تحل الذكرى 84 لليوم الوطني للمملكة العربية السعودية غدا الثلاثاء، الموافق 28 ذو القعدة - 1435 ه 23 سبتمبر 2014 حيث تحتفي المملكة قيادة وشعبا فيه بذكرى إعلان الملك عبدالعزيز رحمه الله توحيد البلاد وإطلاق اسم المملكة العربية السعودية عليها في التاسع عشر من شهر جمادى الأولى من سنة 1351ه بعد جهاد استمر اثنين وثلاثين عاما أرسى خلالها قواعد هذا البنيان على هدى كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - سائرًا في ذلك على نهج أسلافه من آل سعود لتنشأ في ذلك اليوم دولة فتية تزهو بتطبيق شرع الإسلام وتصدح بتعاليمه السمحة وقيمه الإنسانية في كل أصقاع الدنيا ناشرة السلام والخير والدعوة المباركة باحثة عن العلم والتطور سائرة بخطى حثيثة نحو غد أفضل لشعبها وللأمة الإسلامية والعالم أجمع. ويستعيد أبناء المملكة ذكرى توحيد البلاد، وهم يعيشون واقعا جديدًا، خطط له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، واقعًا حافلًا بالمشاريع الإصلاحية، بدءًا بالتركيز على إصلاح التعليم والقضاء، مرورًا بالإصلاح الاقتصادي، وصولًا إلى بناء مجتمع متماسك، عماده الوحدة الوطنية. ملحمة جهادية وبالعودة إلى التاريخ، فقد ارتسمت على أرض المملكة مسيرة توحيد في ملحمة جهادية تمكن فيها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - من جمع قلوب أبناء وطنه وعقولهم على هدف واعد نبيل، قادهم في سباق مع الزمان والمكان في سعي لعمارة الأرض بتوفيق الله وما حباه الله من حكمة إلى إرساء قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ على هدى من كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم فتحقق للملك عبد العزيز هدفه فنشر العدل والأمن بتيسير الله وفضله واستمر في العمل من أجل ذلك سنين عمره. وحدة أصيلة ويتذكر اليوم أبناء المملكة هذه الذكرى المشرقة باعتزاز وتقدير للملك عبد العزيز طيب الله ثراه في شكر للنعمة والدعاء لمن عمل على تحققها في هذه البلاد مترامية الأطراف ولمواطنيها فكان الخير الكثير بوحدة أصيلة حققت الأمن والأمان بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل جهاده وعمله الدؤوب. ومثلما يستلهم السعوديون من ذكرى التوحيد همة وعزيمة لمواصلة العمل والعطاء لرقي وطننا وشعبنا وأمتنا. يقف الباحثون والمؤرخون وقفة تأمل وإعجاب في تاريخ هذا الكيان الشامخ البناء، وكيف تخطى العوائق والصعاب وتغلب على كل التحديات بفضل من الله وتوفيقه أولا ثم بالإيمان القوى والوعي التام بوحدة الهدف وصدق التوجه في ظل تحكيم شرع الله والعدل في إنفاذ أحكامه لتشمل كل مناحي الحياة. وكانت الدولة السعودية الأولى 1157ه قامت بمناصرة الإمام محمد بن سعود لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الهادفة إلى العودة إلى الإسلام الصحيح وتصحيح المعتقدات مما شابها من الشبهات والجهل ولذلك قام بجهود كبيرة في مؤازرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وتطلعاته إلى مجتمع تتمثل في جميع شئون حياته سمات المجتمع المسلم الصحيحة. وتعاهد الإمام والشيخ في ذلك العام على التعاون للعودة بالمجتمع في جزيرة العرب إلى عقيدة الإسلام كما كانت عليه في صدر الإسلام ووفقا لما جاء به رسول الأمة محمد عليه الصلاة والسلام وسارا على هذا السبيل لتحقيق هذا الهدف الكبير. بعد ذلك تتابع جهاد آل سعود منطلقين من ذات المنطلق فلم تنطفئ جذوة الإيمان في قلوب الفئة المؤمنة بانتهاء حكم الدولة السعودية الأولى بعد زهاء ستة وأربعين عاما بسبب التدخل الأجنبي، وفى العام 1240ه قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام المؤسس الثاني تركى بن عبدالله بن محمد بن سعود رحمه الله الذي واصل ومن بعده أبناؤه نهج أسلافهم نحو ثمانية وستين عاما حتى انتهى حكم الدولة السعودية الثانية عام 1308ه نتيجة عوامل داخلية. عهد جديد وبزغ فجر اليوم الخامس من شهر شوال من العام 1319ه إيذانا بعهد جديد حيث استعاد الموحد الباني الملك عبدالعزيز رحمه الله مدينة الرياض ملك آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام فوضع طيب الله ثراه أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وواصل الملك الموحد عبدالعزيز جهاده لإعلاء كلمة الله ونشر