النيابة الإدارية تختتم فعاليات الدورة التدريبية للتحول الرقمي    4 قرارات جديدة للهيئة الوطنية لمتابعة انتخابات مجلس النواب    أسعار العقود الأجلة للذهب تتجاوز 4 آلاف دولار للأونصة للمرة الأولى في ظل تزايد الطلب    مدبولي يوجه بتوفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الكبرى    وزير الخارجية يلتقي رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري    وزير الاتصالات يفتتح مركز شركة فاوندإيفر Foundever العالمية فى محافظة الأقصر    بعد مرور عامين.. ماذا قالت حماس في ذكرى طوفان الأقصى؟    نعيم قاسم: أبناء نصر الله من المقاتلين لن يمكّنوا إسرائيل من تحقيق أهدافها    الكرملين: تسليم صواريخ توماهوك إلى كييف تصعيد خطير    اليونيسيف: أطفال غزة يعيشون رعبا ينبغي ألا يواجهه أي طفل    ثنائي محترف جديد ينضم لمنتخب الناشئين    رسميا.. مواعيد السوبر الإسباني بمشاركة برشلونة وريال مدريد    طاقم تحكيم مصري لإدارة مباراة أولمبيك أسفي والملعب التونسي في الكونفدرالية    الداخلية تضبط 3 مخازن سرية تحوي 2.5 طن مخدرات بالسويس    القبض على متهم باقتحام 3 محال تجارية بلودر في قنا    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 2691 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    حاله الطقس اليوم الثلاثاء 7 اكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    أحمد العيسوي يعود لعمله في نقابة الموسيقيين بعد تعافيه من أزمة صحية    فرقة المنيا للموسيقى العربية تحيي احتفالية انتصارات أكتوبر وسط تفاعل جماهيري    فيلم «فيها إيه يعني» يتخطى 20 مليون جنيه في أسبوع    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 7 اكتوبر 2025 فى المنيا    رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي يتفقد المنشآت الصحية التابعة للهيئة بمحافظة الإسكندرية    محافظ سوهاج: يتفقد المبارة الرئسية عن أمراض سوء التغذية للطلبة    تشافي: يامال سيصبح من عباقرة الكرة ولكن    كيروش: مواجهة قطر صعبة.. ونطمح للانتصار في بداية مشوار التأهل    إزالة 9 حالات تعدى على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة ب4 قرى بمركز سوهاج    مصارعة – كيشو يستعد لتمثيل منتخب أمريكا    الشيخ رمضان عبد المعز: الإيمان بأقدار الله يُريح الروح ويُهدي القلب    رضا شحاتة: الشحات كان أكبر مشكلة لي في مباراة الأهلي والكهرباء    القبض على المتهم بالشروع في قتل زوجته بالطالبية    بعد عامين من الدراسة.. طالب يكتشف أنه «دخل الكلية بالخطأ» في بني سويف    رحيل مداح النبي، لمحات من حياة الدكتور أحمد عمر هاشم بعد وفاته (بروفايل)    «طاعة الحرب» يحصد المركز الأول في ختام الدورة الثامنة ل«القاهرة للمونودراما»    «مش بيحبوا يتحملوا مسؤولية».. رجال 5 أبراج يعتمدون على الغير بطبعهم    كريم أدريانو يفوز بجائزة «the best» في ثاني أيام عروض مهرجان «المهن التمثيلية» (تعرف على الفائزين)    الأهلي يحيل ملف ثلاثي الفريق إلى لجنة التخطيط لحسم مصيرهم    جنى محمد زكي تسحق لاعبة إسرائيل في بطولة العالم للناشئين للشطرنج بألبانيا    الدكتور أحمد عمر هاشم يتحدث عن حب آل البيت ومكانتهم في قلوب المصريين (فيديو)    حكم الرجوع في التبرعات الموجهة للمؤسسات الخيرية.. دار الإفتاء توضح    ضبط 16 طن دقيق مدعم بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    محافظ بورسعيد للطلاب: عليكم بالتمسك بالأخلاق الحميدة التي يرسخها الأزهر الشريف    وكيل صحة بني سويف يشيد بدور التمريض: العمود الفقري للمنظومة الصحية    «صحة المنيا» تنفذ ندوات توعوية لرفع الوعي الصحي حول الأمراض المعدية    كم شخص حصل على جائزة نوبل فى الفيزياء حتى الآن وماذا حدث فى آخر مرتين    ضبط 99 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    بعد قطعها ل 6 أجزاء.. حقيقة احتجاز طفل داخل ماسورة غاز بقرية ناهيا..