ساق البامبو، رائعة الكاتب الكويت الشاب سعود السنعوسي، والتي قدم من خلالها ثورة على عادات وتقاليد الطبقة الغنية في مجتمعة – الكويت- من خلال عرض المآسي التي تتعرض لها العمالة الخارجية في دول الخليج فكانت البوكر من نصيبها اعترافا بمدي قيمة وأهمية الضوء الذي سلطه الكاتب على قضايا مجتمعية معاصر من خلال بساطة الطرح وعمق المعالجة، دون تحليل للظواهر أو البحث عن حلول لها. تدور أحداث الرواية بين الكويتوالفلبين وتقارن طوال الوقت بين حياة الفقراء في الفلبين وتعرض لأقصى طموحاتهم وأحلامهم، مقارنة بهموم الأغنياء في الكويت الذين لا يشغلهم سوى صورة العائلة أمام المجتمع والذي يسعون للحفاظ عليها مهما كانت الخسائر والتضحيات. تحكي الرواية قصة هوزية كما تنطق في الفلبين أو عيسى كما ينطق الاسم في الكويت وهو الراوي الذي يتحدث عن معاناته منذ لقاء والده راشد الطاروف الروائي الشاب نجل عائلة الطاروف إحدى أكبر وأهم العائلات في الكويت، بوالدته جوزافين الخادمة الفلبينية التي يتزوجها والده سرًا خشية أن يعنف من والدته، ربة المنزل وكبيرة العائلة ذات الشخصية القوية، والتي ما إن عرفت بخبر حلول عيسى، الذي أسماه راشد على اسم والده عيسى الطاروف، حتى قررت إما الاستغناء عن الابن والزوجة أو الخروج من "رحمنها"، فما كان من راشد إلا أن أرسل زوجته لتعود إلى الفلبين مرة أخرى حاملة صغيرها بين يديها، لينشأ في منزل والدها "ميندوزا"، أحد مخلفات حرب فيتنام، حالمًا بالعودة يومًا إلى جنة الكويت التي وصفتها أمة له وكثيرًا ما هونت عليه مشقة الحياة بأنه يوما ما سيعود إلى الجنة الموعودة، الكويت. قدمت الرواية لأكثر من ظاهر موجودة في مجتمع الكويت، مثل ظاهرة العمالة الخارجية، من خلال عرضة لقصة "جوزافين"، كما عرضت الرواية ظاهرة ال"بدون" أي بدون جنسية كويتية، من خلال تسليط الضوء على المعاناة التي مر بها "غسان" الشاب الكويتي الذي لا يحمل الجنسية الكويتية وهو صديق "راشد" والد عيسى أو هوزية وكذا التناقضات التي يعيشها المجتمع ولا سيما دفاع هند الطاروف الناشطة الحقوقية عن حقوق البسطاء والفقراء وشهرتها في وسائل الإعلام، وخذلانها لعيسي أبن أخيها راشد الطاروف الذي أستشهد في حرب التحرير وعد قدرتها بإقناع والدتها أو تقديمها المساعدة لأبن أخيها ليعيش وسط عائلته وجرمه الوحيد أنه يحمل ملامح أم فلبينية. كما عرضت الرواية لآلام اليتم التي كانت من أبرز المعاناة التي واجهت شخصيات الرواية بداية من، "ميندوزا" والد جوزافين، وهو لقيط دون أب، مرورا بميرلا ابنه خاله هوزية من أحد الجنود الفرنسيين، ونهاية بعيسى أو هوزية، الذي ولد لأب كويتي ثري وتربي ونشأ يتيم الأب والأم وفاقد للهوية والديانة والإنتماء، وفي المقابل خولة راشد، أخت عيسى من والدة والتي تربت يتيمة ولكن فارق كبير بين يتم ويتم. يغلب على الرواية الطابع المأساوي منذ بدايتها وذلك يرجع إلى دقة التفاصيل التي قدمها السنعوسي عن شخصيات روايته والتكامل بين الأحداث والشخصيات والاستدعاءات التاريخية لأحداث بعينها، فالرواية تميل في المقام الأول إلى أدب السير الذاتية. قدم سعود السنعوسي معاناة بطل روايته "هوزية" مقرونة بمعاناة الأنبياء الذين كانوا دائمًا يبحثون عن الخلاص وينتقدون المجتمع المادي وأحقاده وأطماعه، فعرض لتأمل هوزية المستمر للواقع المحيط به سواء كان في الكويت أو الفلبين وعرض للأفكار التي كانت تدور طوال الوقت برأسه عن فكرة الخلاص والتحرر من قيد الدين بإيجاد الدين الخاص به فهو، هوزية المسيحي نسبة لجوزافين والدته، بوذي نسبه لإعجابه بتعاليم بوذا وتأملاته لحكمة، مسلم نسبة لوالد راشد الطاروف، وحبه لله من خلال حديث صديقة إبراهيم سلام عنه، فالغريب في الرواية هو تصوير وتجسيد معاناه الأنبياء مثل عيسى المسيح الذي ولد من دون أب، وأقتباس نفس الاسم ولصقة ببطل الرواية الذي يمر بمعاناة صورها كاتب الرواية - وإن لم يقارن – بأنها أشد من معاناه المسيح مئات المرات، من خلال صلبه لبطل الرواية، أو عرضه عدد المرات التي يصلب من خلالها هوزية بشكل معنوي، والجالد والصالب، هما اليتم، الفقر، المعاناة التي شهدها من معاملة مندوذا، زواج الأم ومضاعفة اليتم، حالة التيه بين الأديان ومسميات الله الذي يبحث عنه بغض النظر عن اسمه، يرجوا رحمته دون معرفة كينونته، سوء المعاملة في منزل راشد الطاروف بعد عودته للكويت، مما حول الجنة الخضراء التي كان ينتظرها في الكويت إلى سجن، قضبانه العادات والتقاليد وخشية نظرة المجتمع. ومما جاء على لسان هوزية في الرواية: "لماذا كان جلوسي تحت الشجرة يزعج أمي؟ أتراها كانت تخشى أن تنبت لي جذور تضرب في عمق الأرض ما يجعل عودتي إلى بلاد أبي أمرا مستحيلا؟ ربما ولكن، حتى الجذور لا تعني شيئا أحيانا. لو كنت مثل شجرة البامبو، لا انتماء لها نقتطع جزءا من ساقها نغرسه.. بلا جذور في أي أرض لا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة.. تنمو من جديد.. في أرض جديدة.. بلا ماض.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الماس حو تسميته.. كاوايان في الفلبين.. خيزران في الكويت.. أو بامبو في أماكن أخرى..". الرواية في مجملها تعبر عن مأساة متكاملة الأركان وإن تميزت ببساطة السرد وعمق المضمون، إلا أن المأخذ الوحيد - أو ربما يكون نوع من التجديد في طرح عمل روائي – هو أن الرواية جاء في مقدمتها أنها من تأليف هوزية مندوزا، وهو عيسى محور الرواية، وترجمة إبراهيم سلام أحد شخصيات الرواية أيضًا وصديق هوزية، وترجمة وتدقيق خولة راشد وهي أخت هوزية في الرواية لوالده، مما قد يترك الكثير من اللبس لدى بعض القراء أثناء قراءتهم للرواية وبعد الانتهاء منها، وإن كان هوزية هو من كتب الرواية، وإبراهيم سلام هو من ترجمها، وخولة راشد هي من قامت بالتدقيق والتصحيح، فأين سعود السنعوسي من الرواية؟.