تستضيف العاصمة السويدية استوكهولم، في الفترة من 31 أغسطس إلى 5 سبتمبر، الأسبوع العالمي للمياه 2014 تحت شعار، "الطاقة والمياه"، حيث إن الطلب على الطاقة والمياه النقية يزيد بشكل كبير خلال العقود المقبلة، وهذه الزيادة تمثل تحديات كبيرة وتضغط على الموارد في كل المناطق تقريبا. يشارك في الحدث السنوي أكثر من 2500 مشارك من بينهم صناع القرار، وأكثر من 200 منظمة دولية من 130 بلدا في جميع أنحاء العالم. وينظم معهد استوكهولم الدولي للمياه(SIWI) أسبوع المياه العالمي كل عام منذ 1991، والذي يعتبر أهم المؤتمرات الدولية لبناء القدرات وتعزيز الشراكات ومتابعة تطبيق البرامج والعمليات الدولية في مجالات المياه والتنمية. وتتصاعد في الآونة الأخيرة مستويات المخاطر ذات العلاقة بالمياه ومصادرها ومدى توفرها وسهولة أو صعوبة الحصول عليها وتأمين إمداداتها، في ظل الارتفاع المتواصل على استخداماتها. وفي تطور جديد، أظهر تقرير للبنك الدولي، أن ندرة المياه ستؤثر على قدرة الدول على إنتاج الطاقة، ذلك أن إنتاج الطاقة يتطلب الكثير من المياه، وبالتالي هناك علاقة طردية بين توفر المياه وبين إنتاج الطاقة، ويتوقع البنك الدولي أن تزداد تأثيرات الأزمة بحلول العام 2035، حيث سيرتفع استهلاك العالم من الطاقة بنسبة 35% وسيؤدي إلى زيادة استهلاك المياه بنسبة 85%، وذلك وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية . يذكر هنا أن العلاقة بين المياه وإنتاج الطاقة ستزداد تعقيدا تبعا للتغيرات المناخية الحالية والمتوقعة، وبالتالي فإن نقص المياه سيعمل على إضعاف جدوى مشاريع الطاقة وزيادة التكاليف المصاحبة لها خلال الفترة القادمة، وفي كل بلدان العالم يعتمد توفير الاحتياجات من الطاقة على المياه ، لكن العثور على موارد مائية كافية لإنتاج الطاقة المطلوبة ثم توزيع هذا المعروض المحدود يزداد صعوبة. وفي السنوات الخمس الأخيرة شهد أكثر من 50 % من محطات الكهرباء حول العالم وشركات الطاقة مشاكل في أعمالها لأسباب تتصل بالمياه، ويشير ما لا يقل عن الثلثين إلى أن المياه تمثل خطرا كبيرا لتشغيل المحطات ومع وصول سكان العالم إلى 9 مليارات نسمة فمن المتوقع أن تزيد المنافسة من القطاعات الأخرى على المياه وهو ما سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، وقد واجهت عدة دول نقصا في الموارد المائية مثل دولة جنوب أفريقيا حيث نقص الموارد المائية الكافية أجبر جميع محطات الكهرباء الجديدة على التحول إلى نظم التبريد الجاف وهي تزيد من تكلفة البناء وأقل كفاءة من نظم التبريد بالمياه، وفي أمريكا الشمالية نجد في الولاياتالمتحدة عددا من محطات الكهرباء اضطرت إلى الإغلاق أو خفض توليد الكهرباء بسبب نقص تدفقات المياه أو ارتفاع درجة حرارة المياه ما أدى إلى خسائر مالية كبيرة. وفي 2012، انخفض توليد الطاقة الكهرومائية في كاليفورنيا 38 % عن الصيف السابق بسبب نقص الغطاء الثلجي وقلة هطول الأمطار، كما واجهت الهند في