في جلسته ال90: مجلس جامعة مطروح يؤكد استمرار البناء والتطوير    بعد 23 يوليو.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر والإجازات الرسمية المتبقية هذا العام    ناجى الشهابي: ثورة 23يوليو ما زالت ملهمة للسياسة الوطنية رغم محاولات التشويه    «كرسن حياتهن للخدمة الروحية».. البابا تواضروس يلتقي أرامل الكهنة المتنيحين في الإسكندرية    «مدبولي»: الرئيس وجّه بأن تكون الأولوية القصوى لإنهاء المتأخرات للشركاء الأجانب بقطاع البترول في أسرع وقت    «تنظيم الاتصالات» يقر تعويضات لعملاء شركة فودافون مصر المتأثرين من العطل أمس    مدبولي يبحث مع وكلاء ماركات عالمية ضخ استثمارات في مصر ودعم سياحة التسوق    بدء طرح الوطنية للطباعة بالبورصة 27 يوليو بسعر 21.25 جنيه للسهم    من «غيبوبة» شارون إلى «تسمم» نتنياهو.. حكاية مستشفى هداسا عين كارم في إسرائيل    مروحية إيرانية تعترض مدمّرة أمريكية في بحر عمان    «سلاح البر مفتاح الحسم».. رئيس الأركان الإسرائيلي: نعمل في طهران وبيروت ودمشق وغزة    الأردن: إدخال قافلة مساعدات من 36 شاحنة مواد غذائية إلى شمال غزة    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة يطالب بتحرك دولي لوقف الإبادة في غزة    «بعد طلب وزير خارجية الاحتلال».. هل ستصنف أوكرانيا الحرس الثوري الإيراني «منظمة إرهابية»؟    نجم الزمالك يغادر معسكر الفريق بسبب حالة وفاة.. تفاصيل    «صفقة الأحلام».. الهلال يقدم عرضًا فلكيًا لخطف إيزاك من نيوكاسل يونايتد    بيراميدز يعلن خوضه مواجهة ودية جديدة في معسكر تركيا    السد القطري يضم فيرمينو    رسميًا.. أتلتيكو مدريد يعلن حسم صفقة هانكو    تحذير شديد بشأن حالة الطقس غدًا: موجة حارة «لاهبة» تضرب البلاد    الفرحة بتطل من عنيهم.. لحظة خروج 1056 نزيلًا بعفو رئاسي في ذكرى 23 يوليو    أحمد سعد يطلق «حبيبي ياه ياه» بمشاركة عفروتو ومروان موسى (فيديو)    في عيد ميلاده.. أحمد عز يتصدر قائمة الأعلى إيرادًا بتاريخ السينما المصرية    المركز القومي للبحوث يحصد 5 من جوائز الدولة لعام 2024    راغب علامة بعد أزمة الساحل: "بيحصل على طول معايا بحفلاتي"    أول تعليق من أسماء أبو اليزيد بعد الحلقة الأخيرة لمسلسل "فات الميعاد"    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    تحدث في معدتك- 5 أعراض لمرض الكبد الدهني احذرها    الكنيست يصوت لصالح فرض السيادة على الضفة وغور الأردن    سلطان عُمان يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو    رئيس الجامعة البريطانية في مصر يكرّم السفير جاريث بايلي تقديرًا لدعمه للتعاون المشترك    بالفيديو.. حمزة نمرة يطرح 3 أغنيات من ألبومه الجديد "قرار شخصي"    الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    رئيس "إسكان النواب": تصريحات الرئيس السيسي بشأن الإيجار القديم تؤكد أنه سيصدق على القانون    اليونسكو متطرفة !    أوريول روميو يقترب من الرحيل عن برشلونة    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    أفضل الوسائل الطبيعية، للتخلص من دهون البطن في أسرع وقت    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    الحكومة: لا تحديات تعيق افتتاح المتحف المصرى الكبير والإعلان عن الموعد قريبا    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    ضبط 30 متهما في قضايا سرقات بالقاهرة    تمكين المرأة الريفية    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدوى النفسيه (عدوى الشعور)
نشر في البداية الجديدة يوم 24 - 02 - 2013

في عدوى الأمراض البدنية، قد يتوفر لك العلاج الكيميائي أو العشبي؛ فيساعد على شفائك من داء البدن، وربما بعض حقن اللقاح، قد تساعد في عملية تباطؤ الفيروس أو قتل الجرثوم ، والحد من نشاطه واندافعه داخل خلايا جسمك. وربما توخي بعض الحذر، والابتعاد عن المصاب يكون مساعداً آخر لردع العدوى.
