يبدأ الناخبون اليوم في مختلف دول الاتحاد الأوروبي التوجه إلى صناديق الاقتراع، ولمدة أربع أيام، لاختيار نوابهم البالغ عددهم 751 في البرلمان الأوروبي للخمس سنوات القادمة.. ويشارك في انتخابات هذا العام نحو 500 مليون ناخب أوروبي. ويتعين على أي حزب الحصول على 376 مقعد لتحقيق الأغلبية. وتعد هذه الانتخابات هي الثامنة من نوعها منذ عام 1979 وهو العام الذي لم يعد فيه البرلمان مجرد هيئة استشارية بل تعززت صلاحياته وأصبح يتم انتخاب أعضائه للمرة الأولى بالاقتراع العام المباشر. وتكتسب الانتخابات هذه المرة أهمية خاصة للعديد من الأسباب أهمها أنها تأتي في ظل حالة الاستياء التي تسيطر على غالبية الشعوب الأوروبية من تفاقم الأزمة الاقتصادية وسياسات التقشف التي لم تنجح في تحسين الأوضاع الاقتصادية والنهوض بها. ورغم التصريحات التي يدلي بها المسئولون الأوروبيون من أن السياسات المتبعة قد نجحت بدرجة كبيرة في معالجة الأزمة غير أن الصورة بشكل عام تعكس استمرار هشاشة الواقع الاقتصادي في القارة الأوروبية. فالتوقعات الاقتصادية لهذا العام تكشف أن معدل النمو المتوقع أن يسجله الاتحاد الأوروبي في 2014 يبلغ نحو 1,6%، وهو ما يجعله في مرتبة متأخرة عن الصين التي يتوقع لها أن تحقق نمواً 7.5% والهند 5.4% و الولاياتالمتحدةالأمريكية 2,8%. إضافة لذلك فإن معدلات البطالة لاتزال مرتفعة في دول الاتحاد حيث يوجد 26,6 مليون شخص عاطل عن العمل و125 مليون آخرين مهددين بالفقر، وهو ما يشكل ضغطا اجتماعيا مستمر على المواطنين الأوروبيين. الأحزاب المناهضة لأوروبا ونتيجة لما سبق تزايدت حالة الاستياء التي يشعر بها المواطنون تجاه الاتحاد الأوروبي وأصبح هناك أزمة ثقة واضحة إزاء المؤسسات الأوروبية، وهو ما يرجح ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت خلال الانتخابات الحالية. كماساهمت سياسات التقشف في تراجع ثقة المواطنين إزاء أعضاء البرلمان الأوروبي وقدرتهم على قيادة أزمات الاتحاد. فعلى سبيل المثال انخفضت نسبة الثقة فى أعضاء البرلمان والرضى عن أدائهم فى اليونان من 32% عام 2010 إلى 19% عام 2013، وفى أسبانيا انخفضت النسبة من 59% عام 2008 إلى 27% عام 2013. وتسبب الوضع السابق في تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب المناهضة للمشروع الأوروبي والتي ارتفعت نداءاتها في الفترة الأخيرة مطالبة بضرورة الخروج من هذا الاتحاد الذي كان السبب الرئيسي وراء الأزمة المالية التي تعاني منها الشعوب. وعملت هذه الأحزاب على استغلال الأزمات الحالية للقارة الأوروبية، كأزمة الدين والشعور بالخوف من المهاجرين المسلمين والاستياء من المؤسسات السياسية للحكومات الحالية وأدائها المتردي، وذلك لإرغام الأحزاب المعتدلة على تبنى منحى يميني. واتفق عدد كبير من المراقبين على أن تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المشككلة في الاتحاد الأوروبي يعد من أكبر التحديات التي تواجهها الانتخابات الحالية للبرلمان. ويستند هذا الفريق في رأيه إلى تمكن تلك الأحزاب خلال السنوات الأخيرة من تحقيق نتائج متقدمة في الكثير من الدول الأوروبية التي عانت من تداعيات الأزمة الاقتصادية والسياسات التقشفية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا، بزعامة مارين لوبان، الذي تكمن من الفوز في 11 بلدية خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت في فرنسا في مارس الماضي. وفي هذا السياق توقعت لوبن أن يحصل حزبها على ما يكفى من الأصوات فى انتخابات البرلمان الأوروبى لتشكيل تكتل مع أحزاب أخرى خاصة وأنها قامت بالفعل في نوفمبر الماضي بالتحالف مع حزب الحرية الهولندي بزعامة جيرت فيلدرز. وتكشف استطلاعات الرأي في العديد من الدول الأوروبية تصاعد شعبية الأحزاب المناهضة للمشروع الأوروبي. ففي فرنسا على سبيل المثال أوضحت الاستطلاعات تصدر حزب لوبن نتائج الانتخابات متقدما على الحزب الاشتراكي الحاكم و حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية. ولاقى شعار حزب لوبن في الانتخابات الأوروبية " نعم لفرنسا لا لبروكسل" تجاوبا واسعا من قبل الفرنسيين حيث يعتقد 59% من الفرنسيين أن الوحدة الأوروبية والعملة الموحدة "اليورو" هما أهم أسباب التدهور الاقتصادي في بلادهم. وفي إسبانيا كشف آخر استطلاع للرأي أجراه مركز علم الاجتماع الأسباني أن الحزب الشعبي اليميني هو الأوفر حظا في الانتخابات الأوروبية حيث من المتوقع أن يحصل على 33.7% من الأصوات. أما في بريطانيا فقد أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدم كبير لحزب الاستقلال البريطاني اليميني المؤيد للانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ولا تختلف المؤشرات عن ذلك كثيراً في عدد من الدول الأوروبية. ويؤكد أنصار هذا الفريق أن ضعف المشاركة في الانتخابات الحالية من ناحية وتعاظم نفوذ والمعارضين للاتحاد الأوروبي داخل البرلمان من ناحية أخرى قد يزيد من تعقيد وتعطيل عمل المؤسسات الأوروبية خلال الفترة القادمة. في مقابل ذلك يرى فريق آخر من المراقبين أنه على الرغم من أن التوقعات الأولية تشير إلى احتمالات ارتفاع نسب الامتناع عن التصويت وتقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة والمشككة بأوروبا إلا أن الأمر لا يعني بأي حال من الأحوال حدوث "زلزال سياسي" قد يؤدي إلى تغير جذري في تركيبة الاتحاد الأوروبي أو يضع مصيره على المحك. ويقول هذا الفريق إنه حتى وإن كان فرضية صعود هذه الأحزاب فى الانتخابات الحالية مبنية على توقعات خاصة بنتائج الانتخابات التى جرت مسبقا خلال العشرة أشهر الماضية فى بعض دول أوروبا، فإن ثمة مستجدات كبيرة لا تزال تطرأ على الساحة يمكن أن تغير تلك التوقعات جذريا لاسيما فى المرحلة الحالية. وتكشف نظرة متأنية على المشهد الأوروبي أنه من بين 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبى ال 28 حققت أحزاب اليمين المتطرف فوزا بمعدل 1٪ فقط من مجمل نتائج التصويت فى كافة الانتخابات القومية أو المحلية التى جرت فى الفترة ما بين 2005 و2013، وأنها لم تحقق ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية إلا فوزا انتخابيا وبنفس هذا المعدل فى 10 دول أوروبية فقط. وتوقع هذا الفريق أن تحصد الأحزاب المؤيدة لأوروبا أكثر من 70% من المقاعد. أما فيما يتعلق بمزاعم البعض بأن اتفاق اليمينيين لوبان الفرنسية و فيلدرز الهولندى على تشكيل تحالف قبيل الانتخابات، يمكن أن يعطى زخما للحركات المناهضة للاتحاد فى القارة الأوروبية ويعزز قبضة نواب اليمين المتطرف فى البرلمان الأوروبى فيرى هذا الفريق من المراقبين أن هذا الأمر يتعذر تحقيقه على أرض الواقع حيث أنه لابد للحزبين من مساندة أحزاب من خمس دول أخرى على الأقل حتى يتمكنا من تشكيل الكتلة البرلمانية. كما يرى هذا الفريق أنه رغم استياء المواطنين من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دولهم ولا تستطيع التعافي منها غير أنه يرى أن الكثيرين يجمعون على أن الاتحاد الأوروبي يعد أحد أهم الإنجازات التي تمت خلال القرن العشرين. فجميع الأهداف التي وضعت في الخمسينات قد تم تحقيقها. ويعد الاتحاد مشروع سلام ناجح وواقعي وتمكن خلال الستين عاما الماضية من إثبات أن الوحدة الأوروبية هي الطريق الصحيح. أهمية انتخابات برلمان أوروبا وترجع أهمية البرلمان الأوروبي إلى الصلاحيات التي يتمتع بها، حيث أنه يعد من أقوى الهيئات التشريعية في العالم. فمن ناحية يشارك البرلمان في سن القوانين المتعلقة بحياة السكان الأوربيين وبالتالي يصبح للنواب الأوروبيين رأي في القضايا الداخلية للسوق، والحريات المدنية، والحقوق الأساسية كما يحق أيضا للبرلمان الأوروبي أخذ بعض المبادرات في مجالات أخرى لها علاقة بالتشريع. ويحدد البرلمان، بمشاركة مجلس الاتحاد الأوروبي، الميزانية السنوية العامة للاتحاد. إضافة لذلك فهو يقوم بمراقبة جميع الخطوات المتبعة من أجل تعيين رئيس المفوضية الأوروبية ويملك صلاحية حظر أو وقف أعمال هذه المفوضية. كما أن للبرلمان تأثير كبير على السياسة الخارجية للاتحاد بأكمله، فلابد من موافقة البرلمان الأوروبى على المنح المقدمة للدول التى يرتبط معها الأتحاد باتفاقيات شراكة، وهو الأمر الذى من شأنه التأثير بشكل مباشر على علاقة أوروبا بهذه الدول. ويملك كل مواطن أوروبي الحق في الترشح لخوض غمار الانتخابات الأوروبية، شرط أن يبلغ عمره 18 سنة على الأقل فضلا عن أنه ينبغي أن يملك حق الترشح والانتخاب في بلده الأصلي ولا يشغل مناصب لا تتناسب مع عمله كنائب في البرلمان الأوروبي. ويرتبط عدد النواب الذي يحصل عليه كل بلد من الاتحاد الأوروبي في البرلمان بكثافته السكانية. فألمانيا مثلا تملك أكبر عدد من السكان ويكون لها 96 نائبا في البرلمان. أما فرنسا التي تأتي في المرتبة الثانية فتحصل على 74 نائبا ثم إيطالياوبريطانيا 73 نائبا على حدة. أما الدول صغيرة الحجم، مثل قبرص ولوكسمبورغ وإستونيا ومالطا فلن يتجاوز عدد ممثليها 6 نواب.