قُصة وشنب.. حفلة شعرية قدمتها أمانى سعيد محفوظ ن كما تفعل دائمًا، حيث الشعر للجمهور بشكل مُبتكر وجديد يحمل التغيير بين كل قصيدة والأخرى.. التغيير بمعني أن الشعر حُكم عليه بنوع من التعسف الفناء بين العامة وأصبح هو المُلتقى النُخبوي للمثقفين وذويهم ومُريدي الشعر ومُرتادي ندواته.. عن التجربة تقول أمانى محفوظ: وهذا ما أثار حفيظتي دائماً.. فلقد كرست كل جهدي المعنوي والمادي لتغير تلك النظرة العقيمة لنوع من الأدب كله سمو ورُقي ومُتعة فقط لأجل الجمهور المختلف يأتي ليستمع ويشاهد.. نعم يُشاهد الشعر فلشعري صورة أراها في كل قصيدة أكتبها وكان عليّ أن أُخرجها للحاضرين ليروا ما أراه في كلماتي ليتأكد لديهم المعنى والمضمون كما هو في خيالي.. وأسعى لتحقيق هذا الهدف البصري المُكمل للصورة الشعرية بشتى الطرق.. فلطالما أحببت من صغري كل أنواع وأشكال الفنون كالتنورة وخيال الظل والمونولوج والتحطيب والعرائس والمسرح الأسود والرقص التعبيري الحديث والشعبي والبالية والغناء والموسيقى والرسم على الرمال والتمثيل...وغيرهم لذا قررت أن يكونوا قواسماً مشتركة بين كتاباتي وبين عرضها على الجمهور.. فعلى سبيل المثال حفلى قُصة وشنب بدأته بمزاد أقدمه أنا وثلاثة من المبدعين الذين وقفوا معي على المسرح كبداية وافتتاحية للعرض ثم تحولت إلى إحدى قصائدي التي تتمحور حول الألوان التي تتلون بها المرأة في فرحها وحزنها وحبها وغضبها وصمتها وكانت هذه المعاني في "بالتة" وإستعنت براقصة بالية وجمبار صغيرة في السن إسمها ميار والي لتقدم رقصة تعبيرية تُبرز المعني الحالم من القصيدة وقد صممتها من مُخيلتها.. وأنا دائماً أحرص على ترك مساحة حُرة يُقدم فيها الفنان الذي يعتلي المسرح فقرة خاصة به بعيدة عني وعن كلماتي لكن لا تكون بعيدة عن الشكل الذي أعددته للحفل.. بعدها إنتقلت إلى بعض القصائد منها ماألقيته مع خلفية موسيقية تتناسب وجو القصيدة وهي "دولة العصافير" تتحدث عن الأمل وقوة العصفور الذي يراه الكثيرون ضعيفاً لكن هو لديه من القوة ما لا يراه البعض وتصورت أن الشباب هم العصافير التي تهاجر وتترك وطنها وحاولت أن أبث فيهم الرغبة في البقاء وعدم الهجرة لأوطان لا يقطنها سوى الغربان... ثم قصيدة "رؤوف عاطف في شكل خروف" دويتو اخترت له كريم الأحمر، مطرب ذو صوت عذب، وأحمد الصاوي ممثل يتقن التمثيل ببراعة وخفة ظل.. قرأها الاثنان على الجمهور بشكل كوميدي ساخر إذ أنها تتحدث عن الشباب العاطل وحياته الفارغة وقد رأيت أن أقدمها بشكل الكوميديا السوداء.. ثم قصيدة"إخيه" والتي تتحدث عن أكل الشوارع والتلوث واللحوم الفاسدة والمحلات الفاسدة التي تقدمها ويأكلها الناس بمنتهى التلذذ.. لم أجد أنسب من الصاوي ليقدمها وقد طلب أن يغنيها بنفسه على موسيقى قديمة كوميدية كنت على يقين تام بأن الجمهور سيتفاعل مع كلماتها دون أن تطغى عليها حالة التصفيق ولا الموسيقى.. وانتقلت إلى "تعويذة".. فنحن لا ننكر أن في مجتمعنا من يلجأ إلى المشعوذين والدجالين وهي حالة وأمر لا يمكننا إنكاره وقدمتها بنفسي وبالإستعانة ببعض الحُلي الذي تردينه المشعوذات مع وضعي لطريقة الموسيقى الخاصة بها والمؤثرات الصوتية التي تتموج بين الهمهمات والصراخ وأصوات الغربان والذئاب مع