أما في حال عدوى النفس اللا شعورية ستقي نفسك من حالة شعورية يمكن أن نصفها ب "فيروس من نوع آخر" يتسلل إلى نفسك، ويصيب كامل طاقتك الحسية وقد يصل بك الأمر إلى العجز عن الابتسامة أو سيطرة الضجر دون أن تتمكن من إكتشاف السر الذي يقف وراء هذا الغموض ؟
وعند إصابتك بوابل من الفرح والضحك بلا مبرر، أو الشعور بالحب الغامر والسعادة التي تطغى على جوانب من نفسك، حينئذ ستغزوك عدوى الفرح والحب والتفاؤل؛ هل ستكتشف المصدر؟ وهل لتبادل الابتسامات والتثاؤب والحركات في آن واحد مؤشر علمي ونفسي ثابت ؟
هناك الكثير من الآليات الأساسية التي تحكم سلوك الإنسان، سواء أ كانت مكتشفة أو غير مكتشفة، مع ذلك لا يمكننا معرفة متى تحدث ولماذا تحدث منها ما يطلق عليه اسم العدوى العاطفية، أو التقمص العاطفي، وهي تتعلق في سلوكيات المشاعر والأحاسيس، التي يتقمصها البعض، دون الإحساس بعدوى الانتقال.
و يرى (جون كاسيوبو) عالم الأعصاب في جامعة شيكاغو أن هناك ما يدل على وجود (عدوى عاطفية)، تجعل المرء يشعر بذات المشاعر التي يشعر بها الآخرون؛ وتنتقل هذه المشاعر إليه بدون إدراك من الآخرين حوله.
وقد وضعت عالمة النفس الأميركية (إلين هاتفيلد) إحدى وجهات النظر العملية؛ وهي إمكانية انتقال عدوى العواطف والسلوك، وحتى المواقف، تلقائياً من شخص إلى مجموعة من الأشخاص، سواء عن وعي حاضر أو غائب ، وقد درس هذه الظاهرة عدد من الهيئات العلمية، مثل (شروك لايف وورور) في العام 2008، فوجدوا أن مفهوم العدوى العاطفية مماثل تماماً لمفهوم "المناخ العاطفي"، الذي يعتبر مرادفاً للروح المعنوية وأن للروح المعنوية قدرة عاطفية لخلق ظواهر مماثلة على مجموعة من الأفراد؛ فهل يمكن أن تخلق الروح المعنوية مواقف وظروف مماثلة لمجموعة من الأفراد؟!
عدوى العواطف (التقمص العاطفي)
تعتبر العدوى العاطفية أقل وعياً، وأكثر تلقائية، وهي لا تعتمد على التواصل اللفظي، بل على حالات شعورية تتعلق بالتواصل الروحي للطرف الآخر، وهي مشابهة للاتصالات السلكية واللا سلكية كتفاعل الأشخاص الذين تفصل بينهم المسافات من خلال رسائل البريد الإلكتروني أو الدردشة عبر الإنترنت على نحو يخلو من أي تواصل لفظي أو جسدي (إشارات الجسد)، ومع ذلك يحصل تفاعل في حركات أو تعابير الوجه دون وعي من المتفاعلين.
