مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي.. اعرفها بعد تغيير الساعة    رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف يؤدي خطبة الجمعة اليوم من سيناء    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    انطلاق فعاليات انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء الأسنان    أسعار الجمبرى والكابوريا اليوم الجمعة 26-4-2024 في محافظة قنا    أقل جرام يسجل 2060 جنيهًا.. تراجع كبير يضرب أسعار الذهب اليوم    خبير: الدولة تستهدف الوصول إلى تريليون جنيه استثمارات في سيناء    بدء المحادثات الأمريكية الصينية.. وسط توقعات بالوصول لتفاهمات في القضايا الخلافية    بسبب مظاهرات دعم فلسطين.. جامعة كولومبيا تنفي استدعاء شرطة نيويورك    جيش الاحتلال يعلن وفاة مدني في هجوم حزب الله على جبل دوف    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    آخرها الخروج من ابطال آسيأ.. المعاناة تضرب موسم الهلال التاريخي    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    موعد تسليم لقب الدوري الفرنسي لباريس سان جيرمان    أمطار على القاهرة.. المحافظة تتخذ إجراءات احترازية    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    القناة الأولى تبرز انطلاق مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة    بعد حفل تحرير سيناء.. تامر حسني فى العين السخنة ب أولى حفلات الصيف    فضل قراءة سورة الكهف ووقت تلاوتها وسر «اللاءات العشر»    واعظ بالأزهر: الإسلام دعا لمكارم الأخلاق وصلة الأرحام    رسالة الفدائية «صابحة» ناقلة خرائط تمركزات العدو على صدر طفلها الرضيع قبل وفاتها بأيام: ربنا يقويك يا ريس ويحفظ جيش مصر    إزالة بعض خيام الطرق الصوفية بطنطا بسبب شكوى المواطنين من الإزعاج    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    «إكسترا نيوز» ترصد جهود جهاز تنمية المشروعات بمناسبة احتفالات عيد تحرير سيناء    في اليوم ال203.. الاحتلال الإسرائيلي يواصل أعمال الوحشية ضد سكان غزة    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    فلسطيني يشتكي من الطقس الحار: الخيام تمتص أشعة الشمس وتشوي من يجلس بداخلها    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 4- 2024 والقنوات الناقلة    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    صحة القليوبية تنظم قافلة طبية بقرية الجبل الأصفر بالخانكة    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    كريم فهمي يروج لفيلم «السرب»: انتظرونا 1 مايو    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    الإنترنت المظلم، قصة ال"دارك ويب" في جريمة طفل شبرا وسر رصد ملايين الجنيهات لقتله    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب مملكة السحر والفقر والامية والقهر
نشر في البداية الجديدة يوم 22 - 08 - 2015


تحقيق مصطفى قطبى (كاتب مغربى)
المغرب المملكة السحر الفقر، الجهل ، الأمية والقهر
تحقيق: 68% من المغاربة يؤمنون بالحسد والسحر و39% يصدقون “خوارق الأولياء”!
هل يبدد التعليم ظلام الخرافة؟…
أيهما أكثر خرافة الرجل أم المرأة؟…

إن السحر والشعوذة، ما زالا يداعبان أذهان الشباب، فهل يلتقي العلم والشعوذة؟
إلى أي مدى تنتشر الخرافة بين الشباب المغربي؟

للإجابة على هذه الأسئلة، أجرينا تحقيقاً ميدانياً حول هذه الموضوعات الحيوية، وذلك من منطلق اهتمام المجتمع المعاصر في المغرب بقضايا الشباب، وضرورة توفير الرعاية المتكاملة لهم، حماية وإشباعاً لحاجاتهم بالطرق المشروعة، وتوجيههم توجيهاً وطنياً وروحياً على قيم الحق والخير والجمال والصفاء والنقاء والطهر والطهارة والعدل والجدية وتحمل المسؤولية، والشعور بالانتماء لأرض الوطن الكبير وتحريرهم مما يكبل طاقاتهم بالأغلال والقيود، وحل مشكلاتهم، ورفع المعاناة عنهم، وفتح الآفاق الواسعة أمامهم ليأخذوا حظهم العادل في العمل والإنتاج و القيادة.

يحدث في المغرب… الآن!

طرح التحقيق سؤالاً هاماً حول: كيف يمكن تحرير وتطهير أذهان الشباب من الرواسب الخرافية، وكيف يمكن تنمية قدرتهم على الخلق والإبداع والابتكار وعلى التفكير العلمي الموضوعي والاستدلال المنطقي الصائب؟

استعرضالتحقيق أنواع الخرافات في المجتمعات القديمة والمعاصرة، كما تناول خصائص التفكير الابتكاري والإبداعي، وعقد مقارنة بين التفكير العلمي والتفكير الخرافي.

