ظهر نجم اللواء خليفة حفتر بعد العمليات التي شنها قبل أسبوع في شرق ليبيا ضد الميليشيات الإخوانية والتابعة لتنظيم القاعدة، وكثرت التساؤلات حول تلك الشخصية التي امتلكت الجرأة على اتخاذ الخطوة الأولى والحاسمة ضد الوجود المتشدد والمتطرف للإخوان في ليبيا، فمن هو ذلك القائد العسكري؟ اللواء المتقاعد خليفة حفتر هو مواطن ليبي من بنغازي، بدأ حياته العسكرية في ظل نظام ملكي كان يحكم ليبيا في أوائل القرن الماضي، وفي عام 1969 كان واحدا من مجموعة ضباط صغار يقودهم القذافي، حيث أطاح بالملك إدريس وثبت نفسه في السلطة، وبقي 42 عاما حاكما لليبيا. وبعد مرور عقدين من الزمن تحول حفتر من حليف للقذافي إلى قائد معارض، ورأى مراقبون أن هذا التحول جاء نتيجة للحرب الطويلة والكارثية في تشاد التي امتدت من 1978 إلى 1987 والتي نفذتها قوات الجيش الليبي. وفي السنة الأخيرة ألقت القوات التشادية القبض على حفتر والوحدة العسكرية التي يقودها، وتنصل حينها القذافي منه، وزعم أن قوات حفتر ليست جزءا من الجيش الليبي، مما دفع به وقواته إلى السجن في تشاد. فترة السجن التي قضاها حفتر من أكثر المناطق غموضًا في حياته، وكثرت حولها الأقاويل، ولكن ما تم نشره في التسعينات دار حول أن أمريكا ضاقت بمغامرات القذافي في أفريقيا، وأرادت التخلص منه، فتوسطت لإطلاق سراح حفتر، لينشئ بعدها الجيش الوطني الليبي، وقوامه 350 مقاتلًا. بعد ذلك قضى حفتر حياة هادئة في ضواحي ولاية فيرجينيا امتدت لعشرين عامًا في بلدة فولز تشيرز، ليعود بعدها إلى ليبيا قائدا للتمرد ضد القذافي، وانضوى تحت لوائه كثير من الفصائل الليبية المتمردة، ولكن بعد الإطاحة بالقذافي انقسمت تلك الفصائل، وبدعم من قطر وتركيا تضخمت الميليشيات الإسلامية، واستطاعت تجنيد الكثير من أبناء القبائل في شتى أنحاء ليبيا. عام 2011 نشرت سي إن إن مقابلة مع سفير ليبيا في واشنطن علي أوجلي وكان داعما للثورة الليبية، نفى علمه المؤكد حول ما إذا كانت السي آي إيه تدعم حفتر، ولكنه قال: "إن الأمريكيين يعرفونه جيدًا". بعد انتفاضة 2011 ضد القذافي كافح حفتر ولكن دون جدوى للسيطرة على قوات المتمردين في ليبيا خلال الأشهر التي تلت الانتفاضة في 2011، وبعد الإطاحة بالقذافي اختفى اللواء المتقاعد بشكل تدريجي من المشهد السياسي. يقول مراسل "فرانس 24" موضحا موقف حفتر بعد نجاح التمرد المسلح ضد القذافي أن أنصاره في الجيش أرادوا أن يكون حفتر هو رئيس الأركان، ولكن الحكومة المؤقتة "المجلس الوطني الانتقالي" لم يمنح الثقة في حفتر، ولم يعترف رسميّا بالخطوة التي قام بها الكثير من أنصاره، وهم ذوو مناصب رفيعة في الجيش الليبي، وفقا لتفسير مراسل القناة الفرنسية فإن السلطات الجديدة كانت قلقة من طموح حفتر. واستفاد الإخوان والإسلاميون من تاريخ القمع الذي رزحوا تحته في عهد القذافي، لكسب شعبية في أول انتخابات حرة في ليبيا، ولكن الإخوان حاولوا داخل البرلمان فرض سيطرتهم، بمساعدة من الميليشيات الإسلامية، وتم فرض قوانين بقوة السلاح، ولهذا تقاعست الحكومة المنتخبة في محاربة الميليشيات الإسلامية، بل وأوكلت لها مهمة الحفاظ على الأمن، مثل غرفة الثورة الليبية ودرع ليبيا، الأمر الذي أثار حفيظة القبائل الأخرى التي كانت في دائرة مقربة من القذافي، أو الأخرى التي لم تنضوِ تحت جناح الإخوان والقاعدة. ولكن بعد أن كشف الشعب الليبي حقيقة الإخوان، وأن البرلمان الذي انتخبوه لم يمثل طموحاتهم في الرفاه الاقتصادي، والأمن، والحريات، وتغاضى البرلمان عن سفك الدماء الذي تقوم به الميليشيات، وتحدثت منظمة العفو الدولية عن عمليات قتل وتهجير جماعي قامت بها ميليشيات قبائل وإسلامية في جنوب ليبيا، لتغيير الخريطة الديموجرافية في ليبيا، وانتقدت المنظمات الحقوقية الدولية سياسة الإفلات من العقاب التي تشجع القاعدة في شرق ليبيا وطرابلس على ممارسة قتل ممنهج ضد كوادر الجيش والشرطة. كل تلك الأسباب ساهمت في ارتفاع شعبية حفتر، ليس بين الجيش فحسب، ولكن بين كثير من أبناء الشعب الليبي الذي أحبطه البرلمان، خاصة بعد التمثيلية الهزلية التي تم فيها تعيين أحمد معيتيق المحسوب على جماعة الإخوان، ومد البرلمان لنفسه فترة أخرى فوق ما يسمح به الدستور، رغم التظاهرات التي خرجت في شوارع طرابلسوبنغازي تطالب بعدم مد فترة ولاية البرلمان. تجمعت تلك الأسباب لتهيئ المناخ لتدخل الجنرال خليفة حفتر في شرق ليبيا، وسرعان ما انضم له قوات من الجيش، وتباينت ردود فعل الداخلية، وناصرته كثير من القبائل والميليشيات التي تضررت كثيرا من انعدام الأمن، واستقواء الإسلاميين بأسلحتهم، ونشر التشدد والفزع والتطرف الديني بين جموع الشعب الليبي.