ما إن أطلقت كوريا الشمالية تهديدها بضرب الولاياتالمتحدةالأمريكية بالسلاح النووي على خلفية الأزمة العسكرية بينهما، حتى تباينت ردود الأفعال الدولية نظرا لكثرة التهديدات التي تطلقها بيونج يانج منذ عام 1994. وتحاول دول العالم في الوقت الراهن، التأكد من جدية التهديدات الشمالية، ووضعها في اطارها الصحيح منعا لاستثمار بيونج يانج حالة القلق ازاء الازمة في شبة الجزيرة الكورية التي شهدت تصعيدا كبيرا في الأيام القليلة الماضية. وفى سياق تقرير وكالة "قنا" الإخبارية، يسعى الكثير من المحللين والخبراء الآن إلى رصد مدى جدية التهديدات التي يطلقها الشطر الشمالي ضد كوريا الجنوبية والولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يقع الكثيرون منهم مابين مطرقة جدية التهديدات وسندان الاستهانة بها وهو ما قد يصيب أو يعتبر قرارا خاطئا ويدفع ثمنه الكثيرون. وما ساهم في حالة الحيرة الحالية هو ان كوريا الشمالية لديها الان زعيم جديد شاب يقابله في الوقت نفسه كثرة التهديدات التي تطلقها بيونج يانج، التي كثيرا ما تستخدم خطابا حادا تجاه من تعتبرهم معاديين لها. في عام 1994 هددت بيونج يانج كوريا الجنوبية بتحويل عاصمتها سول إلى بحر من اللهب وهو الأمر الذي خلق حالة من الرعب لدى الكوريين الجنوبيين. وردت كوريا الشمالية أيضا عام 2002 على تصريحات جورج دبليو بوش الرئيس الأمريكي السابق عندما وصفها بأنها إحدى دول "محور الشر" بأنها ستمحو المعتدين بلا رحمة وهو ما يتردد حاليا. وفي شهر يونيو الماضي هددت كوريا الشمالية بأن مدفعيتها تستهدف سبع مجموعات من وسائل الإعلام في الشطر الجنوبي وهددتها بحرب بلا رحمة. وفيما لا يرى الكثير من المحللين في هذه الخطابات تهديدا حقيقيا، إلا ان آخرين يحذرون من مغبة الإفراط في التوقعات المتفائلة والفهم الجيد لكوريا الشمالية. وفي هذا الصدد وصف أحد كبار مسئولي الإدارة الأمريكية، التهديدات الكورية الشمالية الأخيرة ب"المسرحية" التي تمت تجربتها من قبل، حيث تنتهج التحدث بلهجة صارمة وسياسة التخويف ويتبع ذلك نوعا من أنواع الأعمال الاستفزازية ثم عند نقطة معينة، تتراجع للخلف وتضع سلاحها جانبا وتقول إنها فازت في هذه الجولة. وقال جون ديلوري أستاذ بجامعة يونسي في كوريا الجنوبية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) "إذا تتبعت وسائل الإعلام في كوريا الشمالية فإنك ستلحظ استمرارية في توجيه اللغة العدائية تجاه الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية وأحيانا اليابان ومن الصعب أن تحدد ما الذي يمكن أن تأخذه منها على محمل الجد". وعلى الصعيد الدولي أبدت بعض الدول قلقها من التهديدات الكورية الشمالية، حيث ذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن بريطانيا رأت أن هذه التهديدات جدية من البداية، في حين أكدت صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية أن العالم الآن يراقب بحذر جميع تحركات كوريا الشمالية. ووصفت الصين الوضع في كوريا الشمالية ب"الحساس للغاية" ودعت جميع الأطراف إلى التهدئة، وجدد "تشانج يه سوي" نائب وزير الخارجية الصيني، أمس الأربعاء، موقف بلاده المتمثل في ضرورة إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، فضلا عن العمل على تحقيق السلام والاستقرار فيها. وأكد المسئول الصيني على أن بلاده لا ترغب في وقوع حرب أو اضطراب في شبه الجزيرة، مؤكدا معارضة بلاده لأي جانب يصدر بيانات استفزازية أو يفعل شيئا يؤدي إلى تقويض