«الفاتورة على الزبون».. تحقيق يكشف سر التلاعب بأرقام السيريال في سوق المحمول المصري

بينما يسعى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات إلى ضبط سوق الهواتف المحمولة وتطبيق نظام تسجيل عبر تطبيق «موبايلي»، تتزايد شكاوى المستهلكين من ممارسات غير قانونية في بعض محلات بيع المحمول. أخطر هذه الممارسات هو التلاعب في أرقام IMEI أو السيريال نمبر الخاصة بالهواتف، بهدف التهرب من الرسوم والضرائب. لكن النتيجة النهائية أن المستهلك العادي يجد نفسه في مواجهة مشكلات مالية وقانونية، بل قد يفقد هاتفه أو يُحظر من الشبكات دون أن يكون له ذنب.
كيف يتم التلاعب في أرقام IMEI؟
وبحسب شهادات متضررين وخبراء في سوق المحمول، يستخدم بعض التجار برامج وأدوات غير شرعية لتغيير أرقام IMEI الخاصة بالهواتف المستوردة أو المستعملة. وبعد ذلك يقومون بتسجيل الأجهزة عبر تطبيق «موبايلي» وكأنها أجهزة جديدة أو معفاة من الضريبة.
ويقول المهندس أحمد راضي، خبير في شبكات المحمول: «التلاعب بال IMEI ليس مجرد مخالفة ضريبية، بل جريمة تقنية تؤثر على سوق الاتصالات ككل. المشكلة أن المستهلك العادي لا يملك الوسيلة لاكتشاف التزوير عند لحظة الشراء، فيقع فريسة للاستغلال».
لماذا يلجأ التجار إلى هذه الحيلة؟
الدوافع واضحة: التهرب من الضريبة وتحقيق هامش ربح أكبر. فالتاجر الذي يبيع هاتفًا دون تسجيله رسميًا عبر القنوات الشرعية يتجنب دفع رسوم الدولة، ويبيع الجهاز للمستهلك بسعر أقل نسبيًا، ما يجذب المشترين.
ويضيف (م. راضي): «هناك أيضًا من يبيع أجهزة مستعملة أو مُجددة على أنها جديدة، وبالتلاعب في الرقم التسلسلي، يصبح من الصعب تتبع مصدر الجهاز أو تاريخه».
المستهلك هو الضحية الأولى
رغم أن التلاعب يجري في أروقة المتاجر، إلا أن المستهلك هو الذي يتحمل التبعات. وتتمثل أبرز الأضرار في:
دفع ضريبة إضافية لاحقًا عند اكتشاف المخالفة.
فقدان الضمان وخدمات ما بعد البيع، لأن الرقم المزور لا يتطابق مع سجلات الشركة المصنعة.
حظر الجهاز من الشبكة إذا ثبت أن الرقم مكرر أو غير صحيح.
خسائر مالية في حال محاولة إعادة بيع الجهاز.
ويقول محمود عبد الحميد، أحد المتضررين: «اشتريت هاتفًا من محل شهير في وسط البلد، وبعد شهر تلقيت رسالة بأن جهازي غير مسجل وسيتوقف عن العمل. لما راجعت الجهاز القومي للاتصالات اكتشفت أن الرقم مختلف عن العلبة. دفعت ضريبة جديدة عشان يتسجل رسمي، وأنا أصلاً ماليش ذنب!
أرقام غير رسمية
بحسب مصادر في سوق المحمول، فإن نسبة كبيرة من الأجهزة المتداولة في الأسواق الشعبية يتم بيعها بطرق غير شرعية، وبعضها لا يمر عبر المنافذ الجمركية الرسمية. هذا ما يفتح الباب أمام سوق موازية تستفيد من ثغرات التسجيل وتُدخل الأجهزة للمستهلكين دون رقابة.
الجهاز القومي للاتصالات: إجراءات مرتقبة
وقال مصدر مسؤول في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لمحررنا:
«نحن نتابع هذه الشكاوى عن كثب، وهناك خطة لتشديد الرقابة على محلات المحمول والتأكد من مطابقة أرقام IMEI قبل السماح ببيع الأجهزة. كما نعمل على تطوير خدمة تحقق إلكترونية تتيح للمستهلك الاستعلام عن حالة الجهاز بنفسه عبر تطبيق أو موقع رسمي».
وأضاف المصدر: «التلاعب في أرقام IMEI يُعد جريمة يعاقب عليها القانون، والإجراءات القانونية ستتخذ بحق أي محل يثبت تورطه.»
كيف تحمي نفسك كمستهلك؟
لحماية نفسك من الوقوع ضحية للتلاعب، يقدم الخبراء مجموعة من النصائح:
1. اطلب فاتورة ضريبية رسمية مختومة باسمك ورقم الجهاز.
2. *تحقق من رقم IMEI عبر الكود #06# وطابقه مع الرقم المكتوب على العلبة والملصق الخلفي.
3. سجل الجهاز بنفسك على تطبيق «موبايلي» فور الشراء للتأكد من أن بياناته صحيحة.
4. تجنب شراء الهواتف من محلات صغيرة غير معتمدة أو ترفض إصدار فواتير.
5. احتفظ بجميع المستندات وصور الرقم التسلسلي لإثبات ملكيتك.
العقوبات القانونية على التلاعب
وبحسب خبراء قانونيين، فإن تغيير أو تزوير أرقام IMEI يدخل تحت بند جرائم الغش التجاري والتهرب الضريبي، وقد تصل العقوبات إلى الحبس والغرامة، بجانب سحب التراخيص من المحل المخالف.
ويقول المستشار القانوني محمود العشري: «أي تلاعب في الرقم التسلسلي للهاتف جريمة متكاملة الأركان. المشتري يمكنه المطالبة بحقه القانوني ضد المحل الذي باع الجهاز، شرط أن يحتفظ بالمستندات الدالة على عملية الشراء.»
سوق المحمول بين الشرعية والفوضى
سوق الهواتف المحمولة في مصر من أكبر الأسواق بالمنطقة، ويقدر حجم مبيعاته بملايين الأجهزة سنويًا. لكن مع هذا الحجم الضخم، تبقى الفوضى في بعض القطاعات أرضًا خصبة لممارسات مثل التلاعب بال IMEI أو إدخال أجهزة مجهولة المصدر.
إن تلاعب محلات المحمول في أرقام IMEI ليس مجرد مسألة ضريبية؛ بل قضية ترتبط بحقوق المستهلك وأمن الاتصالات في مصر. وبينما تتعهد الجهات الرسمية بتشديد الرقابة وإغلاق الثغرات، يبقى على المستهلك أن يكون أكثر وعيًا، وأن يتحقق من بيانات هاتفه قبل الشراء. الحقيقة الواضحة أن المستهلك اليوم هو الحلقة الأضعف في معادلة السوق، حتى يتم القضاء على هذه الممارسات بالكامل.