العام الماضي حيث اضطرت محطة للطاقة الحرارية إلى إغلاق أبوابها بسبب النقص الشديد في المياه، أما أستراليا فقد واجهت خلالها واحدة من أسوأ موجات الجفاف في 1000 عام اضطرت 3 محطات كهرباء بالفحم إلى خفض توليد الكهرباء لحماية إمدادات المياه البلدية عام 2007، وسيزيد تغير المناخ من تحدي إدارة المياه والطاقة بالتسبب في زيادة تقلب توافر المياه والأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات العنيفة والجفاف الشديد. ويشير "التقرير العالمي لتطوير المياه 2014" الذي أصدرته الأممالمتحدة حديثا ، إلى أن الطلب العالمي على مصادر المياه العذبة سيتعرض إلى ضغوط كبيرة ويحتاج إلى جهود حثيثة لمواجهة الطلب على الطاقة، وذكر التقرير أن في عالمنا اليوم 768 مليون شخص غير قادرين على الانتفاع بمصادر محسنة لمياه الشرب، وفي موازاة ذلك، لا يزال هنالك 1.3 مليار شخص غير موصولين بشبكة الكهرباء ، وحوالى 2.6 مليار شخص يستخدمون وقودا صلبا للطهي، ويشير التقرير إلى أن لائحة الأشخاص المحرومين من الانتفاع بموارد مائية كافية توازي إلى حد بعيد لائحة الأشخاص المحرومين من الكهرباء. ويسلط التقرير الضوء على مدى ترابط القطاعين على الصعيد العالمي فتؤثر الخيارات المتخذة في أحد القطاعين بالتالي على القطاع الآخر، حيث يؤدي الجفاف إلى تفاقم أزمات الطاقة ويحد انعدام إمكانية الانتفاع بشبكة كهرباء من إمكانيات الري، وتتخذ هذه الخيارات بشكل عام على حساب الموارد المائية، وفق ما تظهره السياسات التعريفية، فالمياه التي تعد هبة الطبيعة تباع في الواقع بسعر نادر ما يعكس تكلفتها الفعلية، الأمر الذي لا يشجع منتجي الطاقة ومستخدميها كثيرا على المحافظة عليها، وفي الحوض الغربي لنهر السند في الهند، ترجمت عقود من الطاقة الموفرة بأسعار مخفضة ترافقت مع بناء ملايين من الآبار الخاصة ومع اعتماد تقنيات ري قليلة الفعالية باستغلال مفرط للمياه الجوفية. وشوهدت حالات مماثلة في أمريكا اللاتينية وفي بعض الدول العربية (ولا سيما عمان واليمن)، ويمثل إنتاج الطاقة ما يقارب 15 % من الكميات المسحوبة من المياه ، وتتجه هذه النسبة إلى الارتفاع، فمن الآن إلى عام 2035، يتوقّع أن ترتفع الكميات المسحوبة المتعلقة بإنتاج الطاقة بنسبة إضافية تمثل 20 % تحت تأثير النمو السكاني والتحضر وتطور أنماط الاستهلاك، فيتوقّع أن يرتفع الطلب على الطاقة الكهربائية بنسبة 70 % من الآن وحتى عام 2035، ولا سيما في الصينوالهند اللتين تشهدان وحدهما أكثر من نصف هذا النمو وحاليا تواجه مناطق عدة من العالم مشكلة ندرة الموارد المائية ويقدر بأن 20 % من مستودعات المياه الجوفية يتعرض للاستغلال المفرط. وفي عام 2050 ، سيعيش 2.3 مليار شخص في مناطق تعاني من إجهاد مائي حاد ولا سيما في شمال أفريقيا وآسيا الوسطى والجنوبية، إلا أنه يخشى أن تتم مواجهة تحديات الطاقة على حساب الموارد المائية. وفي حين يشكل التأثير البيئي والاجتماعي للمحطات الحرارية لتوليد الكهرباء