الشمعة السابعة عشر روح شبابية ... ليس هناك تلازم ذو قيمة بين الروح والجسد , فقد يكون المرء في مقتبل العمر وروحه روح عجوز , وقد يكون المرء في شن الثمانين , وهو يتمتع بروح الشباب ! هل هذه مبالغة ؟! أن هنا في مقام الناصح والمرشد لأبنائي وبناتي , ولا ينبغي أن أتجاوز الحقيقة لأي سبب من الأسباب , وهذه الحقيقة . وأظن أن أفضل شيء نفعله الآن , هو أن نذكر مقومات الروح الشبابية حتى يعرف كل واحد منكم ما مقدار ما يملكه منها : 1- تعني الروح الشبابية وجود ثقة كبيرة بكرم الله - تعالى - ولطفه ومعونته , والانتظار لمدده وعطاءاته غير المحدودة . 2- تعني الروح الشبابية المرونة والتكيف وتفتح العقل , والإصرار على منع شرايين الذهن من أن تقسو وتتصلب . 3- تعني الروح الشبابية الاحتفاظ بالمرح والتفاؤل والتجاوب مع الطرفة الذكية والضحك ملء القلب من النكات البارعة . 4- تعني الروح الشبابية النمو المستمر على مستوى الروح والعقل والأهداف والتطلعات , وتذكروا أيها الأعزاء والعزيزات أن المرء يشيخ حين تشيخ أحلامه , ويموت حين يموت آخر حلم له . 5- تعني الروح الشبابية التفكير بطرق جديدة وقراءة كتب جديدة وممارسة هوايات جديدة , كما تعني الحب المتدفق للاكتشاف وفهم الوجود . 6- تعني الروح الشبابية ألا نفكر أبداً - نحن معاشر الشيوخ - فيما يطرأ على وجوهنا من تغيرات , وأن نركز انتباهنا هلى ما يمكن أن نفعله . 7- تعني الروح الشبابية الانشغال الدائم وبذل الجهد المتواصل من أجل بناء مستقبل زاهر لنا ولأمتنا . 8- تعني الروح الشبابية التخطيط لأعمال ومشروعات , يرجى ثمرها بعد مدة ليست قصيرة , فالذين شاخت أرواحهم هم وحدهم الذين يخططون للمشروعات العاجلة . 9- تعني الروح الشبابية القدرة على الصفح والعفو عن أعظم الزلات , فالشباب هم أصحاب القلوب البيضاء والأرواح النقية . 10 - تعني الروح الشبابية المسارعة إلى عمل الخير , ونفع العباد , والإسهام في بناء الوطن . 11- تعني الروح الشبابية التأبي على البيئة اليائسة المحطمة , والانطلاق نحو الآفاق الرحبة . ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى بناتي وأبنائي ؟ إنه يعني شيئاً واحداً هو أن تجددوا لأرواحكم من خلال ما ذكرناه ! والله يتولانا وإياكم بلطفه ومعونته . الشمعة الثامنة عشر اللمسة الشخصية ... الناس متشابهون إلى حد بعيد في أمور كثيرة , ولذلك فإن كل واحد منا سيظل في حاجة إلى لمسة خاصة تتصل باللطف والشفافية , أو تتصل بالإتقان والجودة , أو تتصل بالعطاء والإحسان , أو بالتعبير وأسلوب الكلام ... اللمسة الشخصية شيء يميز الإنسان عن مئات الناس العاديين الذين يختلط بهم , وليس المقصود بالتميز التميز المعبر عن التعالي , وإنما التميز المعبر عن الذوق الرفيع واللطف والكرم والأريحية وحسن الأداء , وهذا يجعل المرء قدوة تتعلم منه الأجيال الجديدة , وتزدهر به الحياة الراكدة ... هنا سيقول بعض بناتي وأبنائي : ما المقصود باللمسة الشخصية ؟ وهل في إمكان كل واحد منا أن تكون له لمسته الخاصة ؟! الجواب : نعم وبكل تأكيد , وهذه بعض الأمثلة الموضحة : - تعود أصحاب المحلات التجارية أن يغري كل واحد منهم المتسوقين بالشراء من محله , ويشتد الإغراء في أيام الكساد والركود . بعض أصحاب اللمسات الشخصية , كانوا يقولون لمن جاء في الصباح ليشتري منهم : أنا اليوم استفتحت - أي بعت شيئاً - لكن جاري لم يستفتح بعد , اذهب إليه واشترِ منه ! . - كل الناس يقولون على مسجلات هواتفهم عبارات قربية من : ( أرجو أن تذكر اسمك ورقم هاتفك وحاجتك ) هناك شخص صاحب لمسة شخصية وراقية جداً سجل على جهازه عوضا عن ( حاجتك لي ) : ( وحاجتي إليك ) إكراماً للمتصل ! لله دره ! . - في عالمنا العربي لا يلتزم معظم الناس بالوعود التي يقطعونها , فتجد الواحد منا يقول : أكون عندك الساعة الثامنة , وربما لا يأتي إلا بعد الساعة التاسعة , وقد لا يحضر أبداً , لكن هناك أشخاص قليلون يلتزمون بالمواعيد على نحو دقيق جداً إلى درجة إن في إمكان المرء أن يضبط ساعته على مواعيدهم , وصار من لا يملك ساعة يقول ( الساعة الآن هي السابعة : لأن فلاناً يخرج من بيته الساعة السابعة ! ) . ما الدي يعنيه هذا الكلام بالنسبة إلى أبنائي وبناتي ؟ إنه يعني الآتي : 1- اللمسة الشخصية تعني تميز صاحبها , وأمتنا في حاجة ماسة للمتميزين , فحاول أن تكون واحداً منهم . 2- اللمسات الشخصية أكثر من أن تحصى , وحين يتوفر الصدق والاهتمام , فإن كل واحد منا قادر - بإذن الله تعالى - على أن تكون له لمسته الخاصة . 3- ترتقي الأمة من خلال وجود عدد كبير من أصحاب اللمسات الشخصية , فكونوا عامل ارتقاء بأمتكم . 4- بناتي ربما يكن أقدر على إبداع اللمسات الشخصية , ونحن نأمل أن يكن عند حسن الظن . الشمعة التاسعة العشر مزيداً من الوعي ... تكمن نقطة البداية في النهوض بالذات والارتقاء بها في التعرف على نقاط قوتها وضعفها وإيجابياتها وسلبياتها وإنجازاتها وأخفاقاتها ... وأنا أعتقد يا أبنائي وبناتي أن وعي جيلكم بنفسه أفضل من وعي جيلنا والجيل الذي قبله ؛ وذلك بسبب انتشار التعليم وبسبب ثورة البث الفضائي المتصاعدة , لكن لا بد من القول : إن معرفة الذات على نحو عميق هي من قبيل السهل الممتنع . ولهذا شرح طويل لا أريد أن أشغلكم به الآن , ويكفي أن أقول : لو أن الواحد منا رغب في أن يعدد خمساً من نقاط القوة في شخصيته وخمساً من نقاط الضعف , فإنه سيجد أن ما سيقوله في هذا غير واضح وغير قطعي , ويحتمل الجدل والأخذ والرد . السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : إذا كان اكتشاف الذات على هذه الصورة من التعقيد , فما الذي يساعدنا على ذلك ؟ أقول في هذا الجواب على هذا التساؤل : إن لدينا عدداً من الأمور الجدية , منها : 1- أسأل صديقاً فطناً وناصحاً , واسألي صديقة ذكية ومخلصة عن الأشياء الجيدة في شخصيتك والأشياء التي هي موضع ملاحظة ومؤاخذة , وليلح كل واحد منكما على الصراحة والصدق , وقوما بتسجيل تلك الملاحظات والتأمل فيها مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ما يقوله الأصدقاء فينا هو رأي اجتهادي , قد يكون صحيحاً , وقد لا يكون , لكن يستأنس به . 2- حاولوا يا أولادي أن تحولوا مشاعركم وانطباعاتكم وأفكاركم إلى شيء يمكن أن يناقش , وذلك من خلال صياغتها في جمل وعبارات واضحة , وذلك مثل القول : أنا لدي قوة ظاهرة في التخيل , ولدي قدرة كبيرة على لفت انتباه الآخرين , ولا أفرط بأي فريضة من الفرائض , كذلك لدي صراحة مهذبة وذكية ... ومثل ذلك القول في نقاط الضعف : لدي مشكلة في الإنجاز , حيث إنني أميل إلى التسويف , كما أن علاقتي مع أمي ليست حميمة بالقدر الكافي , وألاحظ بقوة أن الزملاء لا يحبون أن أشاركهم في اللعب .. هذا البيان الشخصي هو بيان أولي , ويحتاج إلى تطوير مستمر . 3- تأمل في سلوكك اليومي : هل تقصر في أداء فريضة ؟ هل تقع في كبيرة ؟ إذا وجدت شيئاً من ذلك فتوقف فوراً , وأعلن التوبة , واصرخ في وجه نفسك صرخة قوية مزلزلة ... وإذا وجدت أن الأمر دون ذلك , ولا يعدو حد الهفوات فاحمد الله , وافعل شيئاً من أجل التقدم والصلاح ... 4- المقارنة وسيلة جيدة لزيادة الوعي الذاتي , ولهذا فليحاول كل واحد منكم أن ينظر إلى الأصدقاء والزملاء . ولتحاول كل واحدة منكن أن تنظر إلى الصديقات والزميلات الذين يعيشون في ظروف مثل ظروفكم , ولديهم معطيات مثل معطياتكم ... أن ينظر ما لديهم من إنجازات , وما هم عليه من خير وإصلاح , وما هم فيه من أوضاع وأحوال , ويقارن هذه بتلك ليعرف موقعه بين نظرائه : هل هو أفضل أو أقل ؟ ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي ؟ إنه يعني الآتي : 1- لا يمنع احدكم الغرور والعجب من أن يتعامل مع ذاته على أنها شيء غامض , يحتاج فعلاً إلى اكتشاف . 2- تعرفوا على أنفسكم من أجل الارتقاء بها , وليس من أجل جلدها وإلحاق كل النقائص بها . 3- الإنسان في الرؤية الإسلامية هو مركز الكون , ولهذا فإن فهم الناس لأنفسهم هو المقدمة الحقيقية لفهم الكون . الشمعة العشرون احترام الآخرين ... لا يخفى على أحد ما تحقق للناس من تمدن وتحضر واستقرار وتعليم ورفاهية , مما يستوجب الحمد لله والثناء عليه , لكن من المهم ألا ننسى أن لدينا شواهد كثيرة على أن ( التوحش ) وما يصحبه من ظلم وبغي وجفاء , أشبه بالفيروس الكامن كي نحمي مجتمعاتنا من الانحطاط والعدوان . إن الله - تعالى - وجهنا إلى شيء عظيم , يرسخ فضيلة الاحترام حيث قال : ( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) . أي كلموهم بالكلام الطيب , وألينوا لهم جانباً , ولاطفوهم , وناصحهم بما يصلح شأنهم . كلما درج الناس في سلم الحضارة يا بناتي وأبنائي توقعوا من بعضهم احتراماً أكبر ولطفاً أعظم , ولهذا فإن علينا جميعاً أن نكون دقيقين في تعبيراتناوتصرفاتنا حتى لا يؤذي بعضنا بعضاً من غير قصد . القاعدة الذهبية في هذا هي أن نخاطب الناس بالأسلوب الذي نحب أن يخاطبونا به , ولو أننا عملنا بهذه القاعدة لتخلصنا من كثير من مشكلاتنا الاجتماعية , وما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) الناس بفطرتهم يحتاجون حاجة ماسة إلى من يعترف بهم , ويقدرهم , ويثني عليهم , يحفزهم ويهتم بهم , وقد قال أحدهم : ( من الأساطير المتداولة : مكتوب على جبين كل إنسان : أرجوك أعرني اهتمامك , ولا تمر بي غير آبه ) . إلقاء السلام على من نلقاه في طريقنا , والتبسم في وجهه , وسؤاله عن حاله , والاعتذار إليه عند الخطأ والمسارعة إلى مساعدته في ساعة ضيق أو كرب , والثناء على أعماله الحسنة ... كل ذلك من الأمور التي تعبر عن الاحترام والاهتمام . احذروا يا بناتي وأبنائي من التكبر على الآخرين وإهمالهم والاستخفاف بهم , وقد أحسن من قال : إن المتكبر مثل الصاعد في الجبل , يرى الناس صغاراً , ويرونه صغيراً ! كأني بالمتكبر ينشر معادلة الاحتقار المتبادل , على حين أن تعاليم ديننا توجهنا إلى أن ندعم قاعدة الاحترام المتبادل وقاعدة الاهتمام المشترك . نحن جمعياً في حاجة إلى أن ننمي في نفوسنا مشاعر ( الاستحياء من الذات ) ؛ لأننا حينئذ سنقوم باحترام الناس وتقديرهم ؛ وعلى رأسهم الأبوان والمعلمون وكبار السن , ومن لهم أيادٍ بيضاء في خدمة الناس والإحسان إليهم , وفي خدمة البلاد ورفعة شأنها , وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا , ويعرف لعالمنا قدره ) . وقال : ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم , وحامل القرآن غير الغالي فيه , ولا الجافي عنه , وإكرام ذي السلطان القسط ). ماذا يعني هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي ؟ إنها يعني الآتي : 1- من أراد منكم أن يكون محترماً جداً , فليعامل الناس على أساس قيم واحدة ؛ لأن الشخص المهذب اللطيف الكريم , لا يستطيع أن يتلون في سلوكه , ولا أن يلقى الناس بوجوه متعددة , إنه يكرم الجميع , ويصبر على الجميع , ويحاول فهم الجميع , ويعمل على مساعدة الجميع , ولهذا فإنه محترم ومقدر من قبل الجميع . 2- احترام الناس يعني فيما يعنيه احترام اجتهاداتهم واختياراتهم وأذواقهم ما دام ذلك في إطار المباح والمشروع . 3- حاولوا دائماً اختيار الكلمات والجمل المعبرة عن أصالتكم وترفعكم عن الدنايا واهجروا الألفاظ السوقية التي يستخدمها الأشخاص غير المحترمين . 4- اعملوا دائماً على ألا تكونوا مصدر إزعاج لأحد , وألا تفاجئوا أحداً بمكروه , وتعلموا التأنق في التصرف , وطالعوا شيئاً من الكتب المؤلفة في ذلك .