أهداف التحقيق الميداني:

استهدف التحقيق التعرف على الخرافات المنتشرة بمدينة فاس وبعض المناطق المغربية الأخرى، وتناول موضوعات كثيرة، كتحضير الأرواح والسحر، والحسد، والليلات الكَناوية، والفأل، والحظ واستطلاعهما في الصحف والمجلات، وقراءة الكف والفنجان، ودور الأحجبة والتعاويذ والتمائم وإطلاق البخور والشعور بالتشاؤم والتفاؤل من بعض الأرقام ومن بعض الحيوانات كالبوم والغراب والكلاب والقطط والإيمان بوجود الأرواح والشياطين أو الجن وكذلك مدى الاعتقاد بالأمثلة الشعبية الخرافية وبالحظ والصدفة والعين الشريرة…
وكذلك استهدف التحقيق التعرف على العلاقة بين التحصيل العلمي والإيمان بالخرافة، وكذلك أثر عامل السن في الإيمان بالخرافة، كما تساءل التحقيق عن أي الجنسين أكثر تأثراً بالمعتقدات الخرافية؟ وأخيراً هل ترتبط الخرافة بسمات شخصية الشباب كالانطواء والانبساط أو الصحة والمرض؟

مناهج التحقيق وأدواته:

للقيام بهذا التحقيق، تم إجراء العديد من المقابلات الشخصية مع عدد كبير من الشباب، حيث صُمم اختبار مكون من 45 سؤالاً إلى جانب سؤال مفتوح النهاية، لمعرفة آراء الشباب في موضوع الخرافة واقتراحاتهم لتخليص الأذهان من سمومها.

وقد تناول التحقيق عدداً كبيراً جداً من الأفراد بلغ 2000 منها 900 من الذكور، و1200 من الإناث من بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية والجامعات والمعاهد العليا والمعامل والمؤسسات وبعض مراكز التكوين المهني… من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والاقتصادية… المختلفة.
ولقد تبين أنَ الإيمان بخرافة ما، يختلف باختلاف محتواها، إذ تتراوح نسبة الاعتقاد في الخرافات المختلفة ما بين 8 في المائة و69 في المائة.

الخرافات أكثر انتشاراً:

الأولياء قادرون على إحداث الخوارق: 39 في المائة.
إنَ الحسد يؤثر في حياة الناس: 68 في المائة.
الاعتقاد بأنَ هناك أرواحاً طيبة وأخرى شريرة: 54 في المائة.
الأحلام تأويلاتها تتأرجح بين البشائر والمصائب: 20 في المائة.

الخرافات أقل انتشاراً:

يفيد السحر في حدوث الحمل في حالات عقم النساء: 8 في المائة.
من الممكن أن تعرف حظك عن طريق العرَافات وضاربات الودع: 8 في المائة.
قراءة الفنجان تكشف عن المستقبل: 10 في المائة.
إنَ الأحجبة تساعد الفرد على قضاء حاجاته: 10 في المائة.
أنا أؤمن بصدق الحظ الذي أطالعه في الصحف: 11 في المائة.
الذي يدخل المرحاض في الظلام تلبسه العفاريت: 11 في المائة.
يفيد السحر في علاج بعض الأمراض العصبية: 12 في المائة.
يفيد السحر في علاج بعض الأمراض العضوية الصعبة: 12 في المائة.

أسفر هذا التحقيق الميداني عن انتشار أنواع متعددة من الخرافة بين الشباب، كما أوضح أنَ هذه الخرافات تناولت جميع جوانب حياة الفرد كالحب والزواج وتكوين الأسرة والنجاح والفشل.
ومن الغريب أنَ هناك 45 في المائة من مجموع أفراد العينة يؤمنون أنَه من الممكن أن يصيب الإنسان مسّ من الجنّ بينما هناك 43 في المائة يعتقدون أنَ بعض الأماكن تسكنها الشياطين كالأماكن المهجورة والقريبة من المقابر.

وهناك 41 في المائة يعتقدون أنَ السحر يتسبب في حدوث الكره والطلاق بين الأزواج، أمّا مشكلة تحضير الأرواح وهي من المسائل التي تجذب انتباه الشباب في وقتنا الحاضر، فلقد وُجد أنَ هناك 39 في المائة يعتقدون أنَ بعض الناس يستطيعون تحضير الأرواح.
ومن بين الخرافات المتعلقة بسلوك الإنسان في حياته اليومية الاعتقاد ”بأنَ الإنسان عندما يضحك لا بد أن يحدث له في النهاية مكروه” (37 في المائة). أمّا بالنسبة للقدرة على التنبؤ بوقوع الأحداث السياسية والاجتماعية فيعتقد بصحتها 36 في المائة من مجموع العينة.

أما دور السحر في أمور الحب والزواج فيقرره 35 في المائة. أمَا الإيمان بوجود الأرواح في عالمنا هذا فنسبته 35 في المائة ومثله الاعتقاد بأنَ المندل يكشف عن أماكن الأشياء المسروقة بنسبة انتشار 35 في المائة.

نقف الآن قليلا عند كل هذه الظواهر والرموز التي أُدرجت في التحقيق كي نتناولها بالعرض والتحليل.