إستخدام الدفوف والتورة وكأنها حقاً زار أو جلسة تحضير.. لكن تناولت هذه القصيدة بشكل كوميدي يخطف أبصار وأسماع الجمهور الحاضر.. ومن تلك الحالة إلى رقص التنورة المولوي والصوفي.. تلك الحالة الروحانية التي أحبها في الرقص المولوي بمهارة راقص التنورة المبدع سيد محمد مرسي وضعت قصيدتي الروحانية "نفسي قلبي يقوم يصلي" والتي يتحدث فيها العبد مع ربه في محاولة للخلاص من ذنوبه والعودة للصلاح والهداية والطريق القويم.. وفي هذه القصيدة قدمت الرقص والموسيقى الخاصة بالمولوية التي تُساعد الراقصين على الدوران بالتنانير والتي ألفها ووزعها المبدع محمد زكريا وإشترك فيها كريم الأحمر كمطرب صاحب الصوت الجميل ومي صقر بصوتها العذب وقد شاركتهما بعد الإنتهاء من الإلقاء بالغناء ولأول مرة وقد قمت بخلق أصوات كونية مرددة معهم كلمتي الله ويا رب كذكر بطريقتي تأكيداً على الحالة الروحانية التي أبحرت بجمهوري إليها.. بعد تلك الحالة تركت المسرح للمطربين ليبدعوا ويمتعوا الجمهور بأصواتهم وأغانيهم القديمة التي يحبها الكثير من الحاضرين مثل "لما بدا يتسنى" لمي صقر والأغنية الحديثة "ساعة الآدان" لكريم الأحمر" لأعود بعد ذلك بعدة أشكال فنية متنوعة منها قصيدة "إزاي اتوب" والتي مثلها أحمد الصاوي ببراعة عن مهرج لا يرى الناس من وجهه سوي لحظات السعادة ولا يرون ما خلف الماسك السعيد من تعاسة وألم.. واستعنت بالماكيير المحترف أحمد السمرة لعمل ماسك الوجه الحزين والقناع الضاحك المشابه للماسك تماماً ليتعامل بهم الصاوي على المسرح لتمثيل ما ألقيه من أبيات شعرية وكانت الخلفية الموسيقية هي الأحب والأقرب إلى قلبي وقد ألفها محمد زكريا على الكي بورد وشيماء عبد الحميد على الفلوت وقد برعا فيها كما تمنيت بل وأكثر... أيضاً وضعت مساحة داخل العرض لقصيدتين يربطهما خيطاً واحداً الشهيد أبناءه ووالديه.. الأولى أسميتها " إبني الوحيد" ألقيتها ومعي كريم الأحمر ومي صقر عن حال الأب والأم اللذان فقدا إبنهما على يد إرهابي خسيس والألم لذي يعتصرهما لفراقه .. ومنها إلى قصيدة "حبيبي بابا" عن إبنة شهيد والتي قامت بتمثيلها وآدائها بصوتها وبراعتها ميار والي الفتاة صغيرة السن التي أبهرتني وأبهرت الحاضرين بتمكنها من الإلقاء والبكاء وهي تبحث عن أبيها بين سطور خطاب ترسله له ولا تعلم أنه إستشهد ولن يعود.. وأبحرت ثانية بالجمهور للشعر بدون موسيقى ولا تمثيل ولا غناء في فقرة خاصة بيني وبين الشاعر الطبيب عادل عيد.. صاحب الكلمات المعبرة والجديرة بالإنصات لنصلا معاً إلى قصيدة"قُصة وشنب" التي يحمل إسمها العرض وهي أبيات بين زوج وزوجة يتناحران من أجل إثبات أفضليتهما عن الآخر وعرض عيوب بعضهما على الحاضرين وذل بجمل واقعية رأي فيها الكثيرين والكثيرات أنفسهم ولكن بشكل كوميدي ساخر... وانتقلت إلى خيال الظل الذي أخرجه الفنان الرائع محمد الإكيابي وقصدتي "خريطة الجن الأزرق" والتي أتحدث فيها عن فتاة مسها جن ولم تستعذ بالله وأنساها حياتها وربها وألهاها عن مقاومته بزخرف زائف حتى ماتت.. خيال الظل أبرز المعنى وأوضحه وأكد عليه بشدة وكنت أن بطلة العرض ولأول مرة أقوم بالتمثيل وبخاصة خيال الظل لكن بخبرة الإكيابي إستطعت التمثيل بإحساسي الذي كنت قد ألفت به القصيدة