كتبت يمنى مصطفى محمود كلب و انسان هل شاهدتم الفيديو الذي انتشر علي الانترنت لكلب يزيح كلبا آخر دهسته السيارات عن الطريق كي لا تدهسه السيارات مرة أخري بدون أن يعضه بأسنانه كي لا يؤذيه؟ ؟ قارن هذا المشهد بمشهد وحوش في لباس بشر يجرجرون جثث الشهداء ليلقوها في صفائح الزبالة أو بآخرين يسحلون فتاة و يجردونها من ثيابها ثم يضحكون عليها و هي فاقدة للوعي.. ثم قارنه بأناس لازالوا يساءلون نفسهم قبل أن يتفاعلوا مع صورة أي شهيد، هل هو بلطجي أم لا .. تري هل سأل هذا الكلب نفسه قبل أن يفعل ذلك ان كان هذا الكلب المصدوم كلباً ضالاً أم كلب ابن ناس، هل تحري قبلها ان كان خطأ الكلب أم خطأ السيارات (ما هو ممكن أن يقول بعضهم أن الكلب بطئ الفهم فيستحق ما حدث له)! هذا هو بالضبط المنطق الذي يتحدث به أناس عاديون ممن لا يكلون و لا يملون عن محاولة ايجاد مبررات اخلاقية لمواقفهم المتخاذلة الحالية أو لمواقف سابقة أخطأوا فيها... ستراهم علي برامج التوك شو يزيحون من علي أنفسهم البطاطين بسبب حماستهم في الاتصال الهاتفي ليقولوا "البلد حتولع، أنا مش فاهم العيال اللي في التحرير عايزين ايه"، أو تجد الواحد أو الواحدة منهم علي الفيس بوك يرتشف رشفة من الشاي الساخن ثم يكتب بكل برود تعليقاً علي صورة شهيد قائلاً "مش يمكن كان بلطجي"! فعلاً من الكلام ما قتل.. يقول الرسول صلي الله عليه و سلم "وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم" ترياق الضمير المدهش في الأمر أن هؤلاء لن يغلبوا في محاولة اثبات أنهم علي حق، فمثلاً حين وقعت أحداث ماسبيرو المأساوية و التي مهما كانت أسبابها فلن تبرر أبداً الدهس بمدرعة، تجدهم يمسكون في سبب واهي كتحريض القس فلان او علان لمجرد أن يخدروا ضمائرهم التي أرهقتها الثورة بعد طول غياب.. و في كل مظاهرة أو اعتصام حدث بهما قمع و عنف غير مبررين يبدأون دوماً حديثهم بأنهم مع الثورة و أن هؤلاء المتضررين من العنف ليسوا من شباب 25 يناير الأطهار (و بحسب منطقهم الملتوي يستحقون السحل و الضرب).. و حين وقعت مجزرة التحرير في 22 نوفمبر ووجدوا أن الوجوه هي ذاتها وجوه 25 يناير (تشهد بذلك اصاباتهم)، بدأوا يبحثون لهم عن مخرج يبررون به تعاطفهم مع من أجرم في حق هؤلاء الشباب، و كانت الرواية الرسمية علي القناة الأولي دائماً جاهزة، فقالوا "لأ! أصل الناس اللي في الميدان غير الناس اللي في محمد محمود".. و تجد نفسك تدخل في جدالات عبثية عن مدي قرب أو بعد وزارة الداخلية عن الميدان و الشارع و كيف أن للميدان مداخل هذا من أهمها و يجب تأمينها من الهجوم المستمر و من ثم فلا مناص من سقوط الضحايا هناك و كل هذا والمتحدثون يجلسون على مقاعدهم الوثيرة في البيت أو وراء الميكروفون، في الوقت الذي تتوالي فيه سيارات الاسعاف حاملة جثث الشهداء بلا توقف اما برصاص حيى أو خرطوش او ضرب أفضي الي الموت أو اختناق بغاز.. و لكن دعنا من هؤلاء، فهؤلاء الذين يتغير التاريخ من حولهم و هم "يتفرجون" ،فان وجدوا أنفسهم أمام اختيار أخلاقي صعب وضعته أمامهم بشاعة المشاهد، سموها فتنة، و التزموا الصمت حتي يعطيهم أحد تبريراً أو يصدر أحدهم بياناً يأتي علي هواهم، أو يعثر أحدهم علي صورة مفبركة ليتهم بها كل الفيديوهات و الأدلة الأخري بالفبركة بناءً علي اكتشافه العظيم و السؤال هو هل كان الشهداء بالرصاص الحي فوتو شوب برضة يا فتك!.. هم يبحثون عن أي شئ يعطيهم مبرراً أخلاقياً لصمتهم و تخاذلهم و حينها يلبسون دروعهم و ينطلقون دقاعاً عن باطلهم مسلحين بتلك الحجج التي ان ذهبت الي قلب الحدث لذابت خجلاً أمام فورة حماس الشباب و صدقهم.. من الآخر كده ستكون هناك دوماً رواية رسمية، و ليس معني أنه هناك واحدة أننا يجب أن نصدقها كي نخدر ضمائرنا بها، فدوماً الجاني لديه الحجة، و لكن عليك النظر الي من ظُلم، الذي اعتدي عليه و الذي هُشمت رأسه و التي هُتك عرضها، أن أي فعل من قبل هؤلاء لا يبرر الوحشية في التعامل معهم بهذا الشكل.. خطب عمر بن الخطاب في إحدى خطبه فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم وليأخذوا أموالكم، من فعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه، فقال عمرو بن العاص: لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقص منه؟ قال: إي والذي نفسي بيده، ألا أقصه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه. هؤلاء يسمون أنفسهم الاغلبية الصامتة لأنهم راضون بالحال و غير راضين عن حالة عدم الاستقرار التي تخلقها الثورة، و كأنهم يريدون ثورة بكاتم للصوت مثلاً، و مع ذلك فهم أعلي صوتاً و أكثر اثارة للفتنة حين يخرجون بما يسمونه مظاهرات مؤيدة للمجلس العسكري كلما انتقد الشباب العنف و المحاكمات العسكرية، يقودها شخص يدعي العنكبوت – حقاً أن اوهن البيوت لبيت العنكبوت و كذلك منطقهم .. و مع ذلك ان اتت الثورة بتغيير للأفضل، نسوا من اتي بهذا التغيير الذي يعيشون ثماره و اتهموا شباب الثورة بمحاولة فرض رأيهم كلما طالب الشباب بعد ذلك باصلاح أمر ما أو اعترضوا علي ظلم وقع بهم، فقالوا لهم "كفاية بقة خربتوا البلد (اللي هي كانت باريس قبل كدة)"! صدق عبد الرحمن الكواكبي حين قال: الاستبداد يقلب الحقائق فى الأذهان، فيسوق الناس إلى إعتقاد أن طالب الحقِّ فاجرٌ، وتارك حقّه مطيع، والمشتكي المتظلِّم مفسد، والنّبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين، ويُصبح – كذلك – النُّصْح فضولاً، و الغيرة عداوة، والشّهامة عتوّاً، والحمية حماقة، والرحمة مرضاً،كما يعتبر أنَّ النِّفاق سياسة، والتحيُّل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة." للأسف اللي اختشوا ماتوا.. في التحرير و القصر العيني..