن الواقع الاجتماعي والسياسي، وإما أن يكون مبدعاً يريد أن يشطح بإبداعه ليعبر عن اضطراباته التي ستظل في النهاية بعيدة عن مجتمع يحلم له بسينما هادفة. الغريب هنا هو أن مسألة التكفير ليست بالجديدة في مجتمعاتنا وليست بالجديدة في المجتمع اليمني. والغريب أيضاً هو أن حميد عقبي ليس أول من ذاق نتيجة شطحاته الإبداعية. لكن الأغرب هو أننا أصبحنا نضيق علي أنفسنا مفهوم الحريات لكي نشغل أنفسنا بحقوق شريحة من المجتمع في الوقت الذي تضيع فيه حريات المجتمع ككل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. هذه الحرب المفتوحة بين من يشطحون من المبدعين وبين التكفيريين تكاد تفقد معناها في خضم الواقع المأساوي لمجتمعاتنا وهي الحرب التي تريد أن تصور لنا الأمور علي أنها تمثل صلب مشكلاتنا. فالحقيقة أن كلاً من الفريقين يعيش هامشًا فجًا منفصلاً عن المشكلات الفعلية ويتصرف بعدم قدرة علي كونه فاعلاً في قضية التغيير. فلا شطحات عقبي ستعطي للمثليين جنسياً حقوقهم ولا دعاوي التكفير ستقضي علي وجود المثليين جنسياً.