ولمحطات الطاقة النووية مصدر قلق متنام، تسعى البلدان إلى تنويع إمداداتها بهدف الحد من تبعيتها على صعيد الطاقة وحماية نفسها ضد تقلبات أسعار السوق ، إلا أن لكل خيار حدوده. ومنذ بداية العقد 2000، تطورت ثقافة الوقود الأحيائي تطورا كبيرا ، مع العلم بأنها تستهلك كميات كبيرة من المياه. كما شهد استخدام غاز السيست (هو غاز طبيعي ينشأ من أحجار الإردواز. ويجد الغاز محبوسا بين طبقات تلك الأحجار الطبقية، وتستخدم لاستخراجه تقنية عويصة بمقارنتها بتقنية استخراج الغاز الطبيعي الذي يكون محبوسا في فجوات تحت الأرض. ومع ارتفاع سعر النقط والغاز الطبيعي سيصبح استخراج غاز حجر الأردواز في المتناول ومجديا) نموا خلال السنوات الأخيرة الماضية، ولا سيما في الولاياتالمتحدة. إلا أن الطاقة الأحفورية هذه لا يمكن أن تستخرج إلا عبر التصديع الهيدرولي، وهى تقنية تتطلب كميات كبيرة من المياه وتنطوي على مخاطر كبرى تتصل بتلوث منسوب المياه الجوفية. وينتقد بعض العلماء الاستهلاك المتزايد للمياه لاستخلاص الغاز ويحذرون من تلوث المياه الجوفية بما يستخدم من كيماويات في عملية الاستخراج. كما وجد غاز البنزول بالقرب من أبار استخراجه والبنزول من المواد المتسببة لنشأة السرطان. ولكن استخراج غاز حجر الأردواز (السيست) قد أصبح هاما لإمداد الولاياتالمتحدة بالطاقة، وفي الوقت الذي نضبت فيه كثير من أبار النفط ويقل العثور على أبار نفط جديدة استطاعت أمريكا باستغلال حجر الاردواز مضاعفة احتياطها من الغاز الطبيعي، حتى أن سعر الغاز انخفض بسبب تلك الاكتشافات واستغلال المصدر الجديد. وتقدر الكمية التي استخرجت من غاز حجر الاردواز بنحو 10 % من مجموع كمية الغاز المنتجة عام 2008. وتبرز مصادر الطاقة المتجددة بوصفها حلولا أقل استخداما للموارد المائية. فتغطي الطاقة الكهرمائية بالتالي اليوم 16 % من احتياجات الطاقة على الصعيد العالمي، إلا أن مصادرها لا تستغل بالقدر الكافي. ولبناء السدود أيضا تكلفة اجتماعية وبيئية، ولا سيما لجهة الحد من التنوع البيولوجي. وتنمو طاقات بديلة أخرى ، فبين عام 2000 وعام 2010، ازداد استخدام طاقة الرياح بنسبة 27 % وازداد استخدام الطاقة الشمسية بمعدل 42 %. إلا أن طريقتي الإنتاج هاتين اللتين تستخدمان كميات قليلة من المياه توفران خدمات متقطعة يتعين التعويض عنها بمصادر طاقة أخرى. وعلى الرغم من تقدم مصادر الطاقة المتجددة، فإنه يتعين أن تبقى مصادر الطاقة الأحفورية مسيطرة خلال السنوات القادمة. وفي الواقع، تقدر الوكالة الدولية للطاقة أن الوقود الأحفوري سيبقى في الطليعة على الصعيد العالمي من الآن وحتى عام 2035 ، على أن تحتل مصادر الطاقة المتجددة المرتبة الثانية. ولمواجهة التحديات المستقبلية، يشدد التقرير على ضرورة تنسيق سياسات إدارة مصادر المياه والطاقة، ولا سيما مراجعة السياسات التعريفية بهدف ضمان أن تعكس أسعار المياه والطاقة تكلفتهما الفعليتين وتأثيرهما البيئي على نحو أفضل. وبالنظر إلى أهمية