قالت: بكل أمانة أحفر مأساتي، وبمنتهى الصدق أسجل أناتي، لعل صدى كلماتي يصل لمن كانوا السبب في معاناتي، تتلخص مشكلتي في أن أمي كانت متزوجة قبل أبي، وأنجبت ولدين، وعندما تزوجت أبي تركت أولادها مع زوجها الأول وعاشت حياتها، وكان أبي متزوجاً قبل أمي ولديه ستة أبناء، لا أذكر من طفولتي سوى أن أبي طلق أمي ولا أعلم السبب الحقيقي، وكل ما أتذكره بأننا كنا دوماً ننتقل أنا وأخي من بيتنا إلى بيت جدي، وكنا من صغرنا ونحن نعامل بقسوة؛ لوجود جبهات مختلفة ومتعددة؛ فأنا وشقيقي من جهة، وإخواني من أبي من جهة ثانية، وإخواني من أمي من الجهة الثالثة، وكبرنا وكبرت مشاكلنا، بعدها أجبرنا أبي على العيش معه ومع زوجته، ومهما حاولت أن أصف ما عانيته فلن أتمكن، ولو تمكنت فلن يصدقني أحد، فقد عشنا مع ذئاب مفترسة، عذبونا بكل الطرق، وزرعوا الخوف في أعماقنا، كانوا ينتقمون منا أشد انتقام، ومع الأسف كل ذلك كان يحدث بوجود أبي، وبعد عام تزوج أبي الثالثة، وطبعاً انشغل بالعروس الجديدة، وتركنا ليسكن في بيت آخر، وجلست أنا وأخي مع زوجته الأولي وأبنائها، وحاولت أن اتصل بأمي من دون علمه، خاصة وهو الآن مشغول عنا، ولكني فوجئت بأنها قد تزوجت وسافرت إلى بلدة زوجها، وفي ذلك اليوم لم تبك عيوني، ولكن نزف قلبي، هكذا بمنتهى البساطة أبي يعيش حياة جديدة، وأمي الشيء نفسه، ونحن ندفع ثمن غلطتهم وثمن أنانيتهم وثمن استهتارهم، أريد أن أسأل لماذا يتزوج الآباء وينجبون؟ وهم لا يستطيعون أن يتحملوا مسؤولية أبنائهم، أو على الأقل من دون أن يتسببوا لهم في الألم، عشت في مشاكل ليس لها نهاية مع زوجة أبي وأولادها، ومرت الأيام والسنون بمرارتها وأنا أصبر نفسي، وأصبر شقيقي الذي كنت أعتبره ابني، رغم الفرق البسيط في العمر بيني وبينه، فقد كنت بالفعل أمه الحقيقية، فأنا من قمت بتربيته وتعليمه بجانب تربية نفسي، ومررت بمواقف يعلم الله وحده ما فيها، ولكنه سبحانه أمدني بالقوة، كانت تجتاحني لحظات أكون فيها في أمس الحاجة لصدر أمي ودفئه؛ لأرتوي من حنانها وعطفها، وأبكي في حضنها، وأشكو لها مرارة الأيام التي عشتها من دونها، وأعود وأقول لعلها تكون مظلومة، فأنا لا أعرف ما هي ظروفها، ولا الأسباب التي تركتنا من أجلها، إن تجربتي في هذه الحياة جعلتني أشعر بأن عمري سبعون عاماً، وليست فتاة في آخر العقد الثاني من عمرها، فأين أجد الأمان والحب والحنان؟ وكيف لأغراب يحبونني ويعطفون علي ويمنحونني السعادة، إذا كان أقرب الناس لي هما سبب ألمي؟ فأنا بمنتهى الصراحة تعبت ومللت، بعد أن وأدت أحلامي، وأتمنى أن أعيش حياتي مثل باقي البشر، وأن أحس بالحب والأمان، وبحقوقي كإنسانة لها كيان مستقل، فعمري ضاع، فمتى يا ربي تشرق شمسي؛ لأشعر بدفئها يحتويني؟