رغم لجوء الأطباء إلى الأجهزة التعويضية كوسيلة مساعدة تعين المريض الذي تم بتر أحد أعضائه على الحياة بشكل طبيعي، إلا أن أي جهاز صناعي "تعويضي" لم ينجح في القيام بنفس الدور الذي يؤديه العضو الطبيعي الذي تم بتره، لذا كان تفكير العلماء في البحث عن وسيلة ما يتم من خلالها إعادة بناء الأعضاء المبتورة لتعود لحجمها الطبيعي، وكثفوا أبحاثهم ودراساتهم في محاولة للبحث عن حل، وبالفعل تمكنوا مؤخرا من الوصول لنتائج تشكل خطوات هامة على طريق تحقيق هذا الهدف. فريق من المعنيين بهذا الأمر توصلوا إلى أن إيقاف عمل الجين الذي يمنع جسم الإنسان من إعادة بناء الأعضاء المبتورة قد يؤدي إلى إعادة نمو الأعضاء المبتورة مجددا، فريق آخر اكتشف أن الخلايا الجذعية المستمدة من دماء الحبل السري يمكنها أن تنمو وتتطور لتكون أي نسيج، أو أي عضو من أعضاء الجسم، ابتداء من خلايا الدم الى خلايا المخ والنخاع الشوكي وعضلات القلب، لذلك رأوا أن تحفيز هذه الخلايا ثم حقنها في أي عضو من الجسم قد يجعلها تقوم بإحلال له في حالة مرضه، إلا أن نتائج عمل كلا الفريقين لم يتم حسمها بعد، وفي التقرير التالي سنعرض هذه المحاولات بشئ من التفصيل. p21: وقال العلماء أنهم إذا قاموا بإيقاف عمل p21 فان إعادة البناء في الجسم قد تستمر. وأشار الباحثون في معهد ويستار في فيلادلفيا بالولايات المتحدة إلى أنهم وجدوا أن الفئران الذين يفتقدون لجين p21 لديهم القدرة على تجديد الخلايا المتضررة أو المفقودة. بحسب صحيفة ديلي تيلغراف البريطانية وأوضحوا أن عدم وجود جين p21 في جسم الفئران جعل خلايا الفئران قادرة على تجديد الخلايا الجذعية الجينية، مما يعني أن هذه الخلايا قامت بعملية إعادة بناء بدلا من عملية اصلاح على حد تعبير العلماء. غبار الجنية: محاولات العلماء في هذا الشأن عديدة فمنذ فترة ليست ببعيدة قال أطباء أمريكيون :أنهم نجحوا في استخراج عقار جديد يتيح إعادة نمو الأصابع المبتورة، وأنه ثبت فعاليته في منح الفئران القدرة على الشفاء الذاتي. وهذا العقار يعمل على تحفيز الجسم على إعادة نمو الأعضاء المبتورة والأنسجة، حيث يقوم بخداع جسم المريض ليقوم بإعادة نمو الأجهزة المفقودة بنفسه، وهو مسحوق يطلق عليه البعض "غبار الجنية". وأوضح دايفيد بادياليك أحد العاملين على المشروع طريقة عمل العقار قائلا: " المسحوق يحتوي على نوع من أنواع الكولاجين الذي يشكل ما يشبه الهيكل الفارغ الذي تندفع الخلايا البشرية داخله. ويشكل مسحوق غبار الجنية منصة عمل مجهرية تجذب الخلايا الجذعية وتقنعها بأن تنمو في النسيج الذي كانت موجودة فيه. ويعتقد الباحثون أن "غبار الجنية" بإمكانه أن يعيد خلايا المنشأ، أو الخلايا الجذعية، للعمل على نمو أجزاء جديدة في الجسم. وقد تمت تجربة العقار في علاج بنان أصبع عامل بإحدى محلات بيع الألعاب يدعى لي سبيفاك بعد تعرضه إلى إصابه عمل أثناء تجربته لطائرة صغيرة وعاد البنان المبتور إلى حجمه السابق خلال ستة أسابيع بشكل طبيعي. ودفعت هذه النتائج إلى اتخاذ قرار بتجربة العقار في قاعدة فورت سام العسكرية الأمريكية، على الجنود الذين تعرضوا لبتر أصابعهم خلال القتال، وستكون هذه الاختبارات جزءا من دراسة أشمل تمولها الحكومة الأمريكية، لكشف أسرار قدرة بعض الحيوانات على إعادة ترميم أعضائها، وفقاً للأسوشيتد برس. الخلايا الجذعية: وعلى الجانب الآخر أكدت الدراسات والبحوث التي أجريت مؤخرا أن دم الحبل السري غني بالخلايا الجذعية، مثله مثل نخاع العظم والدم المحفز لإنتاج الخلايا الجذعية، وأن الخلايا الجذعية المتواجده به قادرة على التطور إلى الأنواع الثلاثة من خلايا الدم، خلايا الدم الحمراء، وخلايا الدم البيضاء، والصفائح، كما أنها تستطيع تكوين أنواع أخرى من خلايا الجسم، وهو ما أكد عليه العلماء، وجعل الدول تتسابق في انشاء بنوك دم الحبل