السطح هو القاسم المشترك، وهو مكان يصلح للعديد من المهام، أكثرها أهمية " تشميس " المراتب والمخدات والألحفة، ونشر الملابس المغسولة على حبال تمتد بعرض السطح الواسع. لكل ساكن ركن لتربية "الحِوان" أي الدواجن، حيث تنصب " عشة " من الخشب الذي يتشكل على هيئة " سدايب" أي عُصي رفيعة طويلة، تسمح بمرور الهواء، ومن خلال بصة سريعة تستوعب ما يجري في تلك العشة. تربى ست البيت الدجاج، والبط، والأوز، وأحيانا تجرب تربية الأرانب لكن يعتقد الناس أنها " منظورة" أي محسودة. كل صباح يصعد واحد منا لجمع بيض الدجاج ونحن نعرف أن هناك بيضا من الصوت المميز " كاك.. كاك.. كاك ". أكثر أعداء الدجاج ضراوة " العرسة " التي تمطط جسدها وتنفلت من تحت عقب أي باب وتبادر بخنق مختلف الدواجن ثم تفر بجرمها. في نهاية السطح توجد " شخشيخة " أي " علية"، وهي تحمي السلم من المطر وربما لها مهام أخرى، وهذه الشخشيخة توضع عليها أقفاص البلح المفصص حتى ينشف وتغطى بملاءات رقيقة منعا لسقوط الندى. في جوانب الشخشيخة كان يتراكم المطر فتنبت بعض النباتات الخضراء، قصيرة العمر، وأحيانا تعطي زهورا جميلة بتلاتها صفراء. أما البلح حين ينشف فيفرم ويتحول إلى " عجوة" ويقلى بالسمن البلدي ويؤكل بالعيش. قبل انتشار النوادي كانت السطوح هي الأمكنة المعتادة لإقامة احتفالات الخطوبة، والزفاف، وغيرها، فهي صالحة لاستيعاب الضيوف وإن ضاقت بهم المساحة فللنساء الأولوية، والرجال يمكنهم الجلوس أمام البيت، حيث تجلب الكراسي من محال الفراشة. للسطح فضل آخر يتمثل في الصعود ليلة القدر حيث تكشف الأم رأسها وتدعو بالخير لأطفالها وأقاربها وجميع من تعرفه ومن لا تعرفه. الدعاء بالستر في الدنيا والآخرة هو الأهم، وتقبيل اليد ظهرا لبطن. تنجيد العروس يكون عادة في السطح والمنجد يأتي بقطعة قماش مناسبة يرفعها هو وصبيانه بفروع جريد، ويثبتونها بقوالب طوب. تبدأ نوبة العمل من السادسة صباحا وتنتهي عند العصر أو بعد ذلك بقليل. للسطوح وظيفة أخرى، فلما كانت البيوت متجاورة فمن السهل تسلق الأطفال السور المشترك، والذهاب لشقة معينة، ودق الباب وطلب شيء عاجل مثل" الحقنة الشرجية " أو " السلفا " أو " شوية ملح " أو" ليمونتين عقبال لما نشتري". وهي خدمة متبادلة فمن المنطقي أن من تستلف منه شيء اليوم سيحتاجك غدا، هذه هي القاعدة العامة التي قد تصل لسلف " كوباية زيت" أو " 3 حبات بصل " أو " فصين ثوم "، وأحيانا ترفض ست البيت التي أقرضت جارتها رد السلفة، وهو ما يقابل بالرفض وإلا دخل المسألة " بند الشحاذة". للسطح سور، في الغالب مرتفع، وفي حالة إنشائه قصيرا قد تحدث مشاكل منها سقوط طفل، وهو يطير طيارته الورقية. مهمة إضافية أسندت للسطح هي تركيب هوائيات الراديو، فلما دخلت خدمة التليفزيون تشابكت الهوائيات، وصار المنظر أقرب لغابة من الأعمدة الحديدية المرتفعة، والمرشوقة في جوانب السطح.كان هذا قبل معرفة اطباق الأقمار الصناعية. للسطح علو وسمو، ففيه يتقابل العشاق بالنظرة فقط، التي تنتهي غالبا بالخطوبة، ولا ينسى أحد نوبات نشر الغسيل ولمه فهي مساحة للحركة والتأمل والشرود. بعض السطوح المقابلة كان يقام فيها " داير حمام " وهو على شكل برج خشبي مرتفع قليلا عن السطح، له سلم، يبدأ صاحب " الغية " في إطلاق سرب حمائمه من فترة العصر وحتى قبيل لحظات من هبوط الليل، أحيانا تضل حمامة داير آخر طريقها وتأتي مع سرب مختلف، وهنا تدب المشاجرات في حالة ما إذا رفض طرف إرجاع الحمامة الضالة. مشكلة تواجه سكان الطابق العلوي وتتمثل في تسرب قطرات الماء في فصل الشتاء لا سيما مع زخات المطر الغزير، فيتم عمل " خوضة " بالأسمنت، وهي تصمد للشتاء المقبل. في السطح تحل مشكلة الحر ليلا، ببسط الحصير وفوق الشلت، حيث الجلسات التي قد تستمر حتى الفجر أو بدأ سقوط الندى.