الأولياء ومقاماتهم وكراماتهم:

تنتشر ظاهرة التعلق بالأولياء، واللجوء إليهم لاستجلاب الخير ودرء الشر بكثرة في القطاعات المقهورة من السكان. وتتفشى خصوصاً حيث يعمُ الجهل والعجز وقلة الحيلة. فالولي ملاذ ومحام يُتقرب إليه ويتخذه هذا الإنسان المغلوب، حليفاً ونصيراً، كي يتوسط له لدى العناية الإلهية.

الولي هو ولي الله، ومن خلال التقرب منه تتحقق الحاجات وتعمُ الرحمة الإلهية. وتُسقط على الولي قدرات خارقة لها علامات، هي الكرامات التي تميزه عن سائر البشر. وتعترف فئات عريضة إجمالاً بحدوث ظواهر خارقة على أيدي هؤلاء الأولياء، تدل على ما يتمتعون به من امتياز عن سائر الناس، ومن قوة فائقة نظراً لقربهم من الله. فالأنبياء تقع على أيديهم المعجزات، أما الأولياء فتظهر على أيديهم كرامات وخوارق هي في المرتبة الثانية بعد المعجزات. والكرامات قد تكون إجابة دعوى (تحقيق أمنية أو رجاء)، وتفجر ماء في زمن عطش، أو تخليصاً من عدو. وكلها بالطبع تدل على قوة، هي على النقيض تماماً من عجز الإنسان المغلوب وقصوره، وكلها تدل على ارتفاع مكانة وحظوة، هي أيضاً على النقيض تماماً من صفة الإنسان المغلوب ومهانته.

ينقل الدكتوران ”بدران والخماش” عن التاج السبكي في طبقاته الكبرى، أنَ أهم الكرامات أربع وعشرون: ”إحياء الموتى، كلام الموتى، انفلاق البحر والمشي على الماء، انزواء الأرض، كلام الجمادات والحيوانات، إبراء العلل، طاعة الحيوانات، طي الزمان ونشر الزمان، استجابة الدعاء، إمساك اللسان، جذب بعض القلوب، الإخبار ببعض المغيبات والكشف، الصبر على عدم الطعام والشراب، القدرة على تناول الكثير من الغذاء، الحفظ عن أكل الحرام، رؤية المكان البعيد من وراء الحجب، كفاية الله لهم الشر، التصور بأطوار مختلفة، إطلاع الله إيَاهم على ذخائر الأرض، عدم تأثير المسموعات”.

من الواضح أنَ هذه الكرامات تشكل النقيض تماماً لوضعية الإنسان المغلوب. فهي ترسم صورة الإنسان الفائق الذي يعوض صورة الإنسان المهان واقعياً.

تنتشر أضرحة الأولياء ومقاماتهم في كل أرجاء المدن والقرى. وتشكل هذه الأضرحة نواة التجمعات السكانية، تقوم حولها أماكن القيادة تم تحيط بها المساكن والمنازل والفنادق، وتنتشر الأسواق التجارية. فهي إذا محج وملجأ وأماكن للتبرك واستجلاب الخير، كما أنَها أماكن للحماية من غوائل الطبيعة والناس. من جاور ضريحا فهو في مأمن، ولابد أن يناله قسط من بركته. إذ تتعدد تخصصات الأولياء في قضاء الحاجات، فهنالك من يشفي من الصداع، وآخر من العقم، وثالث من الحسد، ورابع من الكيد وخامس يمدُ بأسباب القوة على الحبيب الهاجر، وسادس ينصر على الغريم، وغيره يرد الغائب، وهكذا… ومقامات هؤلاء الأولياء تغطي كل الحاجات التي تعجز الجماهير عن تحقيقها بجهدها، وإلى تقصير الحاكم في القيام بواجب تلبيتها.

ويقوم على هذه المقامات خدَام، (يدعون أنفسهم علماء) يسهرون عليها، ويلعبون دور الوساطة بين صاحب الحاجة والولي، ويقودون خطاه في التقرب منه والدخول عليه، من خلال مجموعة من الطقوس والأدعية والابتهالات. وهم ينسجون الأساطير حول الخوارق والكرامات التي يأتيها هذا الولي، ويروجون لزيارته وتقديم النذور إلى مقامه، مستفيدين من ذلك أكبر فائدة مادية ممكنة، ومستغلين صاحب الحاجة المتشبث بآمال الخلاص، بعد أن حلَت به كارثة لا يستطيع لها دفعاً ولم يجد له فيها عوناً، أبشع استغلال.

