مع استمرار الاحتجاجات ضد حملة إدارة ترامب على المهاجرين غير المسجلين، يبدو التصعيد أمرًا لا مفر منه بين الحكومة الفيدرالية والولايات الديمقراطية، خاصةً ولاية كاليفورنيا حيث أن حاكمها جافين نيوسوم من أقوى مرشحى الحزب الديمقراطى المحتملين للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة أُعلنت الحرب بين واشنطن وكاليفورنيا. فبالإضافة إلى ألفى جندى من الحرس الوطني، أعلنت إدارة ترامب يوم الإثنين الماضى وصول 700 جندى من مشاة البحرية لحفظ النظام فى لوس أنجلوس، وهو ما يُمثل استفزازًا إضافيًا فى نظر سلطات الولاية الديمقراطية، التى لا ترى مبررًا لمثل هذا الانتشار سوى "إرضاء خيال رئيس ذى ميول ديكتاتورية"، حسبما قال حاكم الولاية جافين نيوسوم معرباًعن أسفه. أصبحت كاليفورنيا "نقطة الصفر" فى المواجهة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الديمقراطية، لا سيما بشأن الهجرة. بل إن توم هومان، مستشار دونالد ترامب لشؤون الهجرة، هدد باعتقال الحاكم إذا تدخل فى تنفيذ السياسة الفيدرالية، ورحّب الرئيس الأمريكى بالفكرة، قائلاً: "لو كنت مكان توم، لفعلت ذلك"، قبل أن يصف جافين نيوسوم بأنه مسؤول "معروف بعجزه". ردّ الحاكم بالمثل على "الرجل القوي" توم هومان، متحديًا قناة MSNBC: "تعالوا أمسكوا بي. اعتقلوني. دعونا ننهى هذا الأمر نهائيًا". كانت كاليفورنيا، معقلًا تقدميًا وأرضًا خصبة لظهور نفوذ اللاتينيين، بمنأى نسبيًا عن حملة الترحيل التى أطلقها دونالد ترامب. وقالت كارين باس، عمدة المدينة الديمقراطية: "لوس أنجلوس مدينة المهاجرين، 50٪ من سكانها من اللاتينيين"، متهمةً الحكومة الفيدرالية بصب الزيت على النار. وأضافت: "يوم الخميس، لم يحدث شيء. الحكومة الفيدرالية هى التى خلقت هذه الفوضى". تجاوز الخط الأحمر يراقب سكان كاليفورنيا بعجزٍ عسكرة بيئتهم، ووصف الرئيس وحلفاؤه لوس أنجلوس بأنها مدينة "مُحتلة" من قِبل "مجرمين أجانب". ويعتقدون أن هذا اختبارٌ للاستيلاء الذى ينتظر مدن "الملاذ" الأخرى فى البلاد، حيث عاش المهاجرون غير النظاميين بأمانٍ نسبى حتى الآن. فى غضون ثلاثة أيام، ونُشر مئات من أفراد الحرس الوطنى فى كاليفورنيا - من أصل 2100 فرد مُعلن عنهم، ثم أعلن البنتاجون رسميًا مساء الإثنين إرسال 2000 جندى إضافى من الحرس الوطنى لمساعدة الجنود المتواجدون بالفعل على الأرض، بالإضافة إلى 700 جندى من مشاة البحرية أُعلن عنهم سابقًا، وذلك كله فى تحدٍّ للسلطات المحلية، فى ظاهرة غير مسبوقة منذ عام 1965. فى ذلك الوقت، كان الرئيس ليندون جونسون قد نشر الحرس فى ألاباما، لكن الهدف كان مختلفًا تمامًا: حماية المظاهرة التى قادها مارتن لوثر كينج من هجمات أنصار الفصل العنصرى البيض. وندد، جافين نيوسوم، بما وصفه ب"الوهم الجنونى لرئيس ديكتاتوري". ورفع نيوسوم يوم الإثنين دعوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية بتهمة "انتهاك سيادة الولاية". وكتب نيوسوم على منصة ×: "لقد خدم مشاة البحرية الأمريكية بشرف فى حروب متعددة للدفاع عن الديمقراطية. إنهم أبطال. لا ينبغى نشرهم على الأراضى الأمريكية، لمواجهة مواطنيهم، لتحقيق الوهم المجنون لرئيس ديكتاتوري. هذا ليس من القيم الأمريكية". ويشير ويليام بانكس، أستاذ القانون فى جامعة سيراكيوز، إلى أن دونالد ترامب "يميل إلى استخدام ألفاظ نابية والمبالغة فى كثير من الأحيان". ويتابع ويليام بانكس قائلاً: "إذا أقدم على