تدخل مدينة جنين ومخيمها اليوم يومهما ال126 تحت وطأة عدوان إسرائيلي متصاعد، باتت ملامحه تتجاوز الطابع العسكري إلى مشروع تدميري ممنهج يهدف إلى محو المعالم السكنية والبنى التحتية، وتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدينة. منذ أربعة أشهر، تشهد جنين واحدة من أطول وأعنف الحملات العسكرية في الضفة الغربية، خلفت حتى اللحظة دمارًا واسعًا ونزوحًا جماعيًا شمل ربع سكان المدينة. وفق ما صرح به رئيس بلدية جنين، محمد جرار، فإن أكثر من 22 ألف مواطن اضطروا للنزوح من منازلهم داخل المخيم ومحيطه، الأمر الذي شكّل ضغطًا إنسانيًا واقتصاديًا غير مسبوق على البلدية والبنية المحلية للخدمات. وأوضح أن العدوان لم يقتصر على البعد الأمني أو العسكري، بل تحوّل إلى معركة مفتوحة تستهدف مقومات الحياة في جنين. فقد دمّرت قوات الاحتلال معظم البنية التحتية، مع تسجيل تدمير كلي لنحو 600 منزل، إضافة إلى تضرر جزئي في مئات المساكن الأخرى، ما تسبب بخسائر مالية تقدّر بنحو 300 مليون دولار.
تصعيد مستمر
أشار جرار إلى أن أكثر من 4000 عامل فقدوا مصدر رزقهم بسبب التصعيد، مما عمّق منسوب الفقر والبطالة في المدينة، في وقت تحاول فيه طواقم البلدية، بإمكانات محدودة، إعادة تأهيل بعض المرافق الحيوية داخل المدينة، شملت تعبيد شوارع رئيسية مثل شارع الناصرة والبيادر، إلى جانب إصلاح شبكة المياه في الحي الشرقي، والعمل على استكمال شبكة الصرف الصحي في المناطق المتضررة، بتكلفة بلغت نحو 17 مليون شيقل. على الجانب الأمني، يتواصل التصعيد بوتيرة يومية، وسط اقتحامات متكررة لمعظم قرى المحافظة، وانتشار دائم لقوات الاحتلال على مداخل المدينة وفي محيط مستشفى جنين الحكومي، الذي بات محاصرًا فعليًا. ووفق نادي الأسير، اعتقل الاحتلال نحو 1000 مواطن من جنين وطولكرم منذ بدء العدوان، بينهم من تم الإفراج عنهم لاحقًا، في مؤشر على سياسة الاعتقالات الجماعية كأداة للترهيب وإضعاف البنية المجتمعية. حجم المأساة المتراكمة وفي تطور ميداني جديد، اعتقلت قوات الاحتلال يوم أمس أربعة شبان من بلدة قباطية، كما اقتحمت بلدة برقين غرب المدينة وداهمت محطة للمحروقات فيها، فيما استمر الانتشار العسكري الكثيف داخل المخيم، مترافقًا مع إطلاق كثيف للنيران الحية. حتى اللحظة، أسفر العدوان عن استشهاد 40 مواطنًا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح متفاوتة، بينما تحوّلت بعض مناطق جنين ومخيمها إلى أطلال، تعكس حجم المأساة المتراكمة والمعاناة اليومية في ظل غياب أي أفق لحل سياسي أو إنساني قريب. الصورة الراهنة تشير إلى نية إسرائيلية واضحة لتغيير الطابع الجغرافي والديمغرافي للمدينة والمخيم، في سياق يبدو أنه يسير على خطى نماذج تهجير وهدم شهدناها في النكبة والنكسة، ولكن بثوب عسكري تقني أكثر حداثة، وأمام صمت دولي متواطئ أو عاجز.