عقيدة التوحيد الصافية والعودة بالأمة في هذه البلاد المباركة إلى دين الله عودة نصوحا على نهج قويم يحوطه الحزم وقوة الإرادة. ولم يفت في عضد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين قلة العدد والعدة وانطلق من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاده حتى جمع الله به الصفوف وأرسى دعائم الحق والعدل والأمن والأمان. توحدت القلوب على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فتوحدت أرجاء البلاد وأينعت تلك الجهود أمنا وأمانا واستقرارا وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة. وتفيأ المواطن الأمن والأمان وكذا الحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام وأصبحت السبل إلى الحرمين الشريفين آمنة ميسرة وهي الغاية التي كانت هاجس الملك عبدالعزيز الذي لايفارقه بغية خدمة دين الله وخدمة المسلمين كل. ومثلما أرسى طيب الله ثراه دعائم الحكم داخل بلاده على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فقد اعتمد النهج نفسه في علاقات المملكة وسياساتها الخارجية. تضامن إسلامي وانطلاقا من هذا النهج وهذا التوجه الإسلامي القويم دعا رحمه الله إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم إسهامًا متميزًا في تأسيس جامعة الدول العربية واشترك في الأممالمتحدة عضوا مؤسسا كما سجل له التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث العالمية والقضايا الإقليمية والدولية. وتجسد القضية الفلسطينية أنموذجا بارزا يؤكد دعم واهتمام الملك عبدالعزيز بقضايا أمته وحقوقها فكان رحمه الله عميق الصلة بهذه القضية راسخ التوجه تجاهها متميزا في ذلك بحكم موقعه ومواقفه الأصيلة والثابتة بين الزعماء العرب. وسخر الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه للقضية الفلسطينية دبلوماسيته المعهودة ودافع عن القضية في اتصالاته المستمرة مع زعماء العالم ونهج استراتيجية واضحة في التعامل مع القضية لإعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين. ملامح التقدم ورحل الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد أن أرسى منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه المستمدين من شرع الله المطهر من كتاب الله وسنة رسوله. وكان الملك سعود رحمه الله أول السائرين على ذلك المنهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة. وجاء من بعده رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل رحمه الله فتتابعت المنجزات الخيرة وتوالت العطاءات وبدأت المملكة في عهده تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية. وتدفقت ينابيع الخير عطاء وافرًا بتسلم الملك خالد رحمه الله الأمانة فتواصل البناء والنماء خدمة للوطن والمواطن بخاصة والإسلام والمسلمين بعامة واتصلت خطط التنمية ببعضها لتحقق المزيد من الرخاء والاستقرار.. البناء الكبير وازداد البناء الكبير عزا ورفعة وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز بعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله ملكًا على البلاد. وتميزت الإنجازات في عهده رحمه الله بالشمولية والتكامل لتشكل عملية تنمية شاملة في بناء وطن وقيادة حكيمة فذة لأمة جسدت ما اتصف به الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله من صفات عديدة من أبرزها تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله وتفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني أجمع في كل شأن وفي كل بقعة داخل الوطن وخارجه إضافة إلى حرصه الدائم على سن الأنظمة وبناء دولة المؤسسات والمعلوماتية في شتى المجالات مع توسع في التطبيقات قابلته أوامر ملكية سامية تتضمن حلولا تنموية فعالة لمواجهة هذا التوسع. ولم تقف معطيات الملك فهد رحمه الله عند ما تم تحقيقه من منجزات شاملة فقد واصل الليل بالنهار عملا دؤوبا يتلمس من خلاله كل ما يوفر المزيد من الخير والازدهار لهذا البلد وأبنائه فأصبحت ينابيع الخير في ازدياد يوما بعد يوم وتوالت العطاءات والمنجزات الخيرة لهذه البلاد الكريمة. وقد ترك نبأ وفاته رحمه الله يوم الإثنين 26 جمادى الآخرة 1426ه الموافق 1 أغسطس 2005م أثرا وحزنا عميقين في نفوس