رحلة نضال خاضها الفنان الذي رحل عن عالمنا، اليوم الأربعاء، رسام الكاريكاتير أحمد طوغان الذي وافته المنية بالمستشفى العسكري، عن عمر يناهز ال88 عاما بعد صراع مع المرض، لتسكن بذلك الريشة التي دأبت على خوض المعارك، بعد نضال عبر رسومات نالت من الوضع الاجتماعي والسياسي، وعاشت في وجدان كل مصري. ولد الراحل أحمد طوغان عام 1926 بمحافظة المنيا، حيث شغل منصب مستشار فني لدار التحرير للطبع والنشر، وحصل على جائزة وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة على ومصطفى أمين وعن حقوق الإنسان من الأممالمتحدة، ووسام النيل، منذ عدة أشهر، وهي أهم جائزة بالمجلس الأعلى للثقافة. تعلم طوغان الرسم في مدرسة الأقباط الابتدائية في ديروط، وأشاد به المعلم وبشره بأنه سيكون له طريق في الحياة، حيث أثري الحركة التشكيلية والصحافة المصرية بأعمال توازي عمالقة الكاريكاتير أمثال رخا جاهين وزهدي. أحب طوغان الرسم في سن مبكرة حتى جاءت الحرب العالمية الثانية، وشعر بأهمية رسم الكاريكاتير كفن مقاومة؛ لأن رسامي الكاريكاتير الإنجليز كانوا يبذلون مجهودًا كبيرًا في محاولة رفع الروح المعنوية للجنود بعد اكتساح الألمان لأوروبا كلها، وكانت إنجلترا تحارب وحدها - تقريبًا - فلجأ تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت إلى رسامي الكاريكاتير كسلاح في المعركة ليقوموا بنشر رسوماتهم في كل مكان. وعندما شاهد طوغان ملصقات في الشوارع عليها رسوم كاريكاتورية تقول: إن هزيمة الألمان محققة، شعر بأهمية الرسم. بدأ طوغان مشواره مع رسم الكاريكاتير في الصحافة في مجلة "الساعة 12" في العام 1947، وكان صديقه الكاتب الساخر محمود السعدني يشاهد رسوماته على الحيطان وكان معجبا جدًا بالرسم، وكان الفنان عبدالمنعم رخا يحثه على الرسم ويبشره بأنه سيكون فنانا عظيما. عمل طوغان في "روزاليوسف" أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وكانت الروح الأسرية ممتازة حيث يعتبر طوغان السيدة فاطمة اليوسف مثل أمه، وكان يوجد في هذا الوقت عدد كبير من الكتاب والرسامين الكبار. وبدأت علاقته بالسادات من خلال الصحافة، حيث عمل عن طريقه بجريدة الجمهورية، حيث كان يسهر معه قبل الثورة في الجيزة في قهوة محمد عبدالله، التي جلس عليها للمرة الأولى عندما كان يتأمل إحدى الرسومات على الحيطان، فوجد شخصًا جالسًا على المقهى يقول له: تحب تشرب معايا شاي؟ وسأله: إيه اللي عجبك في الرسم ده؟ فقال له: التعبير. فسأله: إنت بترسم؟ وتعرف عليه، فإذا به الكاتب الساخر الكبير زكريا الحجاوي. وبمجرد أن تركه الحجاوي ذهب إلى السعدني، وقال له: واد يا سعدني أنا لقيت كنز، وحكي له قصة مقابلته، وذهبا معًا للجلوس على قهوة محمدعبدالله، وكان الرئيس السادات في هذا الوقت، قبل ثورة يوليو 1952، صديقًا للحجاوي، وكان في السجن، وبعد أن خرج من السجن جاء إلينا على القهوة ومن يومها وجده أنه شخصية جديرة بالاحترام، فكان مثقفًا وقارئًا رائعًا للشعر، وأنا كنت أحب الشعر جدًّا، واقتربت منه إلى أن اختفي السادات، وفوجئنا - فيما بعد- أنه عضو في مجلس الثورة، وظلت العلاقة بيننا ممتدة حتى توفي. بعد قيام الثورة عندما أرادوا جريدة تعبر عن الثورة ذهب للعمل في الجمهورية، وفي أول اجتماع كان الرئيس السادات باعتباره كان يعمل في دار الهلال 8 سنوات ومحمود السعدني ووسيم خالد وغيرنا وعدد كبير من الضباط كانوا يريدون العمل في القسم الرياضي ثم جاء بعد ذلك فتحي غانم ويوسف إدريس الذي كان منذ كنا نجلس على قهوة محمدعبدالله، والغريب قابلت صلاح جاهين بالصدفة على هذا المقهي ووجدته شخصية متميزة، فأخذته وعرفه على الحجاوي. وأول كتاب لطوغان كان عن تجربته في الجزائر "أيام المجد في وهران"، قام فيها بشرح القضية الجزائرية وعاش مع المقاتلين ووضع وثائق مهمة في الكتاب منها خطاب بيد عسكري فرنسي يكتب فيه: إننا ظالمون ونرتكب جرائم ضد شعب يناضل من أجل حريته"، ووثيقة أخرى تقول، "إنهم كانوا يتاجرون في الفتيات بعد أن يذبحوا رجالهم"، علاوة على صور فوتوغرافية للطائرات التي شاركت في العدوان على الجزائر سواء كانت فرنسية أو أمريكية أو ألمانية.