سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العراق الغارق في أزمة "المالكي" ينشغل بظهور أمير داعش.. جمود أمني وسياسي لاختيار الرئاسات الثلاث.. نوري يتمسك بولاية ثالثة.. وضغوط لتنحيه بعد ثقة الدولة الإسلامية وظهور أميرها في الموصل
يعيش العراق حالة من الجمود الأمني على وقع جمود سياسي موازً، في ظل الخلافات المتواصلة التي تعصف بهذا البلد والتي تتمحور حول الشخصيات التي من المفترض أن تتولى رئاسة البرلمان وتسمية رئيس للوزراء ورئيس للجمهورية، حيث تتجه الأنظار اليوم صوب البرلمان الذي يعقد جلسته الثانية غدًا الثلاثاء بعد فشل جلسته الأولى للاتفاق على شخوص الرئاسات الثلاث، في ظل ما تشهده البلاد من صراع سياسي وعسكري. وفي الوقت الذي تتعالى فيه الدعوات الكردية بالانفصال عن الدولة والاستقلال ودعوات من أطراف سنية تنادي بإقليم منفصل، تتوجه الأنظار سياسيًّا نحو رئيس الوزراء نوري المالكي بعد الدعوات المطالبة بتنحيه، وعسكريا صوب "دولة الخلافة الإسلامية" منشغلة بتحليل الشريط المنسوب لأميرها أبو بكر البغدادي. ومن المفترض أن يعقد البرلمان المنتخب جلسته الثانية غدًا الثلاثاء بعدما فشل في جلسته الأولى في انتخاب رئيس له بحسب ما ينص الدستور. ويتصدر المشهد السياسي تمسك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي برئاسة الحكومة بعدما فتح أزمة الحكم على مزيد من التعقيدات بعدما أعلن الجمعة الماضية أنه لن يتنازل "أبدًا" عن ترشحه لولاية ثالثة، رغم الانتقادات الداخلية والخارجية له، في خطوة تشير إلى أن عملية تشكيل حكومة جديدة لن تكون خاتمتها قريبًا. وجاء موقف المالكي هذا رغم دعوة المرجعية الشيعية للإسراع في تشكيل حكومة تحظى بقبول وطني واسع، وهو ما لا يتمتع به المالكي حاليًّا، وفي ظل سحب خصمه السياسي رئيس البرلمان أسامة النجيفي ترشحه لولاية ثانية على رأس مجلس النواب، مفسحًا المجال أمام توافق سياسي حول الرئاسات الثلاث. وكشفت مصادر مطلّعة عن أن زعيم القائمة الوطنية إياد علاوي، ورئيس ائتلاف "متحدون للإصلاح" أسامة النجيفي، ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أجروا اتصالات هاتفية مكثفة مع المرجع الديني السيد علي السيستاني، مطالبين إياه بحث المالكي على التنحي. وقال عضو التحالف الوطني عمار حسين أمس الأحد: إن "علاوي والنجيفي وبارزاني أجروا اتصالات هاتفية مع السيستاني، لحسم مناصب الحكومة الجديدة، والتأثير على رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي لسحب ترشيحه من تولي رئاسة الحكومة لولاية ثالثة". وأضاف حسين في تصريحات لإحدى الصحف الروسية، أن "كتلتي الأحرار التابعة للتيار الصدري والمواطن، اللتين تشكلان التحالف الوطني مع دولة القانون، ترفضان تماماً الولاية الثالثة للمالكي". ودعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، إلى تقديم "مرشح صالح" من دولة القانون لمنصب رئيس الوزراء، مشدداً على احترام وتفعيل التحالف الوطني ضمن الأطر الشرعية والقانونية والوطنية. وقال الصدر في بيان له: على الرغم من أن الأخ المالكي زج بنفسه وزجنا معه في مهاترات أمنية طويلة بل وأزمات سياسية كبيرة، لكن سأبقى مقتنعًا بأن من يجب أن يقدم مرشح رئيس مجلس الوزراء حاليًّا هم الأخوة من ائتلاف دولة القانون، وخصوصًا بعد تصريح المالكي الأخير بأنه لن يتنازل عن رئاسة الوزراء، إلا إذا كان المرشح من دولة القانون". وفي طهران، قال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الأحد: "في حال طرح المالكي رئيسًا للوزراء (...) فسندعمه بقوة"، علمًا بأن المالكي حصل على دعم طهران وواشنطن معًا لتولي رئاسة الحكومة في 2010. وأضاف اللهيان "إذا اختار البرلمان شخصًا آخر، فالجمهورية الإسلامية في إيران ستدعمه كذلك، إنه شأن داخلي عراقي"، موضحًا أن لائحة المالكي التي تصدرت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل الماضي لديها "حقوق" بحسب المنطق البرلماني في البلاد. وفي الوقت ذاته، ربط رئيس إقليم كردستان العراق، في رسالة وجهها أخيرًا لوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بين إعلان إقليم كردستان الاستقلال وبين تعنت المالكي وتمسكه برئاسة الحكومة المقبلة قائلا: إن "حكومة بغداد الاتحادية فاشلة بإدارة