تحتفل شعوب القارة الأفريقية كل عام فى 25 مايو بيوم أفريقيا، الذى يوافق ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، وهو الحدث الذى وضعت فيه اللبنات الأولى لتحويل الأمال الأفريقية إلى واقع ملموس مزود بأليات كفيلة بتطبيقه من خلال منظمة الوحدة الأفريقية والتى تحولت لاحقا إلى الأتحاد الأفريقى فى 9 يوليو 2002 خلفا لمنظمة الوحدة الأفريقية ويتخذ أهم قراراته فى اجتماع نصف سنوى لرؤساء الدول وممثلى حكومات الدول الأعضاء. وكانت القارة الأفريقية على موعد مع القدر عندما نجحت ثورة 23 يوليو عام 1952 بمصر فى إطلاق ندءات التحرر لترتج من صداها جنبات القارة بأسرها، وسرعان ما تحول الصدى إلى حركة وفعل حاول بها أبناء القارة أن يعوضوا ما فاتهم منذ قرون فتهاوت قلاع الاستعمار فى القارة وبدأ حلم الوحدة فى التحقق بتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية على يد عدد من القادة أمثال الرئيس جمال عبد الناصر، وجوليوس نيريرى، ونكروما، وهيلاسيلاسى. ويأتى الاحتفال بيوم أفريقيا كل عام تأكيدا لصدق واستمرارية الكفاح الأفريقى وتذكرة دائمة بأن أبناء القارة ماضون فى طريقهم نحو تحقيق الحرية والرخاء والأستقرار. منظمة الوحدة الأفريقية وكانت منظمة الوحدة الأفريقية أهم تنظيم سياسى شهدته أفريقيا فى ذلك الوقت، وحددت لنفسها يوم تأسيسها أهدافا وطموحات هى تحرير القارة نهائيا من الاستعمار، والقضاء على التخلف الاقتصادى، وتوطيد دعائم التضامن الأفريقى، والارتقاء بالقارة إلى المكانة التى تليق بها على ساحة صنع القرارات الدولية، وتطوير الوحدة الأفريقية وتضامن دولها، وقد ارتفع عدد الدول الأعضاء فى المنظمة من 30 دولة سنة التأسيس إلى 53 دولة فى عام 1980، إلا أن المغرب انسحبت من المنظمة عام 1984 احتجاجا على اعتراف المنظمة وقبولها لعضوية الجمهورية الصحراوية. وفى ظل عمل منظمة الوحدة الأفريقية بلغت حركات التحرر أوجها ونالت الكثير من الدول الأفريقية استقلالها عن الاستعمار الأجنبى.. واليوم لا توجد دولة واحدة تخضع لأى شكل من أشكال الاستعمار، كما أقرت المنظمة منذ قمتها الأولى التى عقدت بالقاهرة عام 1964 مبدأ الحدود المتوارثة من الاستعمار مهما تكن حدودا مصطنعة على اعتبار أن فتح الباب أمام إنشاء حدود جديدة سيؤدى إلى صراعات لا تنتهى بين الدول الأفريقية نفسها. ورغم الصعوبات التى واجهت عمل المنظمة فى توحيد كلمتها من جراء المصالح المتناقضة التى توجه سياسات هذه الدول، فقد تمكنت فى جميع الأحوال من الاضطلاع بدور الحكم الفعال فى عدد من النزاعات الأفريقية الداخلية، ومع انفجار العديد من الصراعات الأثنية والحروب الأهلية فى القارة حاولت المنظمة البحث عن أطر لتسوية المنازعات فى أفريقيا حيث أقرت عام 1993 فى القمة الأفريقية بالقاهرة الألية الأفريقية لفض المنازعات. ورغم عجز هذه الألية حتى الوقت الحاضر عن القيام بدور فاعل فى تسوية المنازعات الأفريقية، إلا أنها تشكل فى النهاية تعبيرا أفريقيا جماعيا عن الرغبة فى مواجهة مثل هذه المنازعات فى إطار أفريقى جماعى. وعبرت المنظمة عن إصرارها على تحقيق هدف التنمية الاقتصادية القارية، حيث تم خلال فترة عمل