كتبت يمنى مصطفى محمود في قصة خيالية كتبها جورج أورويل الكاتب الانجليزى الذى اشتهر باللماحية والذكاء والوعى العميق بالظلم الاجتماعى ، كتب عن مزرعة للحيوانات ضاقت فيها الحيوانات من معاملة البشر و استعبادهم في مقابل الفتات، و أن تكون نهايتهم اما الذبح أو القتل، فقرروا الثورة علي البشر و بالفعل تمكنوا من طرد البشر من المزرعة، وصارت المزرعة تحت سيطرة الحيوانات.. و كان قائد هذه الثورة الروحي حيوان عجوز، خطب في الحيوانات خطبة غيرت حياتهم و خط لهم فيها مبادئ عليا يسيرون عليها كي لا يتحولوا هم أنفسهم الي بشر في القسوة. ثم ما لبث أن أصابته رصاصة طائشة من مالك المزرعة، مات علي اثرها.. و منذ هذه الخطبة بدأت الحيوانات تخطط لتحقيق هذه الثورة.. و كان العقل المدبر لهذه الثورة اثنان، الأول اسمه كرة الثلج و هو كما يوحي اسمه حيوان نبيل يحلم بتحسين اوضاع الحيوانات و لديه رؤية واضحة لمستقبلهم و تنميتهم كتعليمهم القراءة و الكتابة ولديه أفكار لتقليل حجم أعبائهم، و الآخر حيوان متسلط لا يسعي الا للسلطة ذو شخصية طاغية يدعي نابليون.. و كان أول ما قام به كرة الثلج أن تعلم القراءة و الكتابة و بدأ في تعليمها للحيوانات الأخري ثم ما لبث أن كتب المبادئ التي علمها اياهم العجوز الحكيم علي مكان بارز بالمزرعة، و من أهمها أن كل الحيوانات متساوية، و أن كل الحيوانات طيبة و كل البشر أشرار، و أنه لا يجب لأي حيوان أن ينام علي سرير أو يتاجر، أو أن يشرب الخمر.. و أعجب الحيوانات بهذه المبادئ و اعتبروها دستوراً لحياتهم بعيدا عن البشر.. الا أن أول من ضاق بهذه المبادئ كان نابليون.. الذي ما أن دخل بيت المزارع و رأي سريره الوثير و تلفازه و زجاجات الويسكي التي كان يشربها حتي سال لعابه علي حياة البشر.. فقرر أن يتخلص من كرة الثلج في أقرب فرصة.. و كان أول ما قام به نابليون أن قام بالاستيلاء علي كلاب صغيرة وُلدت لتوها و قام بتدريبها علي طاعته طاعة عمياء لحمايته.. و في يوم من الأيام حاول البشر استعادة المزرعة من الحيوانات و كان كرة الثلج يتوقع هجوماً كهذا فأعد له العدة، وهاجم مع الحيوانات الأخري البشر بشجاعة منقطعة النظير حتي فروا هاربين في الوقت الذي اختبأ فيه نابليون بعيداً عن المواجهات.. حينئذ أحس نابليون بالخطر علي اثر ازدياد شعبية كرة الثلج.. و كان الحيوانان دائما الجدال بين من يريد الخير للحيوانات و من يريد أن يستغلهم و يستمتع بالسلطة، و في احدى هذه المجادلات أتهم نابليون كرة الثلج بالخيانة لأنه عارضه الرأي و بعث وراءه مجموعة كلابه الحارسة كي يقتلوه، ثم أعلن في الحيوانات أن كرة الثلج عدو مزرعتهم الأول لأنه خائن و عميل للبشر، ثم نسب الي نفسه كل انجازات كرة الثلج.. و بمرور الأيام زاد تغول نابليون شيئا فشيئا يساعده في ذلك حيوان خبيث يجيد الاقناع و التلاعب بالكلمات يدعي الصياح.. ولما اعترضت الحيوانات علي استحواذ نابليون و الصياح علي انتاج المزرعة من اللبن و التفاح خرج عليهم ببيان يفيد بأنهما العقول المفكرة للأمة و من ثم يحتاجان للتغذية المتميزة.. و مما زاد الأمر سوءاً أن نابليون أخرج التلفاز من بيت المزارع ووضعه للحيوانات بالمزرعة كي يلهيهم عما يفعل.. و في الوقت ذاته بدأ يعدل في مبادئ المزرعة، فاذا بمبدأ أن "كل الحيوانات سواء" يضاف اليها جملة "و لكن بعضها سواء أكثر من الآخر".. و اذا بمبدأ أنه "لا حيوان ينام علي فراش" يضاف اليه كلمة "بملاءات".. و من ثم حين رأت الحيوانات نابليون نائما علي فراش المزارع ، أبدوا اعتراضهم فواجههم هذا الوزير الاعلامي الخبيث بأنه لم يكن هناك يوماً قاعدة تقول بعدم النوم في الأسرة و انما هي "عدم النوم بأسرة عليها ملاءات"، معتمداً علي عدم دقة ملاحظتهم و ضعف ذاكرتهم و تشتت ذهنهم من كثرة مشاهدة التلفاز.. و بدأ نابليون يشرب الخمر، بل و بدأ يبيع انتاج المزرعة للبشر، و يتاجر معهم في خرق واضح لأهم مبادئ المزرعة من أن كل ما يمشي علي قدمين فهو شرير و أنه لا يجب المتاجرة و لا شرب الخمر.. و اذا بنابليون يلبس كما يلبس البشر و يتحول الي شبه انسان في كل ما يفعل، بل و يجند الحيوانات الطيعة كالخراف و البط كي يغنوا له أغاني التأييد و الحب لتذاع علي تلفاز المزرعة.. و كلما أبدت الحيوانات تبرمها من أمر هددهم نابليون قائلاً، هل تريدون أن يعود البشر! و من ينظر الي سير الأحداث خلال العام الماضي لا بد و أن يجد تشابهاً شديداً بين قصة أورويل الرمزية — و التي كتبها علي اثر أحداث الثورة البلشيفية و اطاحة ستالين الطاغية بتورتسكي منظر الثورة– و بين ما حدث منذ تولي المجلس العسكري رئاسة البلاد.. لقد وثق الشعب الثائر بالمجلس، بل و هتف "الجيش و الشعب ايد واحدة".. الا أنه بعد عرس استفتائي جميل، ووعد بتسليم السلطة في خلال ستة أشهر، و دستور ينص علي أنه لا يجوز مد حالة الطوارئ بعد ستة أشهر الا باستفتاء شعبي، خرج عليهم المجلس باعلان مد لحالة الطوارئ بعد مضي الستة أشهر، و تخوين للثوار و اتهامهم بالعمالة، ثم اقتراح وثيقة فوق دستورية تخول له سلطات غير موجودة في الدستور "كل البشر سواء و لكن بعضهم سواء أكثر من الآخرين"، و تأجيل للانتخابات الرئاسية.. فأما عن تحسن الأحوال، فقد زادت المحاكمات العسكرية بمعدل غير مسبوق (15000 محاكمة)، و زادت الاعتصامات و المطالب الفئوية فالمواطنين لم يحسوا بأي فارق قبل أو بعد الثورة، لأن من "حمي" الثورة اتضح أنه اراد أن يكون هو المستفيد الأول و الأوحد منها.. و من الفوارق المضحكة في هذه القصة أن هذا المجلس صار يصف نفسه بدعامة للاستقرار تماماً كما كان يفعل الحاكم المستبد قبله، بالرغم من أنه يأتي بكل ما ثار الشعب لأجله علي الحاكم المستبد. يقول جمال حمدان في كتابه شخصية مصر: " سلبية المواطن الفرد إزاء الحكم جعلت الحكومة هى كل شئ فى مصر والمواطن نفسه لا شئ , فكانت مصر دائما هى حاكمها . وهذا أس وأصل الطغيان الفرعونى والإستبداد الشرقى المزمن حتى اليوم أكثر مما هو نتيجة له . فهو بفرط الإعتدال مواطن سلس ذلول , بل رعية ومطية لينة , لا يحسن إلا الرضوخ للحكم والحاكم , ولا يجيد سوى نفاق السلطة والعبودية للقوة , وما أسهل حينئذ أن يتحول من مواطن ذلول إلى عبد ذليل" وقف الحيوانات ينظرون من نافذة بيت المزارع الي داخل المنزل، فرأوا نابليون و الصياح يلعبان الكوتشينة مع البشر، و اختلط عليهم الأمر فما عادوا يعرفون أين الحيوان و أين الانسان فيهم.. كتب أورويل هذه القصة في عام 1945 من القرن الماضي.. وً أنه حقا لشئ مخزي أن يظل الحكام يستعملون ذات الأساليب علي مدي العقود، و لكن ما هو أكثر خزياً أن نظل نحن الشعوب نقع في ذات الأخطاء لانخداعنا بتغير الوجوه في حلقة مفرغة من الاستبداد، متقلبين فيها بين "المواطن الذلول" و "العبد الذليل"..