بُهت الكثيرون عندما جاءت تصريحات قيادات جماعة الإخوان المسلمين، مهادنة لمن كانوا دائمي الترديد بأنه عدوهم الأول، واندهشوا عندما كشف النقاب عن بعض الرسائل الطائرة من الرئيس الإخواني محمد مرسي، إلي “,”إسرائيل“,”، واكتشف البعض فجأة أن جماعة الإخوان ليست معادية للصهيونية، كما كانوا يدعون، بل إن أفعالهم قد تكون خادمًا للمشروع الصهيوني ذاته. اسمحوا لي فلا عجب ينتابني فيما أثار دهشتكم، ليس من منطلقات المواءمة السياسية كما يحلو للبعض تبرير الأفعال الإخوانية، وليس اعتناقا لمذهب ال“,”برجماتية“,” الذي قد يحول المواقف بشكل جذري، بل من منطلق التوافق التام بين تلك الممارسات التي تقوم بها جماعة الإخوان ومبادئهم الفكرية، التي تعد العمود الفقري لتنظيمهم العقائدي. نعم، ولا تجعلوا كلماتي تثير فيكم الدهشة بأكثر مما أثارها الإخوان ذاتهم، فقط دعونا نبحر سويًا في أفكار تلك الجماعة المراوغة، والتي استطاعت أن تبطن ما بداخلها، وتظهر ما هو مخالف له، ولنتجرد للحظات من دفاعنا أو هجومنا علي تلك الجماعة، حتي نتبين الحق من الباطل. إن جماعة الإخوان المسلمين، تنظيم عقائدي، يسعي إلي تحقيق غايات محددة، ممتلكًا مجموعة من الأهداف الإستراتيجية، والمبادئ التي لا يحيد عنها، باختصار إنها جماعة تمتلك نظرية مكتملة الأركان، ولا تمارس العمل السياسي، من منطلق اللحظة الآنية، إنها جماعة لديها مشروعها الخاص، وتسعي لتطبيقه علي أرض الواقع. إنها جماعة لها تعريفها في مفهوم “,”الأمة الوطنية“,”، تراه هي صحيحًا، ونراه نحن خاطئًا، وهو “,”أن الأمة الوطنية هي جماعة بشرية تتبع دينًا بعينه“,”، وطبقًا لتعريفها هذا فهي تري بأن أتباع الدين الإسلامي في العالم أجمع “,”أمة وطنية“,”، ويترتب علي تعريفها، الحق لتلك “,”الأمة الوطنية“,” في إقامة دولتها علي أرضها الخاصة، وفي هذا تسعي لبناء ما تطلق عليه “,”دولة الخلافة الإسلامية“,”. وفي هذا الإطار الفكري، لا تعترف الجماعة إلا بحدود ما تصله أقدامها وتنجح في السيطرة عليه من الأرض، ويتساوي لديها في الوطن المسلم المصري، والمسلم الأمريكي، والمسلم الصيني، ويصير أتباع الديانات الأخرى في وطننا ضيوفًا بمنظورها الفكري. ومن هذا المنطلق تحديدًا يأتي التوافق بين “,”جماعة الإخوان المسلمين“,”، و“,”الحركة الصهيونية العالمية“,”، حيث إن تعريف “,”الأمة الوطنية“,” لديهما واحد، فهو التعريف الذي دعا يهود العالم إلي التجمع في فلسطين، واحتلالها. إنها القاعدة الفكرية الواحدة، تجمع بين الاثنين، وتكفي كثيرًا لتلاقيهم في أوقات كثيرة، فكل منهما يعترف منهجيًا، لو بشكل غير معلن، ب“,”الأمة الوطنية“,” المزعومة للآخر، وما يترتب عليه من إقامة دولتها. بطبيعة الحال قد تنشأ خلافات وأزمات قد تصل إلي درجة الحروب بين الدول، واحتلال بعضها البعض، ولكن مهما عظمت تلك الخلافات لن تصل أبدًا إلي درجة عدم الاعتراف. وقد يكون لأي دولة في العالم حلمها الإمبريالي في فرض السيطرة، واحتلال غيرها من الدول، وفرض سطوتها عليها، وضمها إلي إمبراطوريتها العظمي، ولكنها تعلم في ذات الوقت أن هذا الحلم لا يباح به، وإنما تمارس في العلن ما يخفيه عن الأعين. وقد تختلف “,”الجماعة“,” مع “,”بنو صهيون“,”، علي الحدود، أو في تحالفات دولية، ولكن يكفي انطلاقهم الفكري الواحد، ليجمع بينهما علي طول