الجيزة توضح..فيديو    وزير الكهرباء: إقامة 27 محطة محولات في سيناء باستثمارات 15 مليار جنيه    بعد غرق مساحات واسعة بالمنوفية.. الفيضان يهدد 4 محافظات جديدة    من عمر 6 سنوات.. فتح باب التقديم لمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني    موعد عزاء الدكتور أحمد عمر هاشم فى الشرقية اليوم    ترامب يلغى الجهود الدبلوماسية مع فنزويلا.. نيويورك تايمز: تصعيد عسكرى محتمل    السيسي يوجه ببدء صرف حافز التدريس بقيمة 1000 جنيه.. نوفمبر المقبل    وزير العمل: الخميس إجازة مدفوعة للعاملين بالقطاع الخاص بدلاً من 6 أكتوبر    وزير الاستثمار يبحث مع جهاز مستقبل مصر دعم سلاسل الإمداد وتوريد السلع الاستراتيجية    مفاجآت فى واقعة اختفاء لوحة أثرية من مقبرة بسقارة.. فيديو    إسرائيل دخلت «العزل»    وزير الصحة يوافق على شغل أعضاء هيئة التمريض العالى المؤهلين تخصصيًا لوظائف إشرافية    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زياد بهاء الدين يكتب: قانون الخدمة المدنية.. ما له وما عليه
نشر في الجريدة يوم 23 - 08 - 2015

حرصت على قراءة قانون الخدمة المدنية الجديد (رقم 18 لسنة 2015) عدة مرات ومقارنته بالقانون السابق (47 لسنة 1978) قبل التعليق عليه فى محاولة لتقييم أثره ليس فقط على موظفى الدولة وإنما أيضا على المجتمع والاقتصاد القومى، وكذلك لفهم الحالة الاحتجاجية التى أثارها.
ورأيى بشكل عام أن القانون الجديد يمثل من الناحية النظرية خطوة كبيرة نحو إصلاح الجهاز الإدارى للدولة والخروج من حلقة مفرغة وغير قابلة للاستمرار، يتزايد فيها عدد العاملين فى الدولة، وترتفع حصة أجورهم فى الموازنة العامة، ولا يتحسن فيها مستوى أداء الخدمات والمرافق العامة، بل ولا تتحسن حتى أوضاعهم الوظيفية.
ولكن من جهة أخرى فإن أسلوب تقديمه من الدولة ودفاعها عنه واستعدادها لتطبيقه لم يكن موفقا.
القانون الجديد يقدم إطارا شاملا وطموحا لإصلاح الوظيفة العامة، ويتضمن العديد من النقاط الإيجابية: الأخذ بمفهوم التنمية البشرية فى المصالح الحكومية بدلا من إدارة شئون العاملين، والإعلان بشفافية عن الوظائف الشاغرة، والاعتماد على الاختبارات فى شغلها، وزيادة نسبة الأجر الثابت إلى المتغير، وتنظيم المعاش المبكر لمن يرغب فى ترك الوظيفة العامة، واستحداث منصب الوكيل الدائم للوزارة، وجعل المناصب القيادية محدودة المدة، ومنح العاملات الحاضنات إجازة رعاية طفل مناسبة، واستحداث نظام حديث لتقييم أداء العاملين تقييما عادلا بما يسمح للمتفوقين والمجتهدين بالتقدم والترقى.
ولكن إذا لم يكن القانون ضارا بالموظفين والوظيفة العامة، فلماذا هذا الاحتجاج المفاجئ لعشرات الآلاف والتهديد بمزيد من التصعيد فيما يعد السابقة الأولى بهذا الحجم خلال العامين الماضيين؟
فى تقديرى أن السبب ليس القانون فى حد ذاته، والذى أظن أن كثيرين ممن علقوا عليه بالتأييد أو النقد لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءته، وإنما الأسلوب الذى انتهجته الحكومة فى تشريع القانون وفى شرحه وفى الدفاع عنه، وذلك للأسباب الأربعة التالية:
السبب الأول أنه على الرغم من صدور القانون ونشره منذ يوم 12 مارس الماضى، فإنه حتى هذه اللحظة لا يزال الجدل دائرا حول من يخضع لأحكامه ومن لا يخضع.