الاستثمارات التي يفرضها إنشاء بنى تحتية بديلة ومستدامة، يتعين على القطاع الخاص أن يؤدي دورا هاما يتمثل في استكمال جهود القطاع العام. وفي عام 2008، قدر المبلغ الواجب توفيره سنويا لتحقيق الهدف الإنمائي المتمثل في توفير المياه والصرف الصحي ومعالجة مياه المجاري في عام 2015 ب 103 مليون دولار. وإضافة إلى ذلك، يقدر أنه سوف يتعين تأمين مبلغ 49 مليار دولار كل عام لضمان الانتفاع الشامل بالطاقة من الآن وحتى عام 2030. ولابد من أن ينطوي المستقبل أيضا على أنظمة إنتاج متنوعة تتيح إنتاج المياه والكهرباء في آن معا. وهذا الحل مكيف بشكل خاص للمناطق القاحلة. وبالتالي، فإن محطة الفجيرة في الإمارات ، ومحطة الشعيبة في السعودية، هما محطتان معنيتان بإزالة ملوحة مياه البحر وإنتاج الطاقة في آن معا، كما يزداد تحويل مياه المجاري إلى طاقة؛ علما بأن المواد العضوية التي تحتوي عليها يمكن أن تستخدم لإنتاج الغاز الأحيائي الغني بالميثان. فيعالج مركز لافارفانا لمعالجة مياه المجاري 50 % من مياه المجاري في سانتياغو (شيلي) وينتج حوالى 24 مليون متر مكعب من الغاز الأحيائي. ويستفيد من هذه الطاقة التي تحل محل الغاز الطبيعي 100 ألف شخص في هذا التجمع السكني. وفي استوكهولم (السويد) تعمل الباصات وسيارات الأجرة على الغاز الأحيائي المنتج عبر معالجة مياه المجاري ، ويبدي عدد متزايد من البلدان النامية اهتماما بهذا الخيار. وفي ماسيرو (ليسوتو)، تستخدم 300 أسرة الغاز الأحيائي بوصفه وقودا للطهي. كما تشهد دول المنطقة العربية وشمال افريقيا، موجة استثمارات ومشاريع متنوعة على قطاع المياه والطاقة وسيكون لمشاريع توليد الطاقة ونقلها وتوزيعها حصة ستصل إلى 283 مليار دولار حتى العام 2018، في حين ستصل حصة مشاريع المياه إلى ما يقارب 12 مليار دولار حتى نهاية العام الحالي، ويعود ذلك نتيجة تزايد استهلاك الطاقة، وستعكس حزمة المشاريع ذات العلاقة بقطاع الطاقة والمياه شكل وحجم الفرص الاستثمارية المتاحة لدى دول المنطقة والحاجة إلى جذب الاستثمارات الخارجية والشركات العالمية، للعمل في هذا القطاع الاكثر نشاطا في سوق المشاريع المخطط لها، والجدير ذكره هنا أن نجاح المبادرات والمشاريع بالمستوى المطلوب يتطلب إعادة تقييم وسائل الاستهلاك الحالية وفعالية استخدام الطاقة والقدرة على اعتماد التكنولوجيا بشكل فعال في كافة الظروف. وأكثر ما يحتاجه قطاع المياه والطاقة بشكل أساسي خلال الفترة القادمة، النجاح في إدارة الطلب المتصاعد من خلال حزمة من الإجراءات الفنية والتنظيمية تشمل كل القطاعات واعتماد معايير ثابته تدعم رفع كفاءة إستخدام الطاقة وما إلى هنالك من إجراءات تهدف إلى رفع مستوى الوعي بترشيد الاستهلاك من الكهرباء والماء، في حين سيكون لزاما على كافة الاطراف النجاح أيضا في تنويع المصادر من الطاقة، من المصادر التقليدية والمتجددة والنووية من خلال اعتماد خطط واستراتيجيات طويلة الامد تعمل على تحقيق الاستقرار والنمو والاستدامة.