على سبيل المثال : " أتحدث مع أخي الذي يعيش في مدينة أخرى عبر برنامج المحادثات، عن طريق الإنترنت، ولنفرض أني أتناول بعض الكعك، وهو أيضاً يتناول بعض الكعك، وبدون أن أعرف فأن العدوى العاطفية تجعلنا نتناول الكعك بنفس الدقائق، وتجعلنا نطبق نفس الحركات في الأكل وتعبير الوجه، بدون أي وعي من أي منا ".
مثال آخر : " يقع لبعض قراء القصص والروايات؛ اثناء قراءته لرواية أو قصة ينتابه شعور أنه هو بطل القصة، وأن المشاعر التي يتحدث عنها الكاتب هي مشاعره ذاتها منسوخة على الورق، وهذا يحدث للأغلبية ".
يصف (هاتفيلد) العدوى العاطفية، أنها عبارة عن سلسلة من الخطوات، تبدأ كسلوك بدائي تلقائي واعٍ، ثم تتحول إلى سلوك غير واعٍ، بحيث يدرك الشخص التعبيرات العاطفية من المرسل تلقائياً، ويقلدها بدون وعي.
في الدماغ
توجد مجموعات من النوى في عمق الفص الصدغي من دماغ الفقريات، بما في ذلك الإنسان، وتسمى (اللوز) والتي هي جزء من آلية الدماغ التي تركز على التعاطف والتناغم، ويرى (هوارد فريدمان) الطبيب النفسي في جامعة كاليفورنيا أن (اللوز) هو الذي ينقل العدوى بين سلوك وعاطفة بعض الناس. ويرى علماء النفس أن العدوى العاطفية تظهر في السلوك الظاهري، مثل تعبير الوجه والحركات، وفي السلوك العاطفي مثل الحُب، الرغبة والشعور بالنشوة، وفي المصير والأقدار؛ كأن يتعرض شخص لحادث سير بينما يتعرض الآخر لحادثة غرق، كما أن الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى العاطفية بين بعضهم البعض؛ يصدقون بالتخمين بمشاعر ورغبات بعضهم البعض. كما يعتقد بعض الباحثين أن العدوى العاطفية لا تشترط أن تقع في ذات المكان، ولكنها تقع في توقيت موحد بين فردين أو مجموعة من الأفراد، أو بين فرد وحيوان مقرب إليه.
عدوى المتزوجين
يرى الدكتور (روبرت لفينسون) عالم النفس الفسيولوجي الذي استخدم الدراسات الطولية على المتزوجين، أن العدوى العاطفية لا تنتقل فقط في المشاعر والسلوك وتعبير الوجه، بل تنتقل إلى الشكل والمظهر العام لكل من المتزوجين، اللذان يصبحان مع مرور الزمن مثل التوأمين. كما عمل روبرت دراسة طولية على التوأم الذين يعيشون في ظروف مختلفة، واتضح له أن هناك عدوى سلوكية وعاطفية، بل أيضا عدوى في الأقدار، كأن يتعرض كل من التوأمين لحادث سير في وقت مماثل، ولكن في مكان وظروف مختلفة؛ ما يوحي أن لبعض البشر أقدار متشابهة في توقيت واحد.
عدوى الضغوط النفسية
جاء في دراسة علمية جديدة أن "الضغوط النفسية يمكن أن تنتقل بالعدوى من إنسان إلى آخر، بطريقة لا شعورية ومن دون وعي". وقبل الخوض في تفاصيل الدراسة، علينا أن نستعرض إحدى الحالات التي تعد نموذجاً لهذه النظرية. إذ تقول البريطانية (جولي هول) من ويمبلدون، 38 عاماً إنها كانت وعلى مدى أشهر تعشق وظيفتها، وتنعم بتناغم مع زملائها، وتتمتع بحماس وإقبال على العمل، ولكن الأمور سرعان ما تغيرت بتعيين مديرة جديدة لإدارتها، التي كان مزاجها يتسم بالعصبية والحساسية ثم بدا واضحًا أنها تعاني من توتر نتيجة تعرضها لأي موقف، وباتت ردود أفعالها تجاه الموظفين، يصاحبها نوع من التذمر كما أنها اعتادت أن تصب جام غضبها بصوت عالٍ.