المادة الأولى من القانون تنص على سريانه على «… الوزارات ومصالحها والأجهزة الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة وذلك ما لم تنص قوانين وقرارات إنشائها على ما يخالف ذلك».
ومعنى ذلك أن كل هيئة أو جهاز أو مصلحة حكومية منشأة بقانون خاص وهى كثيرة قد تكون مستبعدة من نطاق القانون الجديد إذا تضمنت قوانينها جملة مختصرة تفيد خضوعها لنظام وظيفى خاص.
وهذا الغموض يبرر للموظف العادى التوجس والشك فى نوايا الدولة، خاصة أن بعض الوزراء والمسئولين سارعوا إلى طمأنة الموظفين التابعين لهم بأنهم خارج دائرة تطبيق القانون الجديد باعتبارهم بذلك أكثر حظا، وهى رسالة سلبية للغاية لمن لا يعملون فى هذه الجهات المتميزة.
أما السبب الثانى فهو أن القانون قد أحال معظم أحكامه وبشكل مبالغ فيه إلى اللائحة التنفيذية التى يصدرها رئيس مجلس الوزراء ويملك بعد ذلك تعديلها بمطلق إرادته.
وقد تضمنت هذه الإحالة قواعد تشكيل وعمل لجان الموارد البشرية بالوحدات الإدارية (مادة 4)، ودور مجلس الدولة فى إبداء الرأى فى القانون ولائحته (مادة 5)، وقواعد تدريب وتأهيل الموظفين(7)، وتدريب الشباب (مادة 8)، وقواعد اختيار الوكيل الدائم للوزارة (مادة 10)، ومعايير إنشاء المجموعات النوعية بالوزارات والمصالح (مادة 11)، وضوابط تنظيم الإعلان عن الوظائف الشاغرة وإجراء الاختبارات لشغلها (مادة 12)، وحالات عدم صلاحية المعينين تحت الاختبار (17)، وضوابط التعاقد مع ذوى الخبرات والتخصصات النادرة دون اتباع قواعد التعيين العادية (مادة 18).
وقواعد تعيين شاغلى الوظائف العليا (مادة 19)، وقواعد الفصل بين الأقارب فى الوظيفة (مادة 24)، وضوابط وإجراءات تقييم أداء الموظفين(مادة 25)، وكيفية إخطار الموظف بتقرير أدائه (مادة 26)، وضوابط ومعايير الترقية (مادة 29)، وقواعد نقل الموظفين(مادة 31)، وقواعد الندب (مادة 32)، والإعارة (مادة 34)، وشروط منح علاوة التميز العلمى (مادة 38)، وجميع نظم الحوافز والبدلات (مادة 40)، وضوابط الانقطاع عن العمل (مادة 43)، وتحديد العطلات والأيام الرسمية (مادة 44).
وإجراءات الحصول على الإجازات الاعتيادية (مادة 47)، وقواعد حساب الأجر للعاملين لبعض الوقت (مادة 51)، وأبادر بالتأكيد على أنه من الطبيعى أن تحال الأحكام التفصيلية لأى قانون إلى لائحته التنفيذية، ولكن فى هذه الحالة فإن القانون كله جرت إحالته للائحة، الأمر الذى دفع إلى المزيد من التوجس والشك فى نوايا الحكومة تجاه الموظفين مستقبلا.
أما السبب الثالث فهو أن نصوص القانون وتصريحات المسئولين تتناول فكرة العدالة الوظيفية أساسا من منظور الأجر. وهذا أمر جيد ولكنه غير كاف، لأنه يغفل أن التفرقة الصارخة بين موظفى الدولة ليست فقط فى الأجور، وإنما أيضا وبدرجة أشد فى ظروف العمل.
طبيعى أن يكون هناك بعض الاختلاف بين الهيئات والمصالح الحكومية فى مبانيها واستعداداتها والخدمات المتاحة للموظفين فيها بحسب موقعها وأهميتها وطبيعة الدور الذى تلعبه.