المنظمة إقرار العديد من المعاهدات والاتفاقيات الاقتصادية مثل المعاهدة المؤسسة للجماعة الاقتصادية الأفريقية عام 1991 معاهدة أبوجا، وذلك فى مدة أقصاها 34 عاما من تاريخ إيداع وثائق التصديق عليها لدى الأمانة العامة لمنظمة الوحدة الأفريقية، ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ فى مايو عام 1994، وتأسيس عدد من التجمعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية مثل تجمع الكوميسا لدول شرق وجنوب أفريقيا عام 1994، و"السادك" تجمع دول جنوب أفريقيا، و"الإيكواس" لدول غرب أفريقيا. ومن ناحية أخرى، تم إقرار اتفاقية القضاء على الإرتزاق بالقارة عام 1970، واتفاقية جعل أفريقيا منطقة خالية من الأسلحة النووية عام 1996، ومعاهدة الجزائر لمنع ومكافحة الإرهاب عام 1999، وغير ذلك من المواثيق والبروتوكولات. وقد لعبت منظمة الوحدة الأفريقية دورا مهما فى إثراء الحياة الثقافية الأفريقية مثل تنظيم أول مهرجان ثقافى أفريقى فى الجزائر عام 1969، وأول ورشة عمل حول الفلكلور الأفريقى والرقص والموسيقى الأفريقية فى الصومال عام 1970. ويرى المراقبون أنه رغم مضى أكثر من نصف قرن على إنشاء المنظمة مازال هناك الكثير من أحلام القارة السمراء لم تتحقق حتى الأن، فخلال المشوار الطويل لتلك المنظمة ورغم الإنجازات والطموحات التى داعبت مخيلات الزعماء الأفارقة وشعوبهم، إلا أن النتائج جاءت متواضعة ذلك أن المنظمة لم تكن لها سلطة فعلية، ولم تنجح فى ترجمة كل شعاراتها إلى إنجازات إلا فى حدود ووفق الإمكانيات. مرحلة جديدة لعمل المنظمة وانتقل عمل المنظمة إلى مرحلة جديدة بقيام الاتحاد الأفريقى عام 2002، الذى وصفه القادة والرؤساء الأفارقة بأنه إنجاز مهم وتاريخى، بوضع أليات عمل طموحة كرست حق التدخل الذى كان من المبادىء المرفوضة سابقا، كما لم يتردد فى تعليق عضوية عدد من الدول الأفريقية وفرض عقوبات عليها بسبب ما عاشته من تغييرات سياسية عن طريق الإنقلابات لا بالتداول السلمى للسلطة، كما نجح الاتحاد فى إرسال قوة عسكرية للصومال عام 2007 لمواجهة حركة شباب المجاهدين المسلحة إلا أن منتقدى التجربة يعيبون على هذه القوات كونها ممولة من طرف قوى غربية. ويرى المراقبون أنه إلى جانب المشاكل المالية التى تواجه الاتحاد ثمة خلافات عميقة بين الدول الأعضاء، أما الإندماح السياسى واقتصادى للقارة يبقى فى الوقت الراهن مجرد أمانى، كما أن العملة الأفريقية الموحدة مازالت مشروعا طويل الأمد، ومن مؤشرات هذه المرحلة أيضا التنافس المتنامى بين القوى العالمية على الظفر بموقع قدم فى أفريقيا، وفى نفس الوقت فإن التغييرات التى شهدتها دول شمال أفريقيا العربية ألقت بظلالها على سير عمل الاتحاد. وأمام القادة الأفارقة اليوم هدفا يسعون لتحقيقه، وهو قارة خالية من الفقر والنزاعات والأمراض والتلوث ينعم فيها مواطنيها بمتوسط للدخل مرتفع، وأكد المراقبون أن زعماء العالم لو أوفوا بالوعود التى قدموها لكانوا ساعدوا ملايين الأفارقة فى الخروج من سجن الفقر والمرض الذى يعيشون فيه. وفى المقابل، على الدول الأفريقية ضرورة التوصل إلى حلول سلمية للأزمات والصراعات فى القارة فلا يمكن إحراز التقدم