تقول جولي؛ إنها بطبعها شخصية سلسلة وسهلة القيادة، ولكنها بدأت تشعر أن التوتر قد نال منها، في ظل توتر المديرة الجديدة، وبات من الصعب عليها التركيز، وهو الحال نفسه الذي بدأ يشعر به باقي زملائها في العمل، إذ اعتادت المديرة الجديدة على أن تتصرف معهم بعدوانية، وسرعان ما بدأ التوتر ينتشر في أرجاء المكتب؛ وينتقل مع جولي وزملائها إلى منازلهم، وبدا الأمر وكأن الجميع قد أصابتهم عدوى عصبيةِ وتوتر مديرتهم.
تؤكد صحة هذه النظرية دراسة جديدة إذ تقول نتائجها إن "الضغوط النفسية والتوتر يمكن أن ينتقلا بالعدوى من شخص إلى آخر، مثله مثل أمراض البرد والإنفلونزا، لا سيما في أماكن العمل".
وجاء في الدراسة أيضاً أنك عندما تجلس إلى جوار زميل لك في العمل، دائم الشكوى والتبرم والنواح، بسبب ضغوط وسياسات العمل، أو تستمع لمخاوف زميل آخر من رئيسه في العمل أو حبيبه، أو تأزمه من الأوضاع المالية والبنكية، فإنك تعرض نفسك للإصابة بمخاوفه نفسها، وأنينه وتبرمه وشكاواه.
فقد اكتشف العالم السيكولوجي في جامعة هاواي البروفيسور (إيلاين هاتفيلد) إمكان انتقال مشاعر القلق السلبية والضغوط ومعاناة الآخرين، بسهولة وسرعة في أماكن العمل. ويقول هاتفيلد : " إن الناس بصفة عامة يتمتعون بالقدرة على محاكاة أصوات وأوضاع الآخرين، والملامح والتعبيرات التي ترتسم على ملامح وجوههم بسرعة مذهلة، وبالتالي فإن هؤلاء الناس قادرون أيضاً على تقمص شخصية الآخر وحياته العاطفية، وبالتحديد تبرمه وضغوطه النفسية".
وتقول الدارسة أيضاً "إن الإنسان عادة ما يكون أشبه بالإسفنجة التي تتشرب وتلتقط ما يمكن أن نطلق عليه اسم العدوى العاطفية، التي تنبعث من الأفراد المحيطين به وما إن يتشرب الإنسان ضغوط الآخرين، فإنه سرعان ما يبدأ بالإحساس بالضغوط ذاتها أيضًا، والتركيز على مواقف يمكن أن تزعجه.
كما كشفت الدراسة عن أن النساء بالمقارنة بالرجال هن أكثر عرضة للإصابة بعدوى انتقال الضغوط النفسية والمخاوف والقلق ومشاعر السخط والتبرم؛ وذلك بسبب أن النساء يميلن إلى التعاطف مع الآخرين، وبالتالي العزف على نغمة الشكوى نفسها والتبرم التي يبديها الآخر.
عدوى الإضطراب النفسي
يشرح الدكتور يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة في كتابه نمط العدوى النفسية فيقول :
" ينتقل الحزن أو الوهم أو الشك أو الضلال من المريض إلى السليم، حتى يمكن القول بأن المرض النفسي قد يعدي مثل سائر الأمراض، بالنسبة للأشخاص المهيئين. ويمكن أن تكون العدوى بالأمراض النفسية، أكثر احتمالاً من أمراض عضوية كثيرة، بحيث يكون للانتباه إلى العلاج المبكر، فائدة مزدوجة في شفاء المريض، ووقاية من حوله في ذات الوقت.
