شهد تاريخ الإسلام أئمة ومفكرين عظماء مجددين، فالإسلام الحق يقر “,”التجديد“,” باعتباره الضامن لحفظ نقاء العقيدة وتعاليمها؛ بكشف جوهرها، ونفي البدع والخرافات والتأويلات “,”المنحرفة“,”، والتي وصلت إلى حد الاتهام ب“,”الكفر“,”! أجيال من جماعات الإسلام السياسي اعتبرت –واعتمدت- أنه “,”لا تعايش بين مجتمعين وعقيدتين“,”، وليس هناك إلا “,”الإسلام أو الجاهلية“,”.. و“,”حاكمية البشر تعترض الطريق إلى حاكمية الله“,”.. والمسلمون عندهم “,”ارتدوا عن الإسلام؛ لأنهم ينطقون الشهادة ولا يعرفون معناها ولا يعملون بمضمونها، ومهما صلوا وصاموا وحجوا وزعموا أنهم مسلمون، فلن يغير ذلك -من كفرهم– شيئًا“,”!! وعندما نقلب في أوراق الذاكرة، نجد أن دعاة التكفير من تلاميذ “,”سيد قطب“,” وقع خلافهم مع تلاميذ “,”حسن البنا“,” داخل المعتقلات في حقبة الستينيات من القرن الماضي، والخلاف بين الفريقين كان يبدأ بفكرة “,”التكفير“,” وينتهي بأساليب العنف والإرهاب؛ لدحر “,”الكفر“,”!.. وأقر الشيخ “,”عمر التلمساني“,” أن “,”فكرة التكفير رسخت في ذهن بعض الشباب، وآمنوا بها في اقتناع غريب، وأن هذه الفكرة اتسع نطاقها داخل معتقل مزرعة طرة حتى بلغت المستشار الهضيبي (المرشد)، الذي كان معتقلاً أيضًا، فكان يستدعيهم ويناقشهم، دون جدوى.. فالحق أن تكفير المسلم ليس بالأمر الهين في العقيدة الإسلامية مهما بلغ المسلم في انحرافه“,”.. ولم يلتفتوا إلى ما كتبه الشيخ حسن البنا : “,”لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض، إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلومًا من الدين أو كذب صريح القرآن“,”، وأكد البنا أنهم لا يكفرون المجتمع بسبب ابتعاد نظمه الحياتية في كثير من جوانبها عن شريعة الإسلام، بل يرونه “,”ناقص الإسلام“,”، ولا يمكن “,”أن يَدين المجتمع بالارتداد إلى الجاهلية أو الكفر بعد الإيمان“,”.. وتحولت أفكار سيد قطب إلى “,”متفجرات“,”، وتناثرت شظايا “,”التكفير“,”.. وامتدت في الزمان، وبلغت ضراوتها أيامنا هذه؛ عندما يطل “,”دعاة التكفير“,” من شاشات الفضائيات –شيوخ آخر زمن– فلم يكفهم افتعال معارك وهمية فيها الكثير من التجاوزات والبذاءات، كانتقاد الفنانات بشكل فج، بل تمادوا واعتبروا أن الاحتفال بمولد النبي “,”كفر“,”، وأن “,”شراء حلوى المولد كفر“,”.. هكذا!.. ( فتوى قناة الحافظ).. التكفير طال كل شيء، وأصبحت الحياة حرامًا في حرام وكفرًا في كفر، من وجهة نظرهم، والعياذ بالله.. لقد عرفت مصر عددًا كبيرًا من الأعياد والاحتفالات التي ارتبطت بعقائد المصريين ودياناتهم، فلكل من المسلمين والأقباط واليهود أعيادهم ومواسمهم التي اتخذت الاحتفالات بها “,”خصوصية مصرية“,”، ارتبطت بعادات وتقاليد وموروث شعبي يضرب بجذوره في أعماق تاريخنا.. فاقد الشيء لا يعطيه.. فالنفوس الزكية يفوح منها طيب الكلام، وترتقي بذاتها وبعقول الناس، وكان على دعاة “,”التكفير“,” هؤلاء الاهتمام بقضايا الوطن، وأن يقدموا بطاقة تعريف بأصول الحكم في الإسلام وما يفرضه على الحاكم والمحكومين من حقوق وواجبات، وإرساء قيم الحق والعدل والكرامة، وكيفية استعادة مصر لدورها في قيادة تضامن عربي يقوم على أسس ثقافية واقتصادية وبحد أدنى من التنسيق السياسي، أو مناقشة تردي أحوال البلاد والعباد في زمن “,”حكم الإخوان“,”!.. أشك أن عقولهم ترتقي إلى مثل هذه الأفكار، فقد عششت وأفرخت فيها «فتاوى التكفير».. حتى طالت “,”شراء حلوى المولد“,”.. والعياذ بالله!!