السري. والخلايا الجذعية هى الخلايا الرئيسية بجسم الإنسان، والتي تتحول إلى خلايا تعتبر أساس جميع أنسجة الجسم وأعضائة وأنظمة المناعة فيه، وهى تتكاثر باستمرار لتشكل كرات الدم الحمراء التى تحمل الأكسجين لجميع خلايا الجسم، وكذلك كرات الدم البيضاءالتى تقاوم الأمراض، كما أنها عنصر أساسي فى تكوين الصفائح التى تساهم فى تخثر الدم فى حالة الإصابة، وبالتالي وقف النزيف. مصادر: وتوجد ثلاث مصادر للخلايا الجذعية: منها الخلايا الجذعية التي تؤخذ من الأجنة البشرية، أي من الجنين الذي يتراوح عمره ما بين 5 أيام إلى أسبوعين، والجنين في هذه المرحلة يكون غني جداً بالخلايا الجذعية التي تكون أي جزء من خلايا الإنسان، والخلايا الجذعية التي تؤخذ من البالغين، ومصدرها جسم الإنسان البالغ، وهي تؤخذ من النخاع العظمي ، والمصدر الثالث الخلايا الجذعية التي تؤخذ من الحبل السري. ومازالت بحوث الخلايا الجذعية الجنينية التي يتم الحصول عليها من أجنة بشرية، يقاس عمرها بالأيام- من خلال إهلاك القليل من الأجنة، بغرض العلاج الطبي أو خدمة الإنسان- تثيرعاصفة علمية ودينية وأخلاقية وإنسانية في العالم برمته، وهو ما جعل فقهاء الإسلام يتصدون لها ويحاولون وضعها في الإطار الشرعي. وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي الجوانب الفقهية والأخلاقية في موضوع بحوث الخلايا الجذعية في دورته التي عقدت بجدة مارس ،1990 وقرر أنه لا يجوز إجهاض الجنبن الآدمي لاستخدام خلاياه واستثمارها تجاريا، كأن تُباع لإجراء التجارب عليها، واستخدامها في زرع الأعضاء واستخراج بعض العقاقير منها ، وكذلك لا يجوز استنساخ الأجنة للحصول على الخلايا الجذعية الجينية. كما أقر المجمع الفقهي الإسلامي عدم إجازة التبرع بالنطف المذكرة أو المؤنثة سواء كانت حيوانات منوية أو بويضات، لإنتاج بويضات مخصبة تتحول بعد ذلك إلى جنين، بهدف الحصول على الخلايا الجذعية منه. وأجاز المجمع الفقهي استخدام الخلايا الجذعية الموجودة في الإنسان البالغ وأمكان تحويلها إلى خلايا لعلاج شخص مريض شريطة ألا يشكل هذا ضرراً عليه ، وكذلك أجاز المجمع الانتفاع بالخلايا الجذعية الجنينية المستمدة من الأجنة المجهضة لأسباب علاجية، أو الأجنة الساقطة والتي لم تنفخ فيها الروح بعد، سواء في زراعة الأعضاء أو الأبحاث والتجارب العلمية والمعملية، وفقاً للضوابط الشرعية التي تركز أساساً على ضرورة الموازنة الشرعية بين المفاسد والمصالح، كما أجاز المجمع نقل الخلايا الجذعية الجنينية ، والانتفاع بها لعلاج الأمراض المستعصية في المخ ونخاع العظام وخلايا الكبد وخلايا الكلى والأنسجة الأخرى في حال موت الجنين ، وفقاً للضوابط الشرعية المعتبرة في نقل الأعضاء والأنسجة من جثث الموتى، ورأى المجمع أنه ليس هناك ما يمنع شرعا من الحصول على الخلايا الجذعية من خلال الحبل السري أو المشيمة. دم الحبل السري: ودم الحبل السري هو الدم المتبقي في المشيمة وحبل السرة بعد الولادة، ويتم تجميعه مباشرة بعد فصل المولود عن المشيمة والحبل المتصل بسرته، ويتم الحصول عليه عند ولادة الجنين، حيث تخرج المشيمة من جسم الأم، ويتم التقاط دم الحبل السري بعد الولادة من خلال ربط الحبل السري من الجانبين ومن ثم قطعه، وفي معظم الحالات يقوم الطبيب بالتقاط دم الحبل السري قبل خروج المشيمة بإدخال إبرة موصولة بكيس خاص لجمع الدم داخل وريد الحبل السري ، ثم يتم اغلاق الكيس بإحكام، ووضع بطاقة تعريفية عليه. عملية الحصول على دم الحبل السري تستغرق من دقيقتين إلى أربع دقائق، ثم تجرى بعد ذلك الفحوصات اللازمة للتأكد من خلو دم الحبل السري من الفيروسات والاعتلالات الجينية، وبعد ذلك يحفظ الدم في ثلاجات في درجة حرارة خاصة تصل الى 196 درجة مئوية تحت الصفر، وفي النيتروجين السائل وذلك خلال 24 ساعة فقط من الحصول على هذا الدم، ويمكن