لقد عنينا أن ننص على لفظ (الأشخاص المهيئين)، وذلك لأن الناس يختلفون بالنسبة لاستعدادهم للإصابة بالمرض النفسي عن طريق العدوى، بقدر اختلافهم لقابليتهم للاستهواء، ومدى ما يحملونه من أسباب مهيئة للمرض النفسي في نفس الوقت. فمن المعروف أن الإيحاء سهل بالنسبة للأشخاص ذوي الشخصية السهلة، التي تتأثر بالغير، وتحسب حسابهم، والتى تتقبل آراء الآخرين بسهولة ويسر، والتي لا تصبر على التمسك بالرأي طويلاً، وهذه كلها صفات غير مرذولة أساساً، ولكن المغالاة فيها قد توحى بما يسميه العامة (ضعف الشخصية)، وهو أن يكون الإنسان تابعاً في فكره وتصرفه جميعاً، ولكن هذه التبعية ليست رذيلة بصورة دائمة، بل إنها تكون أحياناً مشكلة - بشكل ما - في عملية التكيّف، فالإنسان دائماً تابع حيناً ومتبوع حيناً آخر، ولكن التبعية المطلقة؛ والاستهواء المبالغ فيه هو ما يمكن أن يستنكره الناس، ويعتبرونه نقيصة يتبرأون منها، فمن قديم تفاخر الشعراء بعدم قابليتهم للاستهواء، كما في قول الشاعر العربي :
تثائب عمرو إذ تثاءب خالد
بعدوى، فما أعدتنى الثؤباء
الشخص العادي قد يكون مهيأً للتقليد والإيحاء، سواء أ كان هذا الذي يوحى به (حركة) أم (سلوكاً) سوياً أم مرضياً، ومن المتعارف عليه كذلك أن الخلق السيئ يعدي، كما أن الطبع الحميد يعدي، وقد شبهوا عدوى الأخلاق بالعدوى المرضية حرفياً:
واحذر مصاحبة اللئيم فإنها
تعدى كما يعدى السليم الأجرب
فإذا كان التثاؤب معدياً، والطبع اللئيم يعدي، فالمرض النفسي قد يعدي سواء بسواء، وهو معد فعلاً ولكن للشخص المهيأ فحسب.
ولنضرب أمثلة لهذه العدوى بادئين بمرض الإيحاء الشهير (الهستيريا)، والهستيريا لا تعنى الجنون، ولا تعنى الهوس أو (الوش)، كما يحب الناس أن يطلقوا هذا اللفظ على أكثر من معنى، ولكنها تعني مرضاً (نفسياً) - ليس عقلياً - تصدر فيه أعراض جسمية (كالنوبات أو فقد النطق) أو عقلية (كفقد الذاكرة)، دون إرادة المريض، بعيداً عن دائرة وعيه، هرباً من مواجهة موقف قاسٍ.
وهذا المرض برغم بساطته وسهولة علاجه في أغلب الأحيان، إلا أنه حاز شهرة تاريخية وشعبية لا نظير لها. فمعظم القصص وروايات السينما، التي تحكي إزدواج الشخصية وفقدان الذاكرة والشلل المؤقت، مبنية على فكرة هذا المرض، بغير مبرر يتناسب مع مركزه بين الأمراض ".
التثاؤب : شكل من العدوى العاطفية
أثبت علماء من جامعة بيزا الإيطالية، أن اقتراب إنسان عاطفياً من شخص ما، عامل حاسم في التقليد غير المتعمد لهذا الشخص، وهو ما يجعل التثاؤب أكثر عدوى بين أفراد الأسرة الواحدة، ثم بين الأصدقاء، ثم المعارف، ثم الغرباء. وبذلك تنطوي عدوى التثاؤب ضمن نماذج التقمص العاطفي عند توافر الظروف العاطفية المناسبة؛ حسبما أكد الباحثون تحت إشراف اليزابيث بالاغي، في مجلة (بلوس ون) الأميركية. وقال الباحثون في دراستهم إن التقمص العاطفي، أي القدرة على التعرف إلى مشاعر الآخرين وإصدار ردود أفعال عليها، هو عنصر حاسم في تكون السلوك الاجتماعي.