السلام والاستقرار في المنطقة. وصرح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل، أمس الأربعاء، بأن الولاياتالمتحدة ترى خطرا حقيقيا وواضحا من كوريا الشمالية بالنظر إلى قدراتها النووية والصاروخية ولهجتها العدوانية. ودعا جورج ليتل المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، كوريا الشمالية إلى وقف خطابها العدائي وتحركاتها الاستفزازية.. مؤكدا أن هدف واشنطن هو السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية. وقال إن التدريبات الكورية الأمريكية المشتركة الجنوبية تأتي ضمن موعدها ولاعلاقة لها بالتصعيد الأخير من قبل كوريا الشمالية. ورفض المسئول الأمريكية تحديد نوعية ومستوى التواجد الأمريكي في شبة الجزيرة الكورية، وكانت تقارير أمريكية قد تحدثت عن وجود سفينة (يو اس اس مكين) بالقرب من شواطئ كوريا الشمالية. وقال لن أخوض في تفاصيل عن وجود معداتنا في كوريا الجنوبية أو غيرها لكننا مستعدون للدفاع عن كوريا الجنوبية من التهديدات الخارجية من اي مصدر كان . ومن ناحية أخرى عقدت الرئيسة الكورية الجنوبية بارك كون هيه، اجتماعا أمنيا شارك في كبار المسئوليين لتباحث الأوضاع الداخلية والخارجية في ظل تصاعد وتيرة التهديدات الكورية الشمالية. وأعلنت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، أمس الأربعاء، أنها وضعت خططا طارئة، بما فيها إجراءات عسكرية، لمواجهة أي خطر قد يتعرض له العاملون الكوريون الجنوبيون في مجمع "كيسونج" الصناعي. وقال كيم كوان جين وزير الدفاع الجنوبي، في اجتماع اللجنة الإستراتيجية الأمنية الخاصة للأسلحة النووية لكوريا الشمالية بمقر حزب "سينوري" الحاكم في سول "إنه يتعين علينا الحيلولة دون وصول المسألة فيما يتعلق بمجمع "كيسونج" إلى أسوأ حالة".. موضحا أنه تم إعداد إجراءات شاملة جنبا إلى جنب مع الإجراءات العسكرية في حالة الطوارئ. وأوضح كيم أنه وفقا لحالة التأهب الجيش الكوري الجنوبي فإنه مستعد لتدمير 70\% من القوات العسكرية في الجبهة الأمامية في غضون خمسة أيام عند وقوع استفزازات من قبل الشطر الشمالي. ومن جانبه ناشد جيدو فيسترفيله وزير الخارجية الألماني، الكوريتين التزام أقصى درجات التعقل وضبط النفس، فيما صرح أندرياس بيشكه المتحدث باسم الخارجية الألمانية بأن وزير الخارجية ناشد الصين للتأثير بصورة معتدلة على قيادة كوريا الشمالية، مضيفا أن ألمانيا تتضامن مع كوريا الجنوبية. وانتقدت الخارجية الألمانية إعلان كوريا الشمالية إعادة تشغيل مفاعل نووي مغلق وحظر دخول مسافري كوريا الجنوبية إلى البلاد. وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، اليوم، قلقه الشديد إزاء التصعيد في خطاب كوريا الشمالية، معربا عن خيبة أمله وقلقه للقيود المفروضة على الكوريين الجنوبيين العاملين في موقع "كيسونج". وفيما يتعلق برد الفعل الروسي حول الأزمة الحالية والتهديدات الكورية الشمالية، شكك جريجوري لوجينوف سفير المهمات الخاصة الروسي، في أن أيا من أطراف النزاع في شبه الجزيرة الكورية يمكن أن يقدم عن عمد على إشعال الحرب.. مضيفا في الوقت ذاته أن موسكو لا تستبعد وقوع مواجهات تلقائية قد تؤدي إلى انهيار الوضع. وحذر سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، في وقت سابق، من قيام أي جانب باتخاذ خطوات أحادية الجانب بشأن شبه الجزيرة الكورية، مؤكدا مراقبة بلاده للوضع عن كثب ورفض أي خطوات من أي جانب تزيد بطريقة أو بأخرى التوتر السائد في المنطقة.