وأبرز تدليل على ذلك، وجود مقامات أولياء يدَّعي خدَامها تخصصها بحل مشكلات النساء على اختلافها (زواج، إنجاب، مساعدة على ضرة، رد الحبيب أو الزوج إلى المنزل، إبعاد خطر الطلاق…).
بالطبع تشكل المرأة ضحية مختارة لاستغلال هؤلاء الخدام، نظرا لتفاقم حاجاتها وقصر حيلتها، ووطأة القيود التي ترزح تحتها، نظراً لجهلها وسيطرة الخرافة على عقلها بعد أن وقعت ضحية نظام اجتماعي فرض عليها درجات من الغنى.
وتتنوع الأدعية لتشمل مختلف الأغراض وتصلح لقضاء الحاجات المتنوعة للفئات المغبونة، فهناك أدعيات للشفاء من المرض، وأخرى لتفريج الهم، وثالثة لإزالة الكرب، ورابعة لتوسيع الرزق، وخامسة لتوكيد المحبة، وسادسة للخلافات الزوجية وهكذا…

بالطبع يعمل شيوخ الطرق وخدام المقامات على تعقيد الأدعية، وإدخال التكلف والتحذلق اللغوي عليها، وإسباغ طابع الغرابة التي توهم الإنسان المغبون الجاهل بعلم وفير يقوم وراءها، وسر دفين يكمن فيها، ويجعلها مفتاحاً للوصول إلى بركة الولي. من خلال ترك هذا الأثر الباهر في نفوس الجماهير وإشعارها بالعجز أمام قوة علم شيوخ الطرق. يرسخ هؤلاء ويدفعون بالمغلوبين على أمرهم إلى الاستسلام لهم والرضوخ لاستغلالهم.

إنَ الأدعية تشيع نفسياً نوعاً من الإطمئنان إلى القدر والمصير، وتبث هدوءاً في وجود الانسان المتأزم، من خلال القناعة بأنَ هناك دائما جهة ما ستتولد حل الأزمة وتخليصه منها. ثم هي تمتص، إذا كانت مطولة، جزءاً من القلق والتوتر النفسي. وقد تتحول إلى طقوس مكتسية كل خصائصه ووظائفه (التكرار والإعادة، واتبَاع نمط محدد وتسلسل دقيق، واحتوائها على موضوعات جاذبة ومستنفرة للحواس).
من خلال هذه الصور الخيرة للأولياء وكراماتهم وبركتهم والأدعية وغيرها من وسائل التقرب منهم، يملأ الإنسان المغلوب خواء عالمه العاجز المحدد، بأمل القدرة على التصدي لواقعه والتحكم بمصيره، بمقدار ما يتخذ من هذه الرموز حلفاء له. جبروت الرجاء يحلُ محل المطالبة بالحق والتصدي له.

العلاقات العدائية الحسد والسحر:

نلمس هنا شكلاً آخر من أشكال التأويل الخرافي لأحداث الحياة ونوائبها، تعتمد على تفجر العلاقات الاضطهادية، التي تتغذى من العدوانية الكامنة عند الإنسان المغلوب. تلك العدوانية عندما تتراكم تُصرف إلى الخارج بإسقاطها على الغير، الذي تتهمه بأنَه سبب المصيبة. وعندما يُحدد مصدر العلَة ووسيلتها، يمكن السيطرة على الشر والاحتياط من الأذى الآتي من الخارج بوسائل دفاعية ملائمة تبطل تأثيره، وتكف فعاليته تلك هي علاقة الحسد والسلاح الذي تحارب به من تعاويذ وكتابات وسحر.

يجد المحسود في الحسد تفسيراً لظواهر فجائية من نوع النكبات تلم به أو بذويه أو ممتلكاته. وتصيب بالضرر، أو تذهب بما يكون قد حظي به من خير أو جاه أو امتياز على الآخرين. وهو تفسير ينال الرضى عند المحسود إذ يسمح لعدوانيته أن تتفجر بدون رادع، متخذة طابع الدفاع عن النفس من شر الحاسد الذي حسد.
والتفسير بالحسد يرضي المحسود لأنَه يشعره بالامتياز عن الآخرين، وبالتالي تشعره وهمياً بارتفاع مكانته، بينما تسقط المهانة الذاتية على الحاسد. وقد نكاد نقول أنَ المحسود بحاجة إلى حاسد حتَى يشعر بالامتياز من جانب، ويتهرب من عدوانيته الداخلية بصبها عليه، ويمارسها بعد أن اتخذت شكلاً مشروعاً في الحسد، إذن إسقاط للشر الذاتي والنوايا العدوانية على الحاسد. إنَه إسقاط لرغبة الإنسان المحروم في امتلاك دور المحظوظ.. الحسد هو إسقاط الرغبة الذاتية الدفينة في سلب الآخر مما يتمتع به من حظ. وبالطبع المحظوظ الأكبر هو المتسلط المستغل.

والعين هي الأداة الأساسية للحسد (ضربة العين، الإصابة بالعين، التقواس…) وما يقابلها استباق شرها وعدوانيتها في كلمة (يخزي العين) أمام كل حظ أو جاه أو وفرة في الرزق والصحة والجمال. العين الشريرة تدمر ما تجسده كي تمتلكه، في حالة من النظار التملكي (الامتلاك من خلال النظرة الراغبة للحاسد). ومن هنا الاعتقاد بخطورة نظرة الحاسد وقوتها التدميرية الرهيبة، إذ تكفي نظرة واحدة ملؤها الرغبة في الامتلاك كي تحل المصيبة بالموضوع المحسود. ولذلك يخفي هذا الأخير ما يخشى عليه من العين (إخفاء الصبي المولود حديثاً موفور الصحة والجمال، إخفاء المتاع والأثاث، التكتم على الثروة، إفساد جمال وميزة الأشياء حتَى لا يتمنَاها الحساد).