حفظ هذا الدم لفترة 20 سنة حيث ثبتت قدرة هذه الخلايا على مقاومة التجميد لسنين طويلة. مزايا عديدة: ويتميز دم الحبل السرى بالعديد من المزايا اذا ما قورن بالخلايا الجذعية التى يتم زراعتها حتى الآن، والمستخرجة من النخاع أو من الدم المحيط به، فعملية إستخلاص الخلايا الجذعية من دم الحبل السرى سهله وخالية من المخاطر، ودم الحبل السري لا يحتوى على أورام و خال إلى حد كبير من الفيروسات، كما أن الجسم يتقبله فى عمليات الزرع بشكل أفضل من الخلايا الجذعية البالغة سواء أكان المتلقى من الأقارب أم من غير اقارب. استخدامات عديدة: والخلايا الجذعية المستمدة من دم الحبل السري بإمكانها مساعد الإنسان على إنتاج خلايا العظام والغضاريف، وخلايا الكبد، والخلايا التي تشكل بطانة الأوعية الدموية، ويمكن استخدام الخلايا الجذعية المستمدة من الحبل السري في علاج بعض الأمراض المستعصية، مثل سرطانات الدم، وبعض أمراض الدم والمناعة، وهو ما أشارت إليه الأبحاث الحديثة التي نشرت بالدوريات العلمية. وقال الدكتور فولو فجانج هولتسجريف رئيس قسم الأمراض النسائية في جامعة بازل السويسرية: أن الخلايا الجذعية المستمدة من الحبل السري قادرة أيضًا على إنتاج خلايا عضلات القلب، ويمكن أن تشكل بديلا ناجحًا في المستقبل؛ لعلميات زراعة القلب. ويعتقد العلماء بأن مستقبل العلاج سيكون معتمدا على نقل دم الحبل السري ، وسيوظف هذا التطور في تقوية جهاز المناعة لعلاج أمراض كالإيدز و السرطان، وأشاروا إلى أن هناك أبحاث جادة كثيرة ومحاولات مستمرة لاستخدام هذه الخلايا الجذعية المستمدة من دم الحبل السري في علاج شاف لكثير من الامراض المزمنة واسعة الانتشار، والتي ليس لها علاج نهائي حتى الآن، مثل الشلل الدماغي"اصابات المخ"، ومرض سكر الأطفال. وأرجع العلماء أهمية الخلايا الجذعية المستمدة من دم الحبل السري إلى اعتمادها على الخاصية الأساسية للخلايا الجذعية " خلايا المنشأ" وهذه الخلايا يمكن أن تنمو وتتطور لتكون أي نسيج، أو أي عضو من أعضاء الجسم، ابتداء من خلايا الدم الى خلايا المخ والنخاع الشوكي وعضلات القلب، أو أي نسيج آخر من الجسم دون حدود، لذلك فان تحفيز هذه الخلايا ثم حقنها في أي عضو من الجسم يمكن أن يجعلها تقوم بإحلال لهذا العضو في حالة مرضة، فمثلا عند حدوث تلف بخلايا المخ (شلل دماغي) لاتوجد طريقة لعلاج هذا التلف، ولكن هناك بشائر بأن استخدام الخلايا الجذعية من الحبل السري يمكن أن تعوض هذه الخلايا التالفة في المخ.
يذكر أن عام 1972 كان بداية اكتشاف العلماء لأهمية دم الحبل السري، ولكن في عام 1980 بدأ التفكير والمقارنة بين خلايا الحبل السري ونقي العظم المنقول، إلا أنه في عام 1989 اتضح أن دم الحبل السري يحتوي على نفس كمية الخلايا الجذعية الموجودة في نقي العظم، وتم زرع دم الحبل السري لأول مره في فرنسا عام 1988 بنجاح على طفل يعاني من فقر الدم الوراثي "فانكوني"، ومنذ ذلك الحين تمت معالجة أكثر من 6000 مريض . بنوك الحبل السري: أهمية اغتراس دم الحبل السري جعل العديد من المراكز والمستشفيات وبعض الجامعات يقومون بتأسيس بنوك لحفظ دم الحبل السري ، تمكن الأم الراغبة في منح دم الحبل السري الخاص بوليدها ليستعمل في علاجه شخصيا، أو أقاربه إذا أصيبوا بمرض مستعصي. ففي عام 1997 تأسست في ألمانيا أول شركة لحفظ ماء الحبل السري للجنين بموافقة والديه، بغية استخدامه لاحقا في علاجه شخصيا من الأمراض المستعصية، وتعتبر شركة (فيتا 34) الألمانية أول شركة من نوعها في أوروبا تعمل في مجال تحضير وتخزين وتوزيع دم الحبل السري، بالرغم من أن هناك عددا لا بأس به من الشركات الأميركية قد سبقتها في نفس المجال. فهناك 30 بنكا على مستوى العالم تجمع فيها خلايا الأصل، أما في الشرق الأوسط فيعتبر بنك "كرايو سيف أرابيا" أول بنك انشأ في دبي عام 2006.