لا شك أن الحروب تؤثر على حياة الشعوب، وينعكس هذا التأثير على الحركة الأدبية والأدباء الذين يعايشون الحرب، ولهذا نجد العشرات، بل والمئات من الأعمال الأدبية التي تناولت أثر الحرب على النفس البشرية، سواء من خلال الأعمال الروائية والسياسية، والاجتماعية، أو حتى على مستوى الأشعار والأعمال الفنية التشكيلة، وهنا يستحضرني قول الرسام البريطاني فرانسيس بيكون حينما قال: «لقد عاصرت الحرب العالمية الأولى والثانية وهيروشيما وتريدون مني أن أرسم زهرة» ولهذا نجد أن أثر تلك الحروب وهذا التمزق الذي تفعله الحروب بالنفس البشرية انعكس بشكل كبير على أعماله وعلى أعمال غيره من الفنانين التشكيليين. «رجال في الشمس» ومعاناة ثلاث رجال في الهروب خلال نكبة فلسطين "رجال في الشمس" هي الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، الرواية تصف تأثيرات النكبة سنة 1948 على الشعب الفلسطيني من خلال أربعة نماذج من أجيال مختلفة، تدور أحداث الرواية حول ثلاثة رجال من فلسطين يعيشون واقعاً صعباً مرّاً ويحاولون الهرب منه إلى مكانٍ أوسع. وتطورت أحداث الرواية عام 1958 عندما اتَّفق هؤلاء الرجال مع شخصٍ ليهرِّبهم من الحدود بين العراق والكويت، وبدأت معاناتهم منذ صعودهم بالشاحنة المخصصة لنقل المياه، إذ كان يوجد خزان كبيرٌ في مؤخرة الشاحنة، فكان الاتفاق مع السائق أن يختبؤوا في الخزان عند المرور بنقطة التفتيش، ويخرجوا بعدها من برد الأمل وسلامه إلى حرارة الشمس ولهيب شهر أغسطس.. ولكن ماذا سيحدث لهم وهل سيصلون إلى هدفهم أم للقدر رأي آخر؟. وقد جسد المخرج الكبير توفيق صالح هذه الرواية فى فيلمه الرائد "المخدوعون". ومن أجواء الرواية، نقرأ: نهض، واستند إلى الأرض بكوعيه وعاد ينظر إلى النهر الكبير كأنه لم يره قبل ذلك، إذن هذا هو شط العرب: "نهر كبير تسير فيه البواخر محملة بالتمر والقش كأنه شارع في وسط البلد تسير فيه السيارات" هكذا صاح ابنه، قيس، بسرعة حين سأله تلك الليلة: ما هو شط العرب؟.. كان يقصد أن يمتحنه، إلا أن قيس صاح الجواب بسرعة، وأردف قائلاً :لقد رأيتك تطل من شباك الصف اليوم..
روايات عالمية جسدت أحداث الحرب العالمية الأولى والثانية.. وإحدى الروايات صدرت أثناء حرب فيتنام ولا يزال يباع منها أكثر من مئة ألف نسخة سنوياً رواية "الفسكونت المشطور" ل"إيتالو كالفينو" والتعبير عن معانٍ عميقة الرواية ترجمة أماني فوزي حبشي، مراجعة محب سعد. وتدور أحداثها حول الفسكونت «مداردو»؛ الجنديِّ الباسل الذي ينتمي إلى أعرق العائلات في جنوة، وبأمرٍ من الإمبراطور شارَك «مداردو» في المعركة الدائرة ضدَّ الأتراك، وأثناء القتال أُصِيب بقذيفة شطرَته طولًا إلى نصفَين، فصار كلٌّ منهما في ناحية، حتى ظنَّ رفقاؤه أنه فارَق الحياة، ولكن ما أثار استغرابَهم ودهشتَهم أنه نجا، ليَحيا بنصف جسد. وعلى الرغم من خرافية أحداثها وغرابتها، فإنها تحمل في طيَّاتها رسائل ومعاني عميقة. «لو صرتَ نصف نفسك، وأتمنى لك هذا يا غلام، فستفهم أشياءَ تَفوق الذكاء العادي للعقول الكاملة، ستفقد نصفك ونصف العالَم، ولكن النصف الباقي سيكون أعمقَ وأكثر قيمةً ألف مرة».