اتخاذ الحسد كتفسير لما قد يحل بالمرء من غرامة أو خسارة أو نكبة، في ماله وأبناءه أو مكانته، يجعل إمكانية الدفاع ضده ميسورة ووسائلها متوفرة ومعروفة. إنَها الرقى والتعاويذ والسحر.
أمَا الرقى فمتعددة، وتختلف نصوصها وطقوسها باختلاف البيئات.

أمَا التعاويذ فشائعة الانتشار منها: حدوة الفرس، حذاء طفل صغير، خمسة وخميسة، (رسم أصابع اليد مفتوحة) حلي ذات نقوش دينية (ما شاء الله)، الشبة والخرزة الزرقاء، ورسم العين مصابة بسهم. وقد تتخذ شكل كتابات تدرأ شرَ الحسد مثل: عين الحساد تبلى بالعين، الحسود لا يسود، من راقب الناس مات همّاً، عاشق النبي يصلي عليه (استباق الحسد وتحويله إلى غبطة وتمني دوام الحظ للآخر).

أمَا السحر فمكانته خاصة بين وسائل الحرب ضدَ الشرور التي تأتي الإنسان من الخارج تاريخياً وعالمياً. ويستخدم السحر لرد الأذى، أو إنزال الأذى بالآخر، وكذلك لأغراض المساعدة على نيل المراد، إذ غمر بالوسائل العادية المتوفرة للإنسان المغلوب المعروف أصلاً بقلة حيلته وقصر باعه.

فهو يشكل قوَة مساعدة تعوض النقص في القوة الذاتية (كتابة السحر مثلا لفتاة أو فتى بغية ترويضهما وإيقاعهما تحت سيطرة الحبيب المهجور العاجز).

فالسحر يقوم إذاً على مبدأ الجبروت الذي يحطم قيود القهر والعجز. وهو في جوهره تجاوز الحدود البشرية، وحتى تجاوز قوانين الطبيعة، إذ أَن من خصائصه عدم التقيد بحدود الزمان والمكان، وإمكانية التأثير عن بعد. ولذلك فقد قيل في تعريفه أنه: (التماس الإنسان للنتائج من غير أسبابها).

ولقد أوضح ”مالينو فسكي” وظيفة الجبروت (وتعويض النقص) في السحر بجلاء حين قال: أنَه(السحر) لا يوجد أينما كان العمل مأموناً ومضموناً، ويمكن التحكم فيه والحصول على النتائج المرجوة منه بالخبرة والمعرفة والمهارة… بينما يتم الالتجاء إلى السحر عن غرض، ويفصح عن حاجة… إنَه رد فعل لشعور الإنسان بقصوره وقلة حيلته في عالم لا يستطيع التحكم بظواهره.

فالسحر يوجد في إحدى حالتين: في حالة الجهل بالنتائج، وفي حالة الجهل بالأسباب. للسحر إذاً وظيفة نفسية هي استجلاب الحظ والنجاح، أو إبعاد الخطر والشر. وله وظيفة معرفية، وهي سد الثغرات في المعرفة السببية لظواهر الطبيعة وما غمض منها، والعلاقات بين الناس وما يعتورها من إشكال. السحر هو تحقيق للرغبات عزيزة المنال، ودرء للمخاوف المطلقة لسد الثغرات في قصور الحيلة.

إذن فنزوة السيطرة هي المصدر النفسي لقوة السحر. ولذلك فإنَ عنصر القوة والبراعة هام جداً فيه. فهناك قوَة الساحر المضخمَة بشكل مفرط، التي تبهر طالب السحر وتحوز إعجابه، وتمكنهما من السيطرة على الشخص المسحور الضعيف الذي لا قبل له بمقاومة تأثير السحر والساحر. فالعلاقة بين الساحر والمسحور وطالب السحر هي دائماً علاقة قوَة خارقة. يقابلها رضوخ قلق عند المسحور، وإعجاب مفرط وأمل كبير عند طالب السحر.

ولذلك فحفلة السحر هي دائماً ذات طابع استعراضي تستند إلى الخوارق. وهذه القوة ضرورية لتعويض الضعف والمهانة وقلة الحيلة عند طالب السحر، إذ من خلال طلب السحر يتماهى بالقوة الاستثنائية ويتخذها حليفة له، مما يعطيه الوهم بالسيطرة الخرافية على مصيره. ولكن، هنا أيضاً، يهرب الإنسان المغلوب من مسؤولية النهوض لمجابهة واقعه والعمل على تغييره. فبمقدار ما ينشد الحل في الممارسة الخرافية، يعزز استمرار النظام القائم الذي هو في الأساس مأساته الحياتية.

لابد إذاً من وسائل للسيطرة على المصير والاحتياط للمستقبل. وهي وسائل خرافية بالضرورة، طالما أنَ الضمانات مفقودة والتخطيط منعدم والتوقعات المبنية على الجهد العام والذاتي لا أثر لها. وسائله إلى هذه الحيطة وذلك الاستشفاف متنوعة. يلاحظ بعض المؤشرات ويرقب بعض العلاقات التي تنبئ بخير ممكن أو شر محتمل سيأتيه، ذلك هو التطير.