تفعيل "قانون التمرد" رسميًا، وهو قانون لم يُفعّل إلا حوالى ثلاثين مرة منذ تأسيس الولاياتالمتحدة، فسيكون مخالفًا للتقاليد الأمريكية، وهى ترك مهمة إنفاذ القانون للمدنيين، وليس للشرطة أو الجيش". على حبل مشدود دعا المسؤولون المنتخبون فى كاليفورنيا الجمهور إلى تجنب الوقوع فى فخ اليمين المتطرف، الذى يُسعده، كما فعل يوم الأحد، عرض صور لمتظاهرين يلوّحون بالعلم المكسيكى على خلفية سيارة أجرة محترقة. لا تجد المعارضة صعوبة فى استحضار ذكرى "أعمال شغب لوس أنجلوس"، تلك الأعمال التى طبعت تاريخ هذه المدينة الكبرى: من انتفاضة حى واتس عام 1965، وهى ثورة غضب السود ضد عنف الشرطة، إلى أحداث عام 1992 التى أعقبت تبرئة ضباط الشرطة الذين اعتدوا بالضرب على السائق رودنى كينج. فى مؤتمر صحفي، أكد قائد شرطة لوس أنجلوس، جيم ماكدونيل، أنه حشد تعزيزات، وأن المسؤولين عن أعمال التخريب سيُعاقبون بشدة. وقال الحاكم: "سيُحاسب المحرضون المتهورون الذين يستغلون الفوضى التى أحدثها ترامب على أفعالهم". وأضاف: " ابقوا هادئين". جافين نيوسوم نفسه يجد صعوبة فى ضبط نفسه. وخاطب تومى توبرفيل، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما المؤيد لترامب، والذى استنكر عجزه عن حفظ النظام ودعا إلى اعتقاله، مؤكدًا أن معدل جرائم القتل فى ألاباما أعلى بثلاث مرات من معدل كاليفورنيا. يعتقد جافين نيوسوم أنه قدّم تنازلات كثيرة. فمنذ 20 يناير، استضاف شخصياتٍ ثوريةً من حركة "لنجعل أمريكا عظيمةً مجددًا" (MAGA) إلى برنامجه الصوتي، وحاول نيوسوم عدم مهاجمة مُقدّم البرنامج مباشرةً، ولو لتأمين مساعدةٍ فيدرالية لضحايا حرائق الغابات الكارثية فى أوائل يناير. كما انتقد نيوسوم مشاركة الرياضيين المتحولين جنسيًا فى مسابقات السيدات، لكنه لم يتمكن من منع مشاركة وفوز رياضيةٍ متحولة جنسيًا تبلغ من العمر 16 عامًا فى بطولةٍ مدرسيةٍ نهاية مايو، على الرغم من تهديد ترامب بحرمان كاليفورنيا من 8 مليارات دولار من التمويل الفيدرالي. فيما يتعلق بالهجرة، لم يستخدم جافين نيوسوم مصطلح "ملاذ آمن" قط لوصف سياسة كاليفورنيا المتعلقة بالهجرة. إساءة استعمال السلطة يوم السبت الماضي، اتصل بالرئيس ترامب لمدة 45 دقيقة لمحاولة ثنيه عن إرسال الحرس الوطني.. لم يُفلح الأمر، بل ازداد الخلاف عمقًا. فى نهاية مايو، أطلق جافين نيوسوم العنان لغضبه عندما هاجم الجمهوريون هدفه المتمثل فى تحقيق 100٪ من المركبات الكهربائية أو الهجينة بحلول عام 2035. وهذا، مرة أخرى، بفضل مناورة، ليست غير قانونية، ولكنها نادرة للغاية.. جمع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون بين إجراء ميزانية وإلغاء استثناء كاليفورنيا من معايير تلوث الهواء، وهو إنجاز يعود إلى عهد الجمهورى ريتشارد نيكسون وأكّده رونالد ريجان. أعرب جافين نيوسوم عن أسفه لأن تصويت الكونجرس "لا يدمر رئات" أطفال كاليفورنيا فحسب، بل "يُسلم مجال المركبات الكهربائية للصين ". فى يناير، خصصت جمعية كاليفورنيا 25 مليون دولار من ميزانية الولاية لتمويل "مقاومة" الإجراءات التى فرضتها واشنطن. وقد أنفقت بالفعل 5 ملايين دولار. وتُعدّ الدعوى القضائية التى رفعتها الولاية ضد نشر الحرس الوطنى هى الدعوى الثالثة والعشرون فى أقل من ستة أشهر. وصرح جافين نيوسوم قائلاً: "إن إساءة ترامب لاستخدام السلطة تُشكّل تهديدًا حقيقيًا لديمقراطيتنا. السلطات الثلاث للحكومة تختفى أمام أعيننا".