الضحكة الكبرى في البداية هي ما نشر على لسان المتحدث باسم وزارة الكهرباء من أن هناك ثلاثمائة برج كهربائي من أبراج الضغط العالي تم نسفها عن طريق الإخوان أو الإرهاب. الضحكة لأن ذلك يحتاج إلى طائرة نفاثة تلقي بقنابلها فثلاثمائة برج تمتد على الأقل ثلاثين كيلو مترا، فضلا على أنه لو حدث ذلك لأظلمت مصر كلها شهورا، ولو كانت هذه الأبراج متفرقة على أنحاء البلاد لتحقق الظلام أكثر، كيف جاءته الجرأة أن يقول ذلك؟ لا أعرف. بعد ذلك ما أعلنه وزير الكهرباء أنه بعد أربع سنوات ستنتهي المشكلة تماما، ثم تصل الضحكة إلى منتهاها حين يلتقي بهم رئيس الجمهورية ويطلب تحسين الأمر بقوة بعد ثلاثة أيام ويتم التحسين وتنسى الحديث عن الأبراج وعن الأربع سنوات وتسأل نفسك كيف لهؤلاء أن يقولوا أي كلام حتي يتدخل الرئيس! لكن هناك ضحكا آخر "شخصي" ولابد أن كل فرد مر بشيء مثله، فحين كانت الكهرباء تنقطع ست وسبع مرات في اليوم كنت أمضي اليوم أتنقل بين الشقة والبلكونة، تضيع الكهربا أدخل إلى البلكونة، تأتي الكهربا أدخل الشقة، أنا رجل لا عمل منتظم له خارج بيته.. يعني ع المعاش.. عملي هو كتابتي.. وكتابتي على اللاب توب داخل البيت وليس في أي مكان آخر.. ظللت أسبوعا بين البلكونة والشقة ابتسم وانتظر الأمل من الله أن تنتهي المشكلة يوما . وكلفني ذلك عدم الانتظام في القراءة أو الكتابة، وفي منتصف إحدى الليالي كانت الكهرباء قد انقطعت في الثانية صباحا، وجدت نفسي أشعر أن البلكونة هي مسقط رأسي الحقيقي وإلا ما هذا الحنين إليها؟ لا يمكن أن تكون الكهرباء هي السبب؟ أنا لم أولد في الإسكندرية ولا في حي كرموز. ولدت هنا في هذه البلكونة بالقاهرة رغم أني أعيش في هذه الشقة من تسع سنوات فقط وأمي ماتت منذ ثلاث عشر سنة، ثم وجدت نفسي أرتل "من البلكونة خلقناكم وإليها نعيدكم تارة أخرى" استغفر الله العظيم بدلا طبعا من القول صدق الله العظيم، ضحكت تلك الليلة وطلبت من الله أن يعذب قاطعي النور بما أوصلوني إليه. في يوم آخر خرجت من البيت لأدفع فاتورة النت في مكتب شركة الاتصالات بشارع فيصل فوجدته مغلقا، الدنيا ظلام حولي لكن بعض المحلات مضيئة بالدينامو وأنا لا أدري، وجدت نفسي أسأل أحد الشباب "هي الكهربا راحت" نظر إليّ مندهشا وتردد قليلا ثم قال بهدوء "الكهربا ما بتروحش يا أستاذ.. هي ساعات بتيجي بس" ضحكت وقلت ما أجمل المصريين وجلست على أحد المقاهي أنتظر عودة الكهرباء وفتح مكتب اتصالات لأدفع الفاتورة، كم من المصالح تقف وتخسر في مصر بسبب انقطاع الكهرباء وكم من الأعمال؟ مليارات من الجنيهات، هل مكتوب علينا الاقتراض؟ ما علينا، خلينا في الضحك، وجدت أن الهجوم على وزير الكهرباء ورئيس الوزراء مثير جدا على تويتر بسبب الكهرباء فكتبت . إحنا ليه بنبص على الكهربا لما تقطع وما بنبصش عليها لما تيجي؟ شعب فرعون صحيح، طبعا كنت أسخر ولا أتكلم مثل الذي قال إن الشعب سبب الأزمة لأنه بيستهلك الكهربا، أمال يستهلك إيه؟ ما علينا. المهم أن الموضوع تحول إلى ضحك حتى لا تنفجر مرارتنا خصوصا أني ذات ليلة قررت أن أضيع ساعة انقطاع الكهرباء في الجلوس في البانيو ساعة كاملة وسط الماء لأغسل عرق اليوم كله وحرارته، دخلت إلي الحمام فوجدت المياه مقطوعة رغم أنها تصل إلينا دون موتور، رحت أضحك ولما عادت الكهرباء وقفت متحيرا أبدأ بالاستحمام أم استغل عودة الكهربا وأقرأ شيئا أو أكتبه، دعوت على من يقطع الكهرباء بجد هذه المرة .ليس بسبب انقطاعها لكن بسبب الحيرة!