التطيّر:

أينما وجدت عناصر المصادفة والحظ كان احتمال القابلية للتطير كبيراً. يشترك التطير مع السحر في إسقاط النوازع الذاتية على الظواهر الخارجية، كما يشتركان في القوة المطلقة للفكر، وما وراءه من مخاوف ورغبات. وهما يشتركان في المقام الثالث في الوظيفة الدفاعية. وهنا يشكل التطير الوجه السلبي للسحر. فبينما هذا الأخير إقدام على ممارسات للحصول على نتائج مستحبة أو درء أخطاء معينة، نجد الأول تلمس علامات معينة. أو الامتناع عن أعمال محددة درءاً لأخطارها. فالإنسان لا يستطيع احتمال الغموض، ولهذا فهو يسقط جبروته الفكري على ظواهر الواقع الموضوعي، في نفس الوقت الذي ينفي فيه مسؤولية عما سيحدث.

هذه البشائر والنذائر، والثانية أشهر من الأولى، لدرجة أنَها أسبغت طابعها على ظاهرة التطير، إما أنَها خارجية، أو ذاتية حسية. من علامات الفأل الحسن الخارجية مثلا: حدوة الحصان، السلحفاة، الحمام، السنونو. أمَا علامات الفأل الرديء: البومة، الرقم 13، المرآة المكسورة، الغراب. ومن العلامات الحسية: رف العين (ومن هنا يعتبر رفُ العين اليسرى دليل شؤم والعين اليمنى دليل خير) طنين الأذن، أكال باطن الكف.

واضح هنا أنَ العلاقة بين العلامة وما تدل عليه عينيَة محسوسة: توقع مشاهدة أمر سيء (بالعين اليسرى) أو أمر طيب بالعين اليمنى، ورف العين هو للتأكيد ممَا نشاهد (على غرار لم أصدق عيني، هل أنا في حلم أم في يقظة)، طنين الأذن تعبير حسي عن توقع سماع أخبار ما، أو على العكس إسقاط هذه الرغبة على الآخرين حين الاعتقاد بأنَ هناك من يتحدث عن الشخص (أي أنَه مهم بالنسبة للآخرين الذين يسألون عنه في غيابه).

أما أكال باطن الكف، فيشير إلى الاحساس المادي عندما يقع في أيدينا شيء أو نضع فيها شيئاً. أمَا العلامات السلوكية فمنها مثلا: كنس المنزل ليلاً، صب الماء الساخن على الأرض، فتح مظلة داخل المنزل، تحريك المقص مفتوحاً في الهواء دون أن يقطع شيئاً، المرور من أسفل السلم الخشبي الموسد إلى الحائط، وكذلك زجر الطائر.

والرمزية هي نواة الدلالة في هذه العلامات. بعضها واضح حسي، والآخر يحتاج إلى تفسير. وكما أنَ البشائر والنذائر قد تختلف في تعددها حضارياً، كذلك فإنَها قد تختلف في دلالتها.

وإذا كانت نزوة السيطرة تشكل القوة المحركة للسحر فإنَ تجنب الأذى، أوالاطمئنان إلى المصير يشكل أقوى دوافع التطير، وكلاهما وسائل خرافية للسيطرة على المصير. والتطير كالخواف، هو في النهاية إسقاط للقلق الداخلي على الخارج، واستقصاء علامات خارجية أو حسية أو تجنب ممارسات محددة للدفاع ضد تفصحات هذا القلق.

تأويل الأحلام:

يحتل تأويل الأحلام مكانة فريدة بين أساليب السيطرة الخرافية على المصير. وتعتبر الأحلام من الناحية الشعبية بشير فأل حسن أو نذير شؤم ونوائب. استعراض تأويل مختلف أنواع الأحلام، يظهر أنَه يدور دوماً حول مجموعة من الأزواج المتناقضة التي تمس المصير المهدد للإنسان المغلوب، تنذره بكارثة أو تبشره بفرج قريب. يبقى أنَ التطير والتفاؤل هما العاملان المشتركان بين أغلب التفسيرات الشعبية للأحلام. أحلام ميمونة وأخرى مشؤومة، أحلام تحمل البشرى بالسعد، وأخرى تحمل الهم وتدفع إلى توجس الشر…

أمثلة على أحلام الفرج: البكاء في الحلم (الفرج)، الغم (دال على السرور)، الطيران (حظ سعيد ورفعة)، صعود الجبل (نيل مرتبة كبيرة وشرف عظيم)، فتح القفل (فرج)، الثياب الجدد (صلاح الحال وتغير المصير)، السمك المشوي (رزق واسع)، الشهد والعسل (رزق كبير)، الملح (يدل على المال)، البساط الواسع (سعة الرزق).