مع نصائح الإكيابي.. ومع الإضاءة والصوت الموسيقى وأصوات الرعب وتلوين صوتي ما بين الخوف والقوة والزار والموت إستطعت تقديمها بشكل مناسب جداً وصل للحاضرين حالة الرعب والترقب والدخول في حضرة الجان والموت وذكر الله.. وأنهيت عرضي بقصيدة خاصة جداً ألفتها لمن يخافون من الصعود على أدراج أحلامهم وتحقيقها.. وأصريت أن أترك نهاية عرضي باباً مفتوحاً للأمل والطموح والسعي وراء تحقيق الأهداف وبدأ الحياة من جديد وطلبت من جميع فريق العمل أن نشارك ونتشارك كلنا في الغناء والعزف تحية منا للجمهور وقوة نؤكد بها على الوحدة وصُنع الأمل بالشراكة والعمل الجماعي.. أتعمد أن تكون حفلاتي متنوعة في مضمونها ولا تسير على قالب أو نهج واحد ولا أكررها وإن كررت بعض القصائد أغير في طريقة عرضها.. وأدرس دائماً برنامجي والذي أخرجه بنفسي بشكل نفسي وأضع نفسي مكان المشاهد لأري كيف سيتأثر نفسياً بهذا العرض.. وأحب كثيراً فكرة التضفير ما بين الحالات النفسية وبعضها والتنويع والتشكيل وبسترة المشاعر ما بين الحب والنفور والحزن والبكاء والضحك والإبتسام والسخرية والجد والواقع والخيال والروحانيات والتصارع بين الذكر والأنثى وفتح الأفق أمام الحاضرين والنهايات الغريبة والمعقولة... في النهاية هي رغبة في الوصول للحاضرين بمنتهى الرقي وبالغوص في تنوعات الإبداع للعمل على تكريث كل جهدي من أجل تغير الشكل النمطي المُعتاد للشعر والخروج به من أزمة الإهمال والرفوف والعمل النخبوي والتململ من حضور الأمسيات والندوات الشعرية لعالم فسيح ينجو به من مجرد كلمات تُلقى في حضور بعض المثقفين والعابرين أو من مجرد كلمات منثورة بين أغلفة الكتب إلى الإنطلاق في أشكال تعبيرية متعددة ومختلفة تُثري الشعر وتُمتع الحاضرين وتؤكد على المعاني التي تحتضنها كل قصيدة وتؤكد أيضاً على فكرة التضفير أو المزج التى من أجلها كانت فكرة "ضفاير"... فحبي لكل أنواع الفنون يجعلني أبحث دائماً عن كل سبيل وكل وسيلة تمتزج بالشعر ليخرُج للجمهور بمشاهد جمالية مؤثرة ولا تُنسى.... ولكم أحببت من صغري الموسيقى والفلكلور المصري والفنون الشعبية والتي منها التنورة وكذلك خيال الظل والمسرح الأسود والعرائس والبانتومايم والبالية وغيرهم.. كل هذه الأشكال من الفنون غرستها الحياة في قلبي ووجداني فلم لا أستغل ما أحببته فيما أكتبه.. ومن هنا أبدأ مع الشعر في إنطلاقة جديدة أضع بها بصمة حب وامتنان على وجهه وأقول أن الشعر أصبح له جمهوراً من الضغار قبل الكبار ومن الشباب قبل البنات وهذا هو النجاح.. هذا هو التكريم.. هذا هو التغيير.. إن كل ما أسمو إليه هو تقديم كلمتي بشكل يرتقي بمشاعر المُتلقي ويحترم مجيئه خصيصاً ليستمع إلى أشعاري فلم لا أسعده بكلمة ممزوجة بعدة أشكال من الفنون البصرية والسمعية ليخرج من عروضي وقد شعر بإشباع تعطشه للفن الراقي وأرى كلماتي وقد مست وجدانه وتأثر بها وحفظها لقربها منه.. ودائماً أستعين لإتمام رسالتي هذه مجموعة من المبدعين المحبين للفن ممن يحترمون الجمهور ويحترمون الشعر والأفكار البناءة الحديثة ويحترمون أفكاري وأحترم إبداعاتهم وأرى فيها ما يعُطي الصورة شكلاً به تكتمل.. تلك التي أقدمها للجمهور فيسعد وسعادتهم هي شهادة دكتواره تُسند إلىّ في نهاية كل حفل..