ويعتقد بعض الباحثين أن ما يعرف بمرآة الخلايا العصبية، التي توجد على شكل شبكة من الخلايا العصبية، تجعلنا نرد تلقائياً على بسمة الآخرين، وليست عدوى التثاؤب أمراً جديداً على العلماء، فهم يرجحون منذ وقت طويل وجود مثل هذه الأشكال من التقمص العاطفي للآخرين، ولكنها لم تثبت بهذا الشكل إلا أخيراً.
وراقب الباحثون على مدى عام كامل، سلوك 109 أشخاص - 56 امرأة و53 رجلاً - من أوروبا وأميركا الشمالية وآسيا وإفريقيا، ثم حللوا التصرفات التي بدرت عنهم في 480 تجربة، بما في ذلك الزاوية التي يرى فيها المراقب بدايات التثاؤب، وتوصلوا دائماً إلى النتيجة نفسها، ألا وهي أن العلاقة الاجتماعية كانت في كل مرة العامل الأكثر حسماً في انتقال عدوى التثاؤب، يليها عامل الجنس - ذكر أم أنثى - ثم القومية أو ظروف الموقف ذاته بل إن التثاؤب ينتقل بسرعة أكبر بين الأشخاص الذين تربطهم قرابه عنه بين المعارف؛ بحسبما أثبتت الدراسة، ولكن عنصر التقليد لا يلعب دوره إلا عندما يكون التقمص العاطفي ظاهراً أصلاً لدى الشخص المتقمص. ولا يلعب هذا العنصر دوراً لدى الأطفال الصغار، وكذلك لدى الأشخاص المصابين بالتوحد.
عدوى العقائد
يمكن أن ننظر إلى المسألة من الجانب العقائدي لدى الإنسان، فالإنسان الذي يعيش في بيئة تؤمن بشيء وتكفر بشيء آخر، سيستقبل هذه العقائد تلقائياً بالعدوى، وهذا ما علمناه جلياً في مكة أيام الجاهلية، إذ كانت زاخرة بالشرك، يمارس أهلها عبادة الأوثان، وتنتقل هذه الممارسة من شخص إلى آخر، الأمر الذي عقّد الدعوة الإسلامية في بادئ أمرها، فاضطر المسلمون إلى الهجرة صوب بلاد الإيمان، حيث يكون الجو أكثر ملاءمة لنشر عدوى إيمانهم. وهذا ما حدث في يثرب (المدينة المنورة) التي دب فيها الإيمان بعدوى منقطعة النظير، فدخل الناس في دين الله أفواجاً.
الاستفادة العملية من عدوى الشعور
هستيريا جماعية لوفاة زعيم كوريا الشمالية
من خلال مراكز متخصصة تدرس بعض الدول المتقدمة إمكانية ممارسة هذه الآلية؛ لتغيير اتجاه تفكير مجتمعاتها، نحو الاتجاه الذي ترغب فيه الحكومات. وتقدم هذه المراكز تقارير يومية إلى الحكومة تبين فيها المزاج العام للشعب في هذا اليوم، وهل يمكن أن تتخذ الحكومة قراراً ما، أو عليها أن تؤجله وفق المزاج العام. وتعتمد المراكز في استنباط معلوماتها هذه من مواقع التواصل الاجتماعي، وشبكات الاتصال وما إلى ذلك. حتى ليُخيّل للناظر بعمق، أننا في عصر الاتصالات، أصبحنا أكثر عرضة لعدوى المشاعر والعواطف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.