أمثلة على أحلام الضيق: الضحك في الحلم (بكاء وحزن)، الفرج في الحلم (غم)، الحلم بالكعك (ضيق)، السقوط في الحلم (تغير الأمر وتعذر المراد)، النار المشتعلة (مصيبة أو قحط أو حرب)، الحفاء (عوزة وفاقة)، أكل التين (ندامة وهم وغم)، سقوط السن (وفاة قريب) صغر البساط ورقته (رقة الحال وضيق المعاش).

هذه التفسيرات تنطلق من منطلق جبري، حيث تتحكم القدرية بالمصير.

الاختلاف بين التأويل الشعبي والتفسير النفسي حديث جوهري رغم ذلك. فإذا كانت الأحلام تنبئ عمّا سيصيب الإنسان الخارج في التأويل الشعبي، فإنَها في التحليل النفسي تشير قطعاً إلى ما يعتمل في النفس من رغبات ومخاوف، فالتفسير داخلي، ذاتي تماماً، إنَه ينبئ عمّا يعتمل في أعماق اللاوعي وما يحاول أن يشق طريقه إلى الوعي والسلوك.

التأويل الشعبي يميل إلى اعتبار الحلم دلالة تنبئ عمّا يخبئه المستقبل. فإذا حلم بأمر ما، فإن هذا الأمر سيقع مستقبلاً. ولذلك تحمل الأحلام طابع البشير بفرج مقبل أو النذير بخطب وشر آتيين. أما في التأويل النفسي فإنه لا يحدث للمرء أمر ما لأنه رآه في الحلم، بل العكس هو الصحيح، يراه في الحلم لأنه يتوقعه أو يخشى حدوثه. فالحلم من حيث تعريفه العلمي هو دوماً تحقيق رغبة، أو ممهد لتحقيق رغبة مهما كان مضمونه، سارّاً أو مؤلماً، مخيفاً أو محايداً، سواء كان واضحاً جلياً، أو مختلطاً مشوشاً. الحلم هو لغة اللاوعي الذي يعبر عن مكنوناته بواسطتها النوم.

قراءة الطالع والعرّافة:

تقنيات قراءة الطالع متعددة، وهي أقرب إلى الشعوذة، أهمها ضرب الودع، الكتابة بالرمل، قراءة الكف، قراءة الأبراج والأفلاك والنجوم، قراءة فنجان القهوة، قراءة ورق اللعب. ومن الواضح أنَها تتراوح بين تقنيات يمارسها محترفون ومتخصصون وأخرى يقوم بها بعض العامة من الناس في وضعية هي بين الجد والتسلية في المجالس الاجتماعية.

أمّا المحترفون من هؤلاء فهم يخلطون بين العلم، والروحانيات والشعوذة يصحبون ممارستهم بتلاوات هي مزيج من الألفاظ المبهمة، التي لا معنى لغوياً لها، والتي تدل في زعمهم على لغة التخاطب مع الجن والأرواح، ومن التسابيح الدينية والصلوات النبوية. والقصد من ذلك بالطبع اللعب على الإيمان الديني لطالب الحاجة، وإثارة دهشته لتمكنهم من التلفظ بمستغلق الألفاظ الغيبية في مخاطبتهم للأرواح.

وهم إلى ذلك يحيطون أنفسهم بهالة هي مزيج من العلم الروحاني (المزعوم) والدين لتغطية شعوذتهم، في ملبسهم ومسلكهم والطقوس التي يقومون بها والأدوات التي تستخدم خلالها. وفي الفترة الأخيرة، تطورت أساليب هؤلاء وبدأوا يعلنون عن أنفسهم في الصحف، فنقرأ مثلا: ”العالم الروحاني الكبير، الشيخ أبو الفضل، عالم في فك السحر والربطة وكشف الأسرار، وجلب الغائب، والطب الروحاني وغيره… العنوان…”، أو ” عطاء من الله: (مفهوم الكرامات) عالمة واختصاصية في علم التداوي بالأعشاب والروحانيات من منظور علمي… تجلب لك الغائب، وتتنبأ لك عن الحاضر والمستقبل. العنوان…،تلفون… أم جابر ” …

يتضح من إعلانات كهذه مفهوم الكرامات، وربط الشعوذة بالعلم والدين تحت ستار الروحانيات. كما يتضح تعدد التخصصات في تقنيات قراءة الطالع في الوقت نفسه. ولكن كل هذه الأساليب تدور حول أمر واحد، هو إدخال الوهم عند صاحب الحاجة، القلق على ذاته وذويه أو حاضره ومستقبله أو الذي ألمت به المصائب والنوائب، بالقدرة على تخليصه من قلقه وهمومه وتوضيح المستقبل له، ومساعدته في السيطرة على قدره، وبالتالي إدخال الطمأنينة إلى نفسه. وتدل ملاحظة سلوك الواحد من هؤلاء أثناء ممارسته لهذه الأساليب الخرافية أنه يلعب دوماً على مسألة القلق والطمأنة. فهو يثير مخاوف صاحب الحاجة ويؤكد على قلقه ويضخم الأخطار التي مر بها أو التي تنتظره، كي يعود فيطمئنه على إمكانية الخلاص، واقتراب الفرج بعد الشدة، وتحسن الحال بعد عسر، والظفر على الظروف وعلى الأعداء بعد طول قهر.

