الرئيس الذي تحدى الدستور.. تجاوزات ترامب في مرمى العدالة".. عناوين أحاديث النخب الأمريكية هذا الصباح حول صراع الصلاحيات في قلب الديمقراطية.. فبالأمس 28 مايو 2025، أصدرت المحكمة الفيدرالية للتجارة في أمريكا، حكما تاريخيا ضد الرئيس دونالد ترامب، معتبرة أنه تجاوز صلاحياته الدستورية من خلال فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق تحت ذريعة "حالة طوارئ اقتصادية". وتحت مسمي "يوم التحرير"، أطلق ترامب على هذه الرسوم حيث فرض ضرائب 10٪ على معظم الواردات، مع نسب أعلى على سلع قادمة من الصين والاتحاد الأوروبي، مستخدما قانون الصلاحيات الإقتصادية الدولية الطارئة IEEPA لعام 1977، مدعيا أن العجز التجاري يمثل تهديدًا وطنيًا. ورأت المحكمة أن هذا التبرير لا يشكل تهديدا "غير عادي واستثنائيًا" كما يتطلب القانون، وبالتالي فإن استخدام ترامب لهذا القانون لتبرير التعريفات غير قانوني، وأمرت المحكمة بوقف تنفيذ هذه التعريفات خلال 10 أيام. ورأت هيئة المحكمة المؤلّفة من 3 قضاة، أن هذه الرسوم "غير دستورية" لأنها تتجاوز الصلاحيات الممنوحة للرئيس بموجب القوانين الفيدرالية، وعلى رأسها قانون الطوارئ الاقتصادية لعام 1977، كما رأت أن ترمب جعل السياسة التجارية الأمريكية "خاضعة لأهوائه الشخصية"، و"تسبب في فوضى اقتصادية". جاء الحكم بعد ما لا يقل عن 7 دعاوى قضائية، أشارت إلى أن هذه التدابير لا تندرج ضمن السلطات التنفيذية الممنوحة للرئيس، بل تتعلق بصلاحيات حصرية للكونجرس الأمريكي في ما يخص السياسة التجارية. ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة، فقد تجلت تجاوزات أخرى لترامب، منها تجميد معظم المساعدات الخارجية الأمريكية عبر أمر تنفيذي وهو ما رفضته المحكمة، ومحاولة تعديل قواعد تسجيل الناخبين عبر أمر تنفيذي دون صلاحية، وأيضا إصدار أوامر ضد مكاتب محاماة لم تعجبه، مما اعتبر انتهاكا للدستور الأمريكي، وخاصة التعديل الأول والخامس. كل هذه الحوادث تظهر نمطا واضحا من استخدام ترامب للسلطة التنفيذية بطرق تتجاوز الحدود الدستورية مما استدعى تدخلات قضائية متكررة. واستأنفت إدارة ترمب، على الحكم، وندد المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي، بالقرار قائلًا في بيان: "قضاة غير منتخبين يفتقرون إلى القدرة على اتخاذ قرار بشأن كيفية إدارة حالة طوارئ وطنية على النحو السليم، وقد تعهَد الرئيس ترمب بوضع أمريكا في المقام الأول، والإدارة ملتزمة باستخدام كل أدوات السلطة التنفيذية للاستجابة لهذه الأزمة واستعادة عظمة أمريكا". وحسب القانون، يجب أن تحظى الرسوم الجمركية عادةً بموافقة الكونجرس، لكنَّ ترمب قال إن له صلاحية اتخاذ هذه الإجراءات لأن العجز التجاري للولايات المتحدة يشكل حالة طوارئ وطنية، وفرض رسوما جمركية على معظم دول العالم، ما تسبب في اضطراب الأسواق. وتمثل الرسوم الجمركية، أداة تستخدمها الدول لحماية صناعاتها المحلية من المنافسة الأجنبية، إلا أن فرضها بشكل مفرط أو غير مدروس قد يؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على الاقتصاد الوطني، ففي حالة الولاياتالمتحدة، فإن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب تسببت في ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، إذ إن الشركات التي تعتمد على المواد المستوردة اضطرت إلى دفع مبالغ أعلى للحصول على مدخلات إنتاجها، ما انعكس مباشرة على المستهلك الذي وجد نفسه مضطرا لدفع أسعار أعلى، كما أن تلك الرسوم أدت إلى ردود فعل تجارية انتقامية من شركاء اقتصاديين كبار كالصين والاتحاد الأوروبي، وهو ما أطلق ما يعرف بالحرب التجارية، والتي أضرت بالصادرات الأمريكية لا سيما في القطاع الزراعي، حيث فرضت الصين رسوما على منتجات أمريكية مثل فول الصويا والذرة، ما تسبب في خسائر فادحة للمزارعين الأمريكيين، ولم تقتصر الآثار على الأسعار والصادرات فحسب، بل شملت أيضا سوق العمل، حيث أدت تكاليف الإنتاج المرتفعة إلى تراجع بعض الشركات عن التوظيف أو حتى تسريح عمالها، كما أن اضطراب سلاسل التوريد نتيجة الرسوم الجمركية المفاجئة خلق حالة من الفوضى لدى الشركات التي تعتمد على مكونات أجنبية، وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في زعزعة استقرار الأسواق المالية، إذ تراجع الأداء في البورصات بفعل القلق من تبعات الحرب التجارية، وفي المحصلة فإن الرسوم الجمركية التي فرضت بحجة حماية الاقتصاد المحلي قد تسببت في أضرار مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الأمريكي ككل، مما يعكس خطورة استخدامها كأداة سياسية دون مراعاة التوازنات الاقتصادية الدقيقة.