أبناء المملكة والأمتين العربية والإسلامية بخاصة والعالم بعامة لفقد قائد فذ نذر نفسه لخدمة دينه وأمته منذ اضطلاعه بمسئولياته وعمل بإخلاص وتفان من أجل قضايا الأمة والعالم أجمع. البيعة وفي يوم الإثنين 26 /6 /1426ه الموافق 1 أغسطس 2005م بايعت الأسرة المالكة الكريمة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ملكا على البلاد وفق المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم وبعد إتمام البيعة أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية اختيار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وليا للعهد حسب المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم. كما بايع على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكى الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام المواطنون يتقدمهم أصحاب السمو الملكي الأمراء ومفتي عام المملكة ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس الشورى والعلماء والمشايخ والوزراء وكبار قادة وضباط القوات المسلحة والأمن العام. إرادة الله وقد وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله في 28 جمادى الآخرة 1426ه، الموافق 3 أغسطس 2005م كلمة للمواطنين والمواطنات قال فيها.. اقتضت إرادة الله عز وجل أن يختار إلى جواره أخي العزيز وصديق عمري خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته بعد حياة حافلة بالأعمال التي قضاها في طاعة الله عز وجل وفي خدمة وطنه وفي الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية. في هذه الساعة الحزينة نبتهل إلى الله عز وجل أن يجزي الراحل الكبير خير الجزاء عما قدمه لدينه ثم لوطنه وأمته وأن يجعل كل ذلك في موازينه وأن يمن علينا وعلى العرب والمسلمين بالصبر والأجر. ومضى حفظه الله قائلا إنني إذ أتولى المسئولية بعد الراحل العزيز وأشعر أن الحمل ثقيل وأن الأمانة عظيمة استمد العون من الله عز وجل وأسال الله سبحانه أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سنه مؤسس المملكة العربية السعودية العظيم جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه واتبعه من بعده أبناؤه الكرام رحمهم الله وأعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستورا والإسلام منهجا وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كل بلا تفرقة ثم أتوجه إليكم طالبا منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وأن لا تبخلوا على بالنصح والدعاء. كما أعرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله في الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء يوم الإثنين الثالث من شهر رجب لعام 1426ه بقصر اليمامة في مدينة الرياض عن ألمه والشعب السعودي وأمة الإسلام لوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الذي اختاره الله لينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء وتوجه إلى الله عز وجل أن يتغمد الراحل الكبير بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جناته. وقال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لقد فقدنا والعالم بأسره قائدا فذا وزعيما نذر حياته لتحقيق الازدهار الشامل لبلاده والرخاء الدائم لشعبه وإحقاق الحق ونصرة وإعانة المظلوم والإسهام الفاعل الشجاع في توطيد السلام والأمن والاستقرار في أنحاء العالم. نهج متواصل وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن المملكة العربية السعودية لن تحيد بعون الله عن السير على النهج الذي سنه جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه وسار عليه من بعده أبناؤه الملوك البررة رحمهم الله متمسكة بشرع الله الحنيف والسنة النبوية المطهرة مدركة مسئولياتها الجسام بوصفها مهبط الوحي ومنطلق الرسالة ومهد العروبة وأحد أبرز الدول المؤثرة على مختلف الصعد. وشدد الملك على أن توجهات وسياسات المملكة على الساحات العربية والإسلامية والدولية نهج متواصل مستمر. وأضاف نحن عازمون على مواصلة العمل الجاد الدؤوب من أجل خدمة الإسلام وتحقيق كل الخير لشعبنا النبيل ودعم القضايا العربية والإسلامية وترسيخ الأمن والسلم الدوليين والنمو الاقتصادي العالمي.