سؤال: أيهما أكثر خرافة الذكر أم الأنثى؟

لقد كشف التحقيق عن تساوي أفراد الجنسين في كثير من الظواهر الخرافية التي شملها، ويفسر ذلك بوجود تقارب فكري وثقافي وتعليمي بين الجنسين، فكلاهما يتعرض لنفس المؤثرات الثقافية، ويخوض كل منهما نفس الأنشطة تقريباً.

ولقد تراوحت الفروق بين الجنسين ما بين صفر و 14 في المائة. ومع ذلك فإن الإناث كن أكثر اعتقاداً عن الذكور في أمور مثل حدوث شيء سيء للفرد بعد الضحك وتأثير الحسد في حياة الناس في الوقت الحاضر والإعتقاد في صحة الفأل والمخاواة من أهل الجن وفكرة أن دخول الشخص حليق الذقن على المرأة يصيبها بالعقم. وقد ترجع هذه الفروق إلى ارتباط مسائل الحسد والجن والعقم بالمرأة أكثر من ارتباط الرجل.

أما الذكور فكانوا أكثر اعتقاداً في أمور مثل:
إن الأرواح موجودة في عالمنا هذا.
هناك بعض الأماكن التي يسكنها الشياطين.
من الممكن أن يصيب الإنسان مس من الجن.
يمكن استخدام السحر لإيذاء الأعداء.
إن الدين يعترف بوجود السحر.
هناك أرواح شريرة وأخرى طيبة.
للحظ والصدفة أثر أكبر في حياة الفرد عن الكفاح.

وكلها تدور تقريباً حول إيمان الذكور بالأرواح والشياطين والسحر والحظ واعتراف الدين بالسحر. هذا بالنسبة لمفردات الخرافة، كل مفردة على حدة. أما الصورة العامة للفرق بين الجنسين فتدل أن الإناث أكثر خرافة من الذكور وذلك في ضوء المتوسط الحسابي الذي حصل عليه كل من الذكور و الإناث، حيث كان متوسط الذكور 11.74 في المائة، ومتوسط الإناث 12.32 في المائة.

كذلك كشف التحقيق أن النزعات الخرافية تقل لدى المتفوقين دراسياً أي الذين يحصلون على تقديرات علمية عالية في المواد الدراسية، أما الفرق الذي يرجع إلى السن فلم يصل إلى حد الدلالة الإحصائية مما يدل أن إيمان الفرد بالخرافة لا يتأثر بمرور الزمن أو نضوج الفرد.

ومن النتائج المثيرة والجديرة بالملاحظة، إيمان نسبة كبيرة من أفراد العينة قدرها 47 في المائة بأن للحظ والصدفة أثراً أكبر في حياة الإنسان عن العمل والكفاح. ولمثل هذا الإعتقاد خطورته من الناحية التربوية والمهنية، ومن ناحية تأثيره على طموح الفرد ونضاله من أجل تحقيق أهدافه وأهداف المجتمع الذي يعيش في كنفه في التقدم والرخاء والرقي.

ومن النتائج المثيرة للإنتباه أن 39 في المائة من مجموع أفراد العينة ما يزالون يؤمنون أنه في استطاعة أصحاب الكرامات إظهار الخوارق. كما أن هناك أكثر من ثلث العينة 35 في المائة مازالت تؤمن بأن السحر يِؤثر في أمور الحب والزواج، وأكثر من ربع العينة 28 في المائة تؤمن بأن كل شخص له زميل أو زميلة من أهل الجن. بل إن من النتائج الغريبة وغير المتوقعة أن يؤمن 8 في المائة بأنه باستطاعة الساحر في المجتمعات البدائية أن يجعل الأمطار تنزل.

وتصبح هذه النتيجة غريبة في ضوء التفسير العلمي المعروف لهطول الأمطار نتيجة لعوامل البرودة والتبخر وتكثيف البخار.

الأمر الذي يعكس ضعف تأثير التعليم في أذهان الشباب وعدم قدرة التعليم بصورته الراهنة على محو الأفكار الخرافية وإزالتها في أذهان الطلاب… الأمر الذي يلقي ظلالا من الشكوك في جدوى طرائق التدريس الحالية التي تدرس بها العلوم والرياضيات والفيزياء وما إلى ذلك من العلوم التي ينبغي أن يِؤدي تدريسها إلى تطهير الأذهان من الرواسب الخرافية.

فعندما يستفحل الجهل والأمية والقهر ويستشري الحرمان، ويفلت المصير كلياً من السيطرة الذاتية، كي يرتهن بقوى خارجية، يستجيب الإنسان بالقدرية. إذ تجنب المرء الصراع العنيف الذي لابد أن يعصف بنفسه، إذا ما وضع أمام مصيره، دون أن يتمكن من السيطرة عليه بطريقة ما. ومن ذلك تجمل المغبونين بالصبر عن عقيدة فيها تحبيذ للقناعة والرضى بالمكتوب والمقدر، والقسمة والنصيب، عقيدة تدعو إلى القبول بالأمر الواقع على أنه طبيعة الأمور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.