البحث عن الأفضل: بعد اكتشاف الأثير واستخداماته، تسارعت الخطى للبحث عن المزيد والأفضل من أدوية التخدير. ولم يبد الدكتور الإنجليزي جيمس سمبسون (james simpson) ارتياحه لاستخدام الأثير لتسببه في التهاب الأغشية الرئوية. وفي أثناء بحثه عند البدائل لهذا الغاز، اكتشف أن للكلورفورم تأثيراً مخدراً. فاستخدمه في عام 1847، في توليد سيدة، فلم تعاني من أية آلام، ثم صار استخدام الكلورفورم شائعاً بعد عام 1853، عندما استخدمته الملكة فيكتوريا، أثناء ولادتها لطفلها السابع. ومنذ ذلك الوقت، اكتشفت وطورت أدوية تخدير عديدة: لكل منها خواصه المنفردة. ويمكن للأطباء اليوم أن يتخيروا من بينها ما يناسب المريض أو العملية الجراحية المزمع إجراؤها. ويعرف التخدير على أنه فقدان للإحساس، وخصوصاً فيما يتعلق بالألم، في مجمل الجسم أو جزء منه. والتخدير نوعان: تخدير عام، وتخدير موضعي، والمواد الكيميائية التي تعطى للمريض كي تسبب تخديراً يطلق عليها المخدرات، أو المبنجات.
التخدير العام (general anaesthesia) يعرف على أنه فقدان الإحساس في سائر الجسم، ويتزامن فقدان الإحساس مع فقدان الوعي، وغالباً ما تكون المبنجات العامة، التي يستنشقها المريض، من الغازات، أو من السوائل التي تتحول إلى غازات. وتخلط الغازات المبنجة مع غاز الأكسجين، أو الهواء الجوي، ثم تدفع بعد ذلك في جهاز خاص بمعدل سريان ثابت، فيستنشقها المريض، الذي يبدأ في الدخول، في مرحلة التخدير تدريجيا. مراحل التخدير العام (كما وصفها جون سنو) المرحلة الأولي: فقدان الإحساس بالألم. المرحلة الثانية: الهلوسة وفقدان الوعي الجزئي. المرحلة الثالثة: فقدان الوعي الكامل، ويمكن عندها البدء في إجراء الجراحة. المرحلة الرابعة: مرحلة فقدان رد الفعل المنعكس. ويوجد أربعة أنواع من المبنجات الشائع استخدامها، في التخدير العام، عن طريق استنشاقها: غاز أكسيد النيتروز (الغاز المضحك): فكان أول المواد الكيميائية، على وجه الإطلاق، التي اكتشفت مقدرتها على إحداث التخدير في الإنسان. ودرجة ذوبانه في الماء قليلة جداً، وهو، لذلك، لا يستخدم وحده في التخدير، ولكنه يخلط مع غازات أخرى الهالوثان (halothane) وهو سائل شفاف عديم اللون، وله بخار ذو رائحة طيبة، وغير مهيجة، وهو أكثر المبنجات العامة استخداماً، في الوقت الحاضر. وتأثيره المخدر على المريض سريع ومقبول. كما يمكن للمريض أن يفيق سريعاً في خلال ساعة واحدة بعد انتهاء العملية الجراحية. ويستنشق المرضى عادة بخار الهالوثان، مع الأكسجين، مع مزيج من الأكسجين وأكسيد النيتروز، والآثار الجانبية للهالوثان تكاد لا تذكر، لذا يعد من أكثر المبنجات أماناً
الإنفلورين (enflurane) ويلجأ أطباء التخدير، إلى إعطاء المريض، مجموعة من الأدوية، لتُزيد من فاعلية المبنجات ولتقلل من آثارها الجانبية، بما يساعد على إنجاح العملية الجراحية. وتشمل هذه الأدوية المسكنات، مثل: المورفين، والتي تُقْدِر المريض على تحمل الآلام الحاصلة التي تكون أثناء، وعقب العملية الجراحية. كما يعطي الأطباء مواد تسبب استرخاءً في العضلات، فلا يتحرك المريض أثناء إجراء العملية الجراحية، ومواد توقف القيء، ومواد أخرى لتقليل إفرازات اللعاب والجهاز التنفسي، لئلا يختنق المريض. كل هذه الأدوية، بلا شك، تساعد على الإبقاء على حياة المريض، وتجنبه الآثار الجانبية. وأثناء التخدير العام تتم مراقبة ردود أفعال المريض، من قبل طبيب التخدير، كما يقاس ضغط دمه، ومعدل التنفس، وعدد ضربات القلب، ما دام في العملية. ويعتقد العلماء أن المبنجات العامة، تحدث التخدير، عن طريق منع الخلية العصبية من استخدام مصادر الطاقة الموجودة في داخلها، فتضعف، ولا تستطيع نقل الإشارات العصبية. كما أن هناك أنواعاً من المبنجات العامة، التي تستطيع منع مرور الإشارة العصبية، من خلية إلى أخرى، في مناطق التشابك العصبي.
التخدير الموضعي (local anesthesia) وهو فقدان الإحساس بالألم، في جزء معين من الجسم، فيما يظل المريض مدركاً لما حوله. ويوضع المخدر الموضعي على المكان المراد إزالة الإحساس منه، أو يحقن حول العصب، المغذي للمنطقة المطلوبة. ويستخدم الأطباء التخدير الموضعي في إجراء عمليات العيون، والأنف، والفم، والجلد.
التخدير الشوكي ( spinal anaesthesia) وهو نوع يتم فيه تخدير منطقة كاملة من الجسم، وهي المنطقة السفلية، ويتم هذا النوع من التخدير بواسطة حقن مخدر موضعي، داخل سائل النخاع الشوكي، من خلال الثقب الموجود، بين الفقرات القطنية. بما يؤدي إلى فقد الأجزاء السفلية من الجسم الإحساس بالألم، مع بقاء المريض واعياً. واستحدث هذا النوع من التخدير، على يد الطبيب السويسري بير (bier)، عام 1899. وهو يستخدم بكثرة، في حالات الولادة، وأثناء إجراء العمليات على الساقين.