الطريق. نعم هذا هو توافق في الإطار النظري الفكري لكل من جماعة الإخوان المسلمين، والحركة الصهيونية العالمية، ونجده نفس الإطار الذي حرك به البابا “,”اوربان الثاني“,”، بابا الفاتيكان الأسبق، الحروب الصليبية، تحت دعوي الدولة الصليبية الكبري، صحيح قد يعلم قيادات تلك الجماعات المرتدية رداء الدين، خطأ ذلك الإطار، وصحيح قد يكون لهم أهداف أخري مثل تحقيق مكاسب شخصية، إلا إنه يظل في نهاية المطاف الإطار العام الذي يؤكدون بأنفسهم، انتماءهم له. ومع هذه الخطوط الفكرية العريضة، لا نجد دهشة وتعجب أيضا، حين نعلم أن الشبهات تحوم حول طبيعة نشأة جماعة الإخوان المسلمين ذاتها، وأن عددا من قياداتها ومؤسسيها كانوا من المنتمين للمحافل الماسونية، التي خرجت منها، في وقت أسبق “,”الحركة الصهيونية العالمية“,”. وتشير أصابع الماسونية إلي المفكر الإخواني، صاحب المرجعية الأولي في تكفير المجتمع بالعصر الحديث “,”سيد قطب“,”، حيث انضم قطب إلي جماعة الإخوان بعد سنوات قليلة من انضمامه لمحفل ماسوني، وانتقلت كتاباته من مقدمات مجلة “,”المحفل الماسوني“,”، ومقولته “,”إننى ماسونى حتى النخاع“,”، إلي كتابه “,”معالم في الطريق“,”، ومقولته “,”إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية“,”. حتي تلك الفصائل الإخوانية، التي كان يري البعض فيها خلافًا مع الأصل والمركز، لما تمتلكه يداها من سلاح يوجه إلي العدو المحتل، ك“,”حركة المقاومة الإسلامية – حماس“,”، أسست في العام الذي انطلقت فيه الانتفاضة الفلسطينية الأولي 1987، بمباركة من سلطات الاحتلال الصهيوني، لضرب “,”منظمة التحرير الفلسطينية“,”، والطرح العروبي السائد لدي فصائل المقاومة، كما سبق لنفس سلطات الاحتلال، أن توافق لأحمد ياسين، مؤسس حماس، بإنشاء لجنة ذات طبيعة دينية. وبعيدًا عن الحصار المفروض علي قطاع غزة، فإن أرصدة قيادات حماس، أصيبت بالتخمة، وأمتلأت سجونها بشباب وقيادات الفصائل المسلحة، من “,”الجهاد“,” و“,”الجبهة الشعبية“,” و“,”فتح“,”، ونري لقاءات قيادات حماس مع قيادات الاحتلال، تلتقطها الكاميرات في الخفاء. وإذا صعدنا إلي الشمال قليلاً، لنري الوضع في سوريا، سنجد أن جماعة الإخوان المسلمين تشكل الركيزة الأساسية في صفوف “,”الجيش الحر“,”، وهو الجيش الذي يتباهي أعضاؤه بعلاقاتهم مع إسرائيل، ونجد حفلاً يقام في “,”تل أبيب“,” داعمًا لما يسمونها بالثورة السورية، ونري جماعة إسرائيلية تسمي نفسها ب“,”اللجنة التنسيقية للثورة السورية بإسرائيل“,”، ونسمع ونشاهد تصريحات قيادات ال“,”شين بيت“,”، جهاز الأمن الداخلي ب“,”إسرائيل“,”، وهي تؤكد الدعم الكامل للجيش الحر. ودعونا من كل هذا الحديث، ونذهب سريعًا إلي دولة وصل فيها الإخوان إلي كرسي الحكم، إنها “,”تركيا“,”، ويجب أولاً ألا يخدعنا “,”الشو الإعلامي“,”، الذي لعبته القيادة التركية، لتظهر في شكل حامي الإسلام، ومحارب الصهيونية، سنجد إنها لم تقطع علاقاتها مع “,”إسرائيل“,”، بل علي النقيض، نجد فيما بينهم مناورات عسكرية مشتركة. هذه هي “,”جماعة الإخوان المسلمين“,”، هذا هو إطارها الفكري، وتلك هي سياساتها، قبل أن تصل إلي سدة الحكم، وبعد أن تمكنت من السلطة، لا نراها مخالفة للصهيونية، كي تعادي “,”إسرائيل“,”، بل نراها في اشتياق إلي عناق مشترك. فلا تندهشوا ولا تتعجبوا.....