بدأ الإرسال الإذاعي الرسمي في عام 1934، والتليفزيوني في 1960، وباستمرار كان قطاع الهندسة الإذاعية (أحد أهم قطاعات اتحاد الإذاعة والتليفزيون) يعمل علي تطوير الأجهزة وإحلال التقنيات الجديدة محل القديمة. من ينظر إلي صورة ميكروفون الإذاعة في الخمسينات، ويقارنه بالحالي يجد فرقا شاسعا في الحجم والشكل. كانت أجهزة الاستديوهات والإرسال تستخدم الصمامات المفرغة (اللمبات)، وأدي التقدم التكنولوجي إلي استخدام الترانزستور والدوائر المتكاملة، وهي قطع صغيرة الحجم جدا بالمقارنة مع اللمبات. كان الإرسال التليفزيوني "ابيض وأسود" منذ بداية التليفزيون في 1960، وتحول بعد حرب 1973 إلي الألوان، وبالطبع تم الاستغناء عن الأجهزة القديمة واستخدام أجهزة تعمل بالتقنية الجديدة.عند إحلال الأجهزة الجديدة محل القديمة، كان القديم يتم جمعه وتخزينه، ليباع بالمزاد كقطع خردة، فيتم صهره والانتفاع بالنحاس والحديد اللذين به. محطات الإرسال الإذاعي في (أبو زعبل) مثلا، كانت تستخدم لمبات كبيرة الحجم يتم تركيبها بواسطة ونش ليرفعها ويثبتها في مكانها بالمحطة. اللمبات المستخدمة كان يتولد منها أثناء التشغيل كمية حرارة كبيرة، فيتم تبريد بعضا منها بالماء والبعض الآخر بالهواء. كانت بعض المكونات المستخدمة بالمحطة (المكثفات في محطات القدرات العالية) توضع علي عربات ذات عجل لنقلها من مكان لآخر. كل هذه المكونات الكبيرة الحجم الغريبة الشكل تم الاستغناء عنها، وخرجت من الخدمة. هل فكر أحد في جمع هذه الأشياء ووضعها في متحف يعرض تاريخ هذه الأجهزة مرئيا وملموسا؟ في عام 2002 صدرت تعليمات الأستاذ صفوت الشريف وزير الإعلام وقتها لجمع كل ما نجا من المزاد، كل ما كان بعيدا عن العين في مخازن الهندسة الإذاعية ومراكز الإرسال واستديوهات الإذاعة والتليفزيون، من ميكروفونات وأجهزة إضاءة وأجهزة مزج الفيديو، وقطع من مراكز الإرسال. وبعد الجمع تم وضع كل هذا في إحدي قاعات مبني ماسبيرو تحت اسم : متحف التراث الهندسي. كانت قطع هذا المتحف قليلة وفقيرة، وقد عرضت فقط علي العاملين بالإذاعة والتليفزيون، حيث أنه لا يمكن لأي شخص من الجمهور أن يدخل إلي ذلك المتحف إلا إذا كان لديه "كارنيه" دخول مبني ماسبيرو. أين محطة البرنامج العام التي عن طريقها تم بث بيان الثورة في عام 1952، وإعلان تأميم قناة السويس في عام 1956؟ أين الميكروفون الذي جلس أمامه أنور السادات وهو يذيع بيان الثورة؟ أين الميكروفون الذي تم تثبيته علي طاولة أمام جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية ليذيع عن طريقه إعلان تأميم قناة السويس لتصير شركة مساهمة مصرية؟ أين الميكروفون الذي وضع في نوفمبر 1956أمام عبد الناصر وهو واقف علي منبر الجامع الأزهر ليعلن بأعلي صوته : سنقاتل، سنقاتل ولن نستسلم. أين الكاميرا التليفزيونية التي صورت الزعيم عبد الناصر في يوم افتتاح البث التليفزيوني منذ خمسين عاما؟ لقد فات علي المسئولين ان يهتموا بإنقاذ بعض الأجهزة من مذبحة المزادات لتكون شاهدة علي أحداث مهمة موجودة في ذاكرة الوطن، وكان يرجي أن يشهد عليها الميكروفون الذي أمسكته يد الزعيم، والكاميرا التي انطبعت فوق شاشتها صورته، والمحطة التي بثت خطابه الملئ بالأمل لشعبه والإباء أمام أعدائه. تهتم الأمم المتقدمة بإنشاء المتاحف لتكون تاريخا ملموسا ومرئيا وشاهدا علي الأحداث الكبيرة . ومصر لم تنعدم المتاحف فيها، بل فيها الكثيرمن المتاحف، بعضها للآثار، والبعض للفنون والبعض للوسائل التي تعين علي المعيشة . نري في متحف السكة الحديد بميدان رمسيس تطور قاطرات وعربات السكة الحديد، ففيه القاطرات التي كان وقودها الفحم ثم البخار ثم الديزل،حتي آخر تقنية وهي الجر بالكهرباء، كذلك يشهد متحف البريد عن تطورات البريد في خلال قرن وربع قرن من الزمان، والإذاعة بشقيها المسموع والمرئي تحتاج إلي متحف مثلها مثل البريد والسكة الحديد. لهذا نطالب الجهات المعنية بإنشاء المتحف، ليشمل كل الأجهزة التي نجت من المزادات، ويضاف إليها ما يخرج من الخدمة من أجهزة استديوهات تجهيز البرامج، وأجهزة نقل البرامج (الميكروويف)، وأجهزة الإرسال، وأجهزة القياس. يمكن أن تضاف للمتحف صور الأحداث المهمة التي شاركت فيها الإذاعة والتليفزيون. لتضاف إلي المتحف أيضا أجهزة الاستقبال (الراديو والتليفزيون)، وأظننا سنجد في كثير من البيوت، تلك الأجهزة القديمة من أربعينات وخمسينات وستينات القرن العشرين، فكثير من العائلات تهتم بالاحتفاظ بتلك التحف، وعندما تسمع عن مثل ذلك المتحف المرجو إقامته، ستتقدم بكل ما لديها بكل سرور. ليكن ذلك المتحف خارج مبني ماسبيرو، لتتاح للجميع فرصة مشاهدته.