المالكي، وإن لم تتغير فسنتجه نحو الانفصال وإعلان الدولة الكردية". وردّ ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي على دعوات الانفصال بأسلوب يتسق مع موقف طهران الذي أعلنت عنه مسبقًا بأن الدستور العراقي كفيل بحد ذاته لرفض استقلال إقليم كردستان. وقالت النائبة عن ائتلاف دولة القانون عالية نصيف: إن " توجهات القادة الأكراد حول حق تقرير المصير غير دستورية، إن مفهوم حق تقرير المصير، هو شأن دولي وليس داخلياً ولا ينطبق على إقليم كردستان". ونقل مكتبها الإعلامي على لسانها أمس الأحد: "لا يوجد في الدستور شيء يتعلق بحق تقرير المصير الذي يتحدث عنه اليوم بعض القادة الأكراد، فتوجهاتهم الانفصالية تتعارض مع الدستور الذي نراهم يطالبون بتطبيقه عندما يجدون مادة تتوافق مع مصالحهم ويخالفونه إذا تعارض مع تطلعاتهم". ومن المقرر أن يتم في الجلسة الثانية لمجلس النواب، تقديم مرشحي رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، ونوابهما. وكشف مصدر مطلّع عن أن هناك تنافسًا بين النائبين حسين الشهرستاني وهمام حمودي لشغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وأن الأقرب لشغل هذا المنصب هو رئيس كتلة "مستقلون" حسين الشهرستاني، مشيرًا إلى أن هناك شبه اتفاق نهائي بين الكتل النيابية على تسمية سليم الجبوري رئيسًا لمجلس النواب والنائب الثاني له محسن السعدون. ويلقى النجيفي رفضًا من قبل ائتلاف دولة القانون كمرشح لرئاسة البرلمان، وهو ما دفع بالتحالف الوطني إلى دعم رئيس قائمة ديالى هويتنا (سنية) المنضوية تحت جناح اتحاد القوى العراقية سليم الجبوري كمرشح لرئاسة البرلمان. وتشهد العلاقة بين النجيفي والمالكي توترًا بسبب تفرد الأخير بإدارة شئون البلاد، حسبما يقول النجيفي. وفي ظل انشغال السياسيين العراقيين بتسوية الحسابات لملء الفراغ السياسي بالبلاد، أعلنت السلطات العراقية الأحد أنها تتحقق من صحة التسجيل الذي ظهر فيه زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي للمرة الاولى، فيما واصلت قواتها غاراتها الجوية على مناطق المسلحين المتطرفين في شمال وشرق وغرب البلاد. وقال الفريق قاسم عط،ا المتحدث باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية، ل"فرانس برس" إن "التسجيل قيد التحقيق والتحليل والمطابقة لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وأضاف: "لدينا فريق من المحللين يعملون على التدقيق في طريقة سيره وعمره ومطابقة المسجد الذي ظهر فيه (....) فنيًّا من جميع النواحي"، معلنًا أن لدى الأجهزة الأمنية معلومات عن البغدادي منذ تسلمه زعامة "الدولة الإسلامية" في عام 2010. ويرى محللون أن الظهور العلني المصور الأول في مسجد بمدينة الموصل لزعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" "داعش" عبارة عن استعراض قوة يهدف إلى إبراز الثقة التي يتحلى بها هذا التنظيم المتطرف. وقال تشارلز ليستر، الباحث في مركز "بروكنيغز" بالدوحة: إن "أحد أكثر الرجال المطلوبين في العالم استطاع ببساطة السفر إلى الموصل ليخطب لمدة نصف ساعة في أكثر المساجد ازدحامًا، في أكبر المدن الخاضعة لسيطرة جماعة جهادية". وأضاف "حقيقة أن البغدادي قد ظهر علنًا في مثل هذا الموقع المركزي يعكس مدى الثقة التي تتمتع بها منظمته". وفيما كان تنظيم "الدولة الاسلامية" يحقق نصرًا معنويًّا عبر ظهور زعيمه في أكبر مساجد الموصل، واصلت القوات العراقية عملياتها لاستعادة مناطق من أيدي مسلحي تنظيمه وخصوصًا تكريت، لكن دون أن تنجح في ذلك رغم مرور أكثر من أسبوع على إطلاقها عملية برية جوية واسعة في محيط معقل الرئيس السابق صدام حسين. وقال عطا في مؤتمر صحفي ببغداد أمس الأحد: "إن طيران الجيش وجه "ضربات نوعية" استهدفت مناطق متفرقة بينها تلعفر في محافظة نينوى شمالاً، والقائم قرب الحدود العراقية السورية غربًا، ومناطق أخرى في محافظة ديالى إلى الشمال الشرقي من بغداد". وتحدث المسئول العراقي عن مقتل أكثر من عشرين مسلحًا لدى محاولتهم تفخيخ مبنى مجلس محافظة صلاح الدين في مدينة تكريت. يأتي هذا الجمود الأمني في وقت يعيش العراق على وقع جمود سياسي مواز، في ظل الخلافات المتواصلة التي تعصف بهذا البلد والتي تتمحور حول الشخصيات التي من المفترض أن تتولى الرئاسات الثلاث.