فى أى مجال فى غياب السلم والأمن لأنهما شرطان أساسيان لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. احتفال مصر بيوم أفريقيا وتحرص مصر على الاحتفال بيوم أفريقيا لتنشيط ذاكرة الأجيال بشأن ارتباط مصر بأفريقيا، فلم تكن مصر بعيدة عن إرهاصات ومقدمات تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية أو صياغة ميثاقها أو لحظة ميلادها.. فمصر إحدى الدول المؤسسة للمنظمة فى 25 مايو 1963، واستضافت أول قمة أفريقية على أرضها فى يوليو 1964 وكان لها دور كبير وصوت مسموع فى كل القضايا الأفريقية، وعندما ظهرت الحاجة إلى تطوير عمل منظمة الوحدة الأفريقية شاركت مصر مع الزعماء الأفارقة فى إصدار إعلان سرت الذى دشن إقامة الاتحاد الأفريقى ليحل محل منظمة الوحدة الأفريقية. ومع التطورات المتلاحقة التى شهدتها مصر عقب ثورة 30 يونيو اتخذ مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى قرارا بتعليق مشاركة مصر فى أنشطة الاتحاد، وهو إجراء روتينى ينتهى بمجرد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث يكون لدى مصر مؤسسات ديمقراطية منتخبة. ورأى المراقبون أن اهتمام مفوضية السلم والأمن التابعة للأتحاد الأفريقى بإنهاء ظاهرة الاستيلاء على الحكم فى الدول الأفريقية بالقوة المسلحة أمر تحتاج إليه الشعوب الأفريقية التى عانت طويلا من ظاهرة الإنقلابات وما تتسبب فيه من تبديد للموارد وتخلف التنمية وتدهور مستويات المعيشة وتفجر الصراعات القبلية والعرقية على السلطة، مؤكدين أنه يتعين التمييز بين إنقلاب يقوم به عسكريون للإطاحة بنظام حكم مدنى منتخب وتولى الحكم بدلا منه، وبين انتفاضة شعبية مثل ثورة 30 يونيو شارك فيها ملايين البشر مطالبين بإسقاط النظام، واكتفى الجيش خلالها بالانتشار فى الشوارع لمنع حمام دم متوقع. وبرغم قرار تعليق مشاركة مصر فى أنشطة الاتحاد الأفريقى، إلا أن مصر استمرت فى دعم علاقاتها مع أشقائها الأفارقة وتحركت فى جميع الاتجاهات لحشد التأييد اللازم لألغاء هذا القرار فى أسرع وقت ممكن وشرح حقيقة الثورة الشعبية التى جرت وأطاحت بنظام حكم فاشل، وكذلك الخطوات المستمرة لتنفيذ خريطة المستقبل. وأصبحت هناك مؤشرات قوية الأن على تفهم العديد من الدول الأفريقية للموقف المصرى والصورة الحقيقية داخل الشارع المصرى، وتأييد قوى للعودة لممارسة كامل النشاط المصرى داخل الاتحاد الأفريقى الذى كان لمصر دور محورى فى تأسيسه، وجاء هذا التحول نتيجة الجهود الدبلوماسية المصرية المتمثلة فى زيارة وزير الخارجية نبيل فهمى لبوروندى، وجولات رئيس الوزراء إبراهيم محلب لكل من تشاد وتنزانيا ثم غينيا الإستوائية. وقد جعلت كل تلك التحركات وفد الاتحاد الأفريقى الأخير إلى مصر برئاسة ألفا عمر كونارى يشدد على أن أفريقيا بحاجة إلى مصر وقيادتها، وأن مسألة إنهاء تعليق مشاركة مصر فى الاتحاد الأفريقى ما هى إلا مسألة وقت.. كل تلك المواقف تؤكد مدى عمق العلاقات المصرية الأفريقية، وأنها بدأت فى العودة إلى مسارها الصحيح، وهذا ليس جديدا فقد كانت الدائرة الأفريقية إحدى الدوائر المهمة فى فكر وعقل مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952.