ولكن نحن فى مصر وصلنا إلى حالة من التفاوت الفاحش والتى تجعل موظفا حكوميا فى هيئة عامة متميزة يعمل فى مكتب نظيف ومكيف وفيه كل أدوات ووسائل العمل (وهذا هو الوضع الطبيعى الذى يستحقه كل الموظفين)، بينما زملاؤه فى مصلحة عادية أو فى قرية نائية يعملون فى مقار لا تليق بالبشر ولا يتوافر فيها مروحة ولا ورقة ولا مرحاض.
هذا التفاوت الصارخ هو ما يجعل الغالبية من موظفى الدولة مهما زادت نسبة أجورهم فى الموازنة العامة فى حالة سخط وإحباط وامتناع غير معلن عن العمل.
وأخيرا فإن السبب الرابع هو أن الدولة قدمت القانون ودافعت عنه وكأنه مجرد مجموعة نصوص فنية وقانونية يمكن مناقشة مزاياها وعيوبها بمعزل تام عن مفهوم أن القانون ظاهرة اجتماعية معقدة، يجب الانتباه فى تفاصيله إلى آليات التنفيذ، وفهم الناس واقتناعهم به، وحجم المصالح التى يتهددها.
وإليكم مثال محدد: القانون الجديد يضع نظاما مثاليا لتقييم العاملين بواسطة لجان جديدة فى كل وحدة إدارية وفيها خبير قانونى وآخر فى التنمية البشرية على نحو ما هو قائم فى كبرى الشركات الدولية.
وهذا هدف نبيل وتحقيقه يمثل قمة الإصلاح الوظيفى فى الدولة. ولكن هل من الممكن تطبيقه خلال أسابيع قليلة على سبعة ملايين موظف دون تنفيذ برنامج هائل قد يستغرق أعواما للاستعداد والتوعية والتدريب للموظفين ولأعضاء لجان التنمية البشرية؟ أم نكتفى بالنص القانونى ونتجاهل حقيقة الفساد الضارب فى الجهاز الإدارى للدولة وثقافة المحاباة وقدرة البيروقراطية المصرية على إفراغ النصوص من مضمونها؟
النص القانونى بذاته لا يكون قابلا للتطبيق إذا تجاهلنا واقعه الثقافى والاجتماعى، على نحو ما حدث منذ سنوات حينما صدر قانون بمنع استخدام التوك توك حتى فى القرى النائية التى لا يوجد فيها وسيلة مواصلات أخرى، فتم تجاهله بالكامل.
هذه ليست دعوة لعدم الإقدام على الإصلاح القانونى خوفا من مقاومة المجتمع، بل لاعتبار أن الإصلاح الحقيقى لا يأتى بنصوص قانونية مجردة وإنما بتوعية وقبول من المجتمع وبتوفير آليات التنفيذ التى تضمن النجاح ولو بعد حين.
مشكلة الوظيفة العامة فى مصر حقيقية، والذى يدفع ثمنها ليسوا فقط الموظفين الذين يعملون فى ظروف محبطة، وإنما المجتمع بأسره والاقتصاد القومى.
واقتراحى ليس إلغاء القانون للأبد والإبقاء على الوضع الراهن، ولا الإصرار على تطبيقه فورا دون استعداد مسبق. ما أقترحه على الطرفين الحكومة والقيادات النقابية هو الاتفاق على إرجاء تطبيق القانون لسنة واحدة، ليس لمجرد الإرجاء ولا كسبا للوقت، وإنما لتحقيق خمسة أهداف محددة:
(1) عرض القانون على البرلمان المنتخب كما يجدر بتشريع بهذه الأهمية.
(2) تحديد الجهات الحكومية التى تخضع له والغاء الاستثناءات غير المبررة.
(3) إضافة الأحكام المهمة التى جرى إحالتها للائحة التنفيذية فى صلب القانون.
(4) وضع خطة لتحقيق الحد الأدنى من العدالة فى ظروف العمل وليس فقط فى الأجر.
(5) الاستعداد لتطبيق برنامج قومى لتوعية الموظفين وتدريبهم على القانون الجديد ولتشكيل اللجان الجديدة وتدريب أعضائها وتوفير الظروف التى تضمن تطبيق القانون بنجاح.
هذا موضوع أخطر من أن تنتصر فيه إرادة الطرف الأقوى أو أن يخضع لمواءمات اللحظة الأخيرة، بل يلزمه استعداد وتوافق حقيقى فى المجتمع.
المصدر: أصوات مصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.