"شوارعنا المصرية، بعضها يحمل أسماء شخصيات رياضية، هنا نعرض لمحة عن مسيرة وعطاء الرياضي صاحب الاسم، ولماذا استحق أن يطلق اسمه على الشارع، ويخلد على خريطة الشوارع الرياضية". شارع (خضر التوني) .. يتفرع شارع (خضر التوني) من شارع (يوسف عباس) في حي مدينة نصر بمحافظة القاهرة .. وهناك شارع باسم (خضر التوني) داخل القرية الأوليمبية بمدينة (ميونخ) الألمانية.
فمن هو (خضر التوني) الذي أطلق اسمه على شارعين أحدهما بمصر، والآخر بألمانيا؟
ولد (خضر سيد التوني) بحي (شبرا) في يوم 15 سبتمبر سنة 1916، ونشأ في أسرة بسيطة حيث كان لوالده محل صغير لبيع الجلود بمنطقة (بين السورين)، فلم يرسله إلى المدرسة ولكن أبقاه ليعمل معه بالمحل. كان (خضر) شغوف بمشاهدة المباريات الرياضية التي يمارسها تلاميذ (شبرا) في أرض فضاء بجوار جامع (الخازنداره)، وكان التلاميذ يصنعون ثقلا من يد "مقشة" في طرفيها حجران متساويان، وكانت البداية عندما وضعوا ثقلاً لم يستطع أحد منهم أن يرفعه، وكان (التوني) يراقبهم فدعوه ليحاول رفع الثقل، وبمنتهى البساطة حمله دون جهد يذكر، فهلل التلاميذ للفتى الذي لا يزيد عنهم سنا ودعوه لمشاهدة (علي الكسّار) في مسرحه، واستمروا يزيدون الأثقال فيرفعها الفتى وفي كل مرة يكافئونه على موهبته بقضاء ليلة في المسرح.
في عام 1934 بدأ (التوني) رحلته مع احتراف رفع الأثقال بالانضمام إلى نادي شبرا، ومن خلاله شارك في بطولة القاهرة، وسجل مجموعة جديدة وحقق رقماً قياسياً قدره 245 كيلو خطف ونطر. وسأل (خضر) عن الرقم العالمي فعرف أنه 106.5 كيلو في رفعة الضغط، فلما أقيم مهرجان رياضي كبير في جمعية الشبان المسلمين سنة 1935 تمكن (التوني) من ضرب الرقم القياسي العالمي ورفع 107.5 كيلو جرام. وفي سنة 1936 تقرر اشتراك مصر في دورة الألعاب الأوليمبية الحادية عشرة بالعاصمة الألمانية (برلين)، ويروي (خضر التوني) ذكرياته عن تلك البطولة فيقول: "لا أستطيع أن أصف كيف كانت حالتي ومشاعري، كنت أحسب نفسي مثل عصفور انطلق من القفص إلى الفضاء الواسع، وعندما وقفت الباخرة (كوثر) في ميناء الإسكندرية ونحن نستعد للوصول إليها، كنت أظنها ستحملني إلى جنة أحلامي، سوف أذهب إلى أوروبا وأواجه أبطال العالم، أبطال فرنساوألمانيا، الإنجليز والروس والأمريكان، وأنتصر عليهم وأرفع علم مصر، كنت مطمئن جداً، وواثق تماماً من أني سأفوز بإذن الله، تماماً كما كنت أفعل حينما كان يراهنني أصحابي في حي (البرّاد) بشبرا على زجاجة كازوزة أو سهرة عند (علي الكسار) في روض الفرج". وبالفعل ارتفع علم مصر في برلين، وصدحت الموسيقى بالسلام المصري بعد أن هزم (خضر) بطل ألمانيا القوي (إزماير) وحصد الميدالية الذهبية، ووقف الزعيم الألماني (أدولف هتلر) يستقبل أعظم رافع أثقال في العصر الحديث، وقال له: "أهنئك، ولمصر أن تفخر بك، أرجو أن تعتبر أنك هنا في ألمانيا بلدك الثاني.
واستمر (خضر التوني) بطل أبطال حمل الأثقال في العالم بأرقام لم يحققها غيره في سجل التاريخ الرياضي، وتم وضع اسمه في صدارة قائمة عظماء الحديد في التاريخ، وهي القائمة السنوية التي يصدرها الاتحاد الدولي للعبة، وتشمل أعظم 50 بطل في التاريخ وفقاً للأرقام المسجلة، وظل (التوني) على قمة هذه القائمة منذ عام 1936 وحتى عام 1996 وهو العام الذي استطاع فيه البطل التركي (سليمان أوغلو) كسر هذا الإعجاز واحتلال المركز الأول، ليتراجع خضر إلى المركز الثاني في قائمة العظماء. توفي (خضر التوني) في عام 1956، وبقى اسمه يزين قائمة أبطال مصر الأوليمبيين، كما ظل اسمه يزين شوارع مصر ... وألمانيا.