كشفت قرارات رئيس الوزراء إبراهيم محلب، التي نشرت يوم السبت بالجريدة الرسمية، عن رفع أسعار الغاز الطبيعي لصناعتي الأسمنت والحديد والصلب بين 30 و75 بالمائة في اطار اتجاه الحكومة لإصلاح منظومة الدعم التي تلتهم 20 بالمائة من الموازنة العامة. كما رفعت الحكومة يوم السبت أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي للسيارات بنسب تتراوح بين 40 و175 بالمائة. وكانت مصر بدأت منذ فترة في تهيئة المناخ العام لزيادة أسعار الوقود التي تمثل خطوة محفوفة بالمخاطر السياسية. ودعت حكومات متعاقبة إلى إصلاح الدعم لكن أيًّا منها لم يجرؤ على فرض زيادات كبيرة في الأسعار خوفًا من رد فعل الشارع. وزادت أسعار الغاز الطبيعي لصناعة الأسمنت وفقًا للجريدة الرسمية التي صدرت بتاريخ الثالث من يوليو إلى "8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية لصناعة الأسمنت و7 دولارات لصناعة الحديد والصلب والألومنيوم والنحاس والسيراميك والزجاج." وتعمل مصر على التخلص من دعم الطاقة بشكل تام خلال ثلاث إلى خمس سنوات. ورفعت الحكومة أسعار الغاز الطبيعي للصناعات الغذائية والأدوية والطوب إلى خمسة دولارات لكل مليون وحدة حرارية ولصناعة الأسمدة والبتروكيماويات إلى 4.5 دولار كما رفعت الأسعار لمحطات الكهرباء إلى ثلاثة دولارات. وكانت مصر قد رفعت أسعار الطاقة للمصانع كثيفة الاستهلاك أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية حتى بلغت الأسعار في فبراير شباط 2013 نحو 1500 جنيه لطن المازوت وستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي لمصانع الأسمنت والطوب ونحو أربعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية من الغاز لمصانع الحديد والصلب. كان وزير الصناعة السابق حاتم صالح قال لرويترز في ابريل نيسان 2013 "الغاز الطبيعي يكلفنا دولارين لكل مليون وحدة حرارية والمازوت يكلفنا 3200 جنيه للطن. لدينا 100 مصنع يستهلك 70 بالمئة من الطاقة الموجهة للصناعة و100 ألف مصنع يستهلك 30 بالمئة فقط من نفس الطاقة." ويسعى عدد من شركات الأسمنت العاملة في مصر للتحول إلى استخدام الفحم كمصدر بديل للطاقة خلال هذا العام. وزادت أسعار المازوت لمصانع الاسمنت اعتبار من اليوم بنحو 50 بالمئة لتبلغ 2250 جنيها للطن من 1500 جنيها. وجاء في الجريدة الرسمية أن أسعار المازوت الجديدة زادت إلى نحو "1400 جنيها للطن للصناعات الغذائية و2300 جنيها للكهرباء و1950 جنيها للطوب وباقي الصناعات." وعلقت علياء المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة على زيادة أسعار الوقود قائلة: "أنا مع زيادة الأسعار إلى السعر العالمي لكن مع وجود استراتيجية واضحة لحماية الفقراء تطبق في نفس وقت زيادة الأسعار. مع كل مرحلة لزيادة الأسعار سنشهد موجة من ارتفاع السلع والخدمات، ولذا كان الافضل التحرر مرة واحدة." وترى المهدي أن رفع أسعار الغاز الطبيعي للصناعات بأسعار متفاوتة "تشوه سعري". وقالت: "لابد أن تكون الزيادة بالتساوي للجميع، وأن نعلم هل هناك زيادات أخرى أم لا؟ بالتأكيد الزيادة ستؤثر على تكاليف الإنتاج للقطاع الصناعي وعلى الربحية وأسعار البيع. قد يلجأ بعض المستثمرين للذهاب للصناعات الأقل استخدما للطاقة." وأنفقت الحكومة المصرية التي تعاني ضائقة مالية نحو 144 مليار جنيه (20 مليار دولار) أو ما يوازي 20 بالمائة من الموازنة على دعم الطاقة في السنة المالية 2013-2014 التي انتهت في 30 يونيو الماضي. وتسارعت وتيرة التصريحات الصحفية في مصر بشأن رفع أسعار المواد البترولية والكهرباء مباشرة بعدما لوح الرئيس السيسي أواخر يونيو بإجراءات تقشفية وأعلن التبرع بنصف راتبه ونصف أملاكه للدولة. ورفعت حكومة محلب سعر الغاز الطبيعي للسيارات إلى 1.10 جنيه للمتر المكعب من 0.40 جنيه حاليًّا أي بزيادة 175 بالمائة وسعر البنزين 92 اوكتين بنحو 40 بالمائة ليبلغ 2.60 جنيه للتر وسعر بنزين 80 بنحو 78 بالمائة ليبلغ 1.60 جنيه للتر، وسعر السولار بنحو 63 بالمائة ليصل إلى 1.80 جنيه للتر. وقالت المهدي: "لازم نعرف الأسعار دي هتوصل لكام مستقبلاً، وسعر تكلفتها حاليا كام. ارتفاعات الأسعار ستنعكس على المواطن. كل الطبقات ستتأثر حتى الطبقة الغنية." وتساءلت قائلة: "المواطن الغلبان هيشد الحزام أكتر من كدا ايه؟ جزء من الطبقة الوسطى القريبة من الفقيرة في مصر ستتحول للطبقة الفقيرة.. أي مواطن دخله ثابت سيتضرر من ارتفاعات الأسعار." أسعار الطاقة المدعومة في مصر كانت من بين أدنى الأسعار في العالم ولا تشجع على كبح الاستهلاك رغم أزمة في إمدادات الوقود في البلاد تتسبب في انقطاع الكهرباء يوميًّا. وتخطط مصر لإنفاق حوالي 127 مليار جنيه توازي حوالي 16 بالمائة من ميزانيتها على دعم المنتجات البترولية والكهرباء في السنة المالية 2014-2015. وزاد سعر البنزين 95 أوكتين للسيارات الفاخرة التي تمثل نسبة محدودة من العربات في مصر إلى 6.25 جنيه للتر بارتفاع سبعة بالمائة. وقال أنجوس بلير رئيس معهد سيجنت للدراسات الاقتصادية: إن "زيادة أسعار الوقود كانت متوقعة وعلى الرغم من أنه من المرجح حدوث بعض التبعات التضخمية فإن زيادة الأسعار (إلى مستوى) سعر السوق ضرورية." ويتوقع وزير التخطيط أشرف العربي أن تؤدي زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع التضخم إلى خانة العشرات. وبلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في المدن 8.2 بالمائة على أساس سنوي وفقا لأرقام حكومية نشرت في مايو الماضي. ويقول مسئولون وخبراء اقتصاديون: إن زيادة أسعار الوقود لن تطال الفقراء بشكل مباشر؛ لأنهم لا يملكون سيارات؛ ولكن الزيادة تؤثر بشكل واضح وسريع على أسعار المواصلات العامة الحكومية وتعريفة الميكروباص الذي يعتبر وسيلة النقل الأساسية لقطاعات عريضة من الشعب المصري. كما تنعكس زيادة أسعار الوقود على أسعار جميع السلع والأغذية والمشروبات باستثناء الخبز المدعم الذي لم ترتفع أسعار الطاقة الموجهة له. ويعيش نحو 25 مليونًا من سكان مصر تحت خط الفقر، ولا تواجه دخول المصريين زيادات الأسعار المحتملة في جميع السلع والخدمات.