كتب أحمد سراج رجوت هذه اللحظة وأشفقت منها، أشفقت منها لأن دمًا طاهرًا بريئًا سيهريق على مذبح الحرية قربانًا لها، وانتظرتها لأن الدم الطاهر البريء هو الحد الفاصل بين الحقيقة والخديعة وإن تطابقت الصفات الظاهرية بينهما، هذا الحد الفاصل تتلوه دم معركة نهائية معها يسقط الباطل سقوطًا مروعًا على يد فرسان لا هم لهم سوى تمزيقه والتمثيل به لقاء ما فعل برفاقها الأطهار البررة. وسيظل فينا الشهيد عماد عفت بنحوله الذي يشبه نخلة أصلها في الأرض وفرعها في السماء، وبصوته الهادئ المطمئن الذي يجعل كلامه شبيهًا بتلاوة عذبة، وبموقفه المضيئ في ليل فقهاء السلطة وأئمة السلاطين الأوساخ الذي لا يشبه إلا مصباحًا يوقد من شجرة مباركة، على أن استشهاده سيبقى هو الحد الفاصل بين الحقيقة المرة والخديعة الملبسة، إن استشهاده بامتياز هو السقطة التراجيدية في دراما التحرير؛ فبموجبها سيتجمع فرسان الحق هكذا قال التاريخ، وهكذا قالت الأساطير: 1. وكان ما كان من أن ولى معاوية بن أبي سفيان ابنه يزيد، وكان ما كان من رفض الحسين وابن الزبير وغيرهما مبايعة يزيد أميرًا للمؤمنين، وكان ما كان من كربلاء واستشهاد سيدنا الحسين، ولما أن التف جند يزيد حول خيام النساء، خرجت السيدة زينب بنت الحسين صارخة: إن لم يكن دين ألا مروءة... ثم مضى أقل من عمر المرء وفي عام 132ه سقطت الدولة الأموية وقتل العباسيون كل من ثقفوه من بني أمية، أما من مات قبل هذا التاريخ؛ فقد نبشوا قبره وأخرجوه وصلبوه. 2. ولما أن قتل الزناتي خليفة ثمانين بطلاً فارسًا من بني هلال، قصَّت (الجازية) ضفائرها وكذا فعلت فتيات الهلايل وأرسلتها لدياب بن غانم استنجادًا، لكن صديقه الخفاجي عامر – ملك العراق – لما رأى الضفائر ثارت حميته، واندفع لقتال الزناتي خليفة الذي لم يستطع مجاراته لذلك دبر خدعة، فانسحب إلى البساتين وخلفه عامر مهاجمًا؛ وهنا أصاب أحد الخونة عامر من الظهر برمح ليسقط شهيدًا، وما كان من بنت الخفاجي عامر يا سادة يا كرام إلا أن قصت شعرها وذهبت به لدياب بن غانم الذي ما إن علم بما جرى وكان، حتى امتطى فرسه "الخضرة" وقاتل الزناتي حتى صرعه ووضع رمحه في عينه ونزع رأسه وطاف بها على ثكالى الهلايل وأيتامها. 3. ولما تعذر اقتحام طروادة، واشتد ضعف الإغريق؛ إثر اعتزال أخيل الحرب، قام بتروكلس صديق أخيل وابن عمه بسرقة درع أخيل وسيفه ودخل الحرب كي يحمس الجنود، لكنه تلقى طعنة من الخلف وقام هكتور بالقضاء عليه، وما إن رأى أخيل جثة ابن عمه، حتى ارتدى خوذته وتقلد سيفه، وانطلق ليحارب هكتور ويقتله ويربطه في عربته ويمثل بجثته. 4. ولما تولى المهلهل أمر تغلب وشرع يطلب ثأر أخيه عم الدم الأرض، واعتزل العقلاء الحرب، ثم رأى الحارث بن عباد أنه لا بد من حل لإيقاف سيل الدم فأرسل ابنه الوحيد بجيرًا إلى المهلهل ومعه رسالة مفادها أن اقتل ابني لقاء وقف الحرب، وفداء لأخيك، فما كان من المهلهل إلا أن أخرج سيفه وقتل بجير قائلا: بؤ بشسع نعل كليب. (أن أنت فداء جزء من نعل كليب) ولما علم الحارث بما جرى ركب فرسه النعامة، وانضم إلى صف أعداء المهلهل وقضى على جيشه في يوم تحلاق اللمم. الآن وقد سقط منا عماد والذين معه، الآن وقد عرَّى حرسُ طروادة فتاة مصرية وداسوها بالنعال، وقد حرقت أكباد آباء ولذعت أفئدة أمهات، وحرقت مجامع وهدمت أنفس- ما الذي يتبقى سوى أن يخرج المخلِّص؟ ما الذي يُنتظَر بعد كل هذا الكم من الخيانة العظمى لأبسط معاني الوطنية؟ نريد عدلاً وأمنًا وحقًّا.... نريد وطننا... لا مزيد. أقوال غير مكسورة: 1. قلت لكم مرارا/ إن الطوابير التي تمر./في استعراض عيد الفطروالجلاء/ (فتهتف النساء في النوافذ انبهارا)/ لا تصنع انتصارا/إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحارى/لا تطلق النيران.. إلا حين تستدير للوراء/ إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء/ لا تقتل الأعداء/ لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا/تقتلنا، وتقتل الصغارا! أمل دنقل- قصيدة (تعليق على ماحدث)1972 – عن ضرب الجيش لطلاب الجامعة المعتصمين بميدان التحرير للمطالبة بالحرب مع إسرائيل. 1. رَحَلَ الطغاةُ ولن يَكُونَ/ لمصرنا فرعونُها المنسوجُ/في رَحِمِ السماء/دار الزمانُ ولن يعودَ/لسدَّةِ العَرشِ الطَّواغِيتُ انتهَى/عَصرُ المذابحِ والقرابينِ انتهَى/عَصرُ العِبادةِ والسيادةِ والرياء/ ما عادَ عَرشٌ للملِيكِ الفَردِ/في زَمن الجماهِيرِ الأسَاطِير/فاختر لنفسِكَ ساحةً أخرى/واحمِل نَصائحَكَ السديدَة/وادفن دفاترَكَ الرشيدَة/الشَّعبُ يُدرُك أنهُ/صَنعَ النجاةَ بصدرِه/فَعَلامَ تَهرِفُ بِالهُراء؟ أحمد سراج- قصيدة (فرسان الساحات الخالية – ديوان الحكم للميدان مايو 2005) لتحميل الديوان: http://goo.gl/eJv2O