في خبر مفاجئ هز الأوساط السياسية والطبية، أعلنت عائلة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، إصابته بسرطان البروستاتا في مرحلة متقدمة، مع انتشار المرض إلى العظام. هذا الخبر لم يكن مجرد معلومة صحية عابرة عن رئيس سابق؛ بل صدمة صحية سلطت الضوء من جديد على أحد أكثر الأمراض شيوعًا بين الرجال حول العالم، والذي يُوصف أحيانًا ب«القاتل الصامت».. سرطان البروستاتا. ورغم أن التقارير الطبية أكدت أن السرطان لا يزال حساسًا للعلاج الهرموني، ما يمنح الأطباء فرصة لإبطاء انتشاره، إلا أن درجة "غليسون" التي وصلت إلى 9، تشير إلى أن بايدن يواجه شكلاً عدوانيًا من المرض، يتطلب متابعة دقيقة وعلاجًا مكثفًا. لكن ما هو هذا المرض تحديدًا ؟ وكيف يمكن للرجال حماية أنفسهم منه قبل فوات الأوان؟ ما هو سرطان البروستاتا؟ يبدأ كل شيء من غدة صغيرة في الجهاز التناسلي الذكري تُعرف باسم البروستاتا. هذه الغدة مسؤولة عن إنتاج جزء من السائل المنوي، وتقع أسفل المثانة مباشرة. ومع تقدم العمر، تصبح عرضة للإصابة بتضخمات حميدة، وفي حالات أخرى، تبدأ خلاياها في الانقسام بشكل غير طبيعي لتتحول إلى خلايا سرطانية. ورغم أن أعراض المرض قد لا تظهر في مراحله المبكرة، إلا أن بعض العلامات قد تكون مؤشرات خطيرة مثل: صعوبة التبول، ألم في منطقة الحوض، أو وجود دم في البول أو السائل المنوي. الوقاية من المرض تبدأ من نمط الحياة الخبراء يوصون دائمًا بأن الوقاية من المرض تبدأ قبل ظهوره، وبأن نمط الحياة يلعب دورًا رئيسيًا في الحماية من سرطان البروستاتا. الخطوة الأولى هي الطعام: اتباع نظام غذائي غني بالفواكه والخضروات، مع تقليل اللحوم الحمراء والدهون المشبعة، قد يقلل من احتمالية تطور المرض. الخطوة الثانية هي الحركة: الرياضة المنتظمة تساعد في الحفاظ على الوزن المثالي، وتقلل من فرص الإصابة. وتُظهر دراسات أن الرجال الذين يمارسون المشي السريع أو التمارين الهوائية بانتظام لديهم فرص أقل للإصابة بالمرض. أما الخطوة الثالثة، فهي المتابعة الطبية المنتظمة: خاصة بعد سن الخمسين. اختبارات الدم الخاصة ب"مستضد البروستاتا النوعي" (PSA) يمكن أن تكتشف تغيرات مبكرة، حتى قبل ظهور أي أعراض. علاج سرطان البروستاتا: خيارات متعددة حسب المرحلة والحالة تتنوع خيارات علاج سرطان البروستاتا بحسب مرحلة المرض، درجة انتشاره، وحالة المريض الصحية العامة. وتتضمن العلاجات الطبية الحديثة مجموعة من الأساليب التي تهدف إلى السيطرة على المرض، تقليل أعراضه، وتحسين جودة الحياة. المراقبة النشطة: في الحالات التي يكون فيها السرطان محدودًا وبطيء النمو، يفضل الأطباء أحيانًا اعتماد المراقبة النشطة بدلًا من العلاج الفوري. تشمل هذه الطريقة متابعة مستمرة لحالة المريض عن طريق فحوصات الدم (مستضد البروستاتا النوعي PSA)، وفحوصات التصوير والخزعات المتكررة. الهدف هو تجنب التدخل العلاجي غير الضروري وتقليل الأعراض الجانبية. الإزالة والجراحة: وتعد إزالة البروستاتا جراحيًا خيارًا شائعًا في المراحل المبكرة من المرض. تُجرى العملية إما بالجراحة المفتوحة أو باستخدام الجراحة بالمنظار بمساعدة الروبوت، التي تقلل من مضاعفات العملية وتسريع التعافي. وتهدف الجراحة إلى استئصال الورم بالكامل قبل انتشاره. العلاج الإشعاعي : يستخدم هذا العلاج الأشعة عالية الطاقة لتدمير الخلايا السرطانية. يمكن أن يُطبق على شكل إشعاع خارجي يوجه إلى منطقة البروستاتا، أو من خلال زرع حبيبات مشعة داخل البروستاتا (المعروف بالعلاج بالبذور المشعة). العلاج الإشعاعي بديل أو مكمّل للجراحة في بعض الحالات. العلاج الهرموني: يُستخدم العلاج الهرموني لتقليل مستويات هرمون التستوستيرون، الذي يعتبر "وقودًا" لنمو خلايا سرطان البروستاتا. ويمكن أن يشمل ذلك أدوية تمنع إنتاج الهرمونات أو جراحة استئصال الخصيتين. يُستخدم هذا العلاج بشكل خاص في الحالات المتقدمة أو عند انتشار المرض. العلاج الكيميائي: يُستخدم العلاج الكيميائي في الحالات التي لا تستجيب للعلاج الهرموني أو في المراحل المتقدمة التي انتشر فيها السرطان إلى أعضاء أخرى. ويعمل على قتل الخلايا السرطانية بشكل مباشر، لكنه قد يرافقه آثار جانبية قوية تتطلب مراقبة طبية دقيقة. العلاجات المستهدفة والمناعية : شهدت السنوات الأخيرة تطورات كبيرة في مجال العلاجات المستهدفة التي تستهدف جزيئات معينة داخل الخلايا السرطانية، والعلاج المناعي الذي يعزز الجهاز المناعي لمحاربة السرطان. هذه العلاجات ما زالت في مراحل التطوير والاستخدام المحدود، لكنها واعدة خاصة للحالات المقاومة للعلاجات التقليدية. جهود وزارة الصحة في المواجهة والكشف المبكر في مصر، بدأت وزارة الصحة والسكان خلال السنوات الأخيرة في اتخاذ خطوات جادة نحو مواجهة الأمراض غير السارية، وعلى رأسها السرطانات الشائعة بين الرجال، ومنها سرطان البروستاتا. ومن خلال المبادرات الرئاسية للصحة العامة، وعلى غرار ما تم في "100 مليون صحة"، تم التوسع في برامج الكشف المبكر عن الأورام، خصوصًا في الفئات العمرية الأكثر عرضة، مع التركيز على رفع الوعي المجتمعي بأهمية المتابعة الدورية. كما بدأت الوزارة في دمج خدمات الفحص المبكر داخل وحدات ومراكز الرعاية الأولية، بما يسمح بالكشف عن عوامل الخطورة المرتبطة بالمرض مثل ارتفاع مستوى PSA، أو وجود تاريخ وراثي. وتم أيضًا تدريب عدد من فرق التمريض والرعاية الصحية الأولية على التعامل مع الحالات المشتبه بها وتحويلها لمراكز متخصصة. ورغم أن سرطان البروستاتا لا يزال ضمن قائمة الأمراض التي تحتاج لمزيد من التوعية، فإن الخطوات التي تتخذها الدولة نحو تعزيز الكشف المبكر والوقاية تعد مؤشرًا إيجابيًا نحو تقليل معدلات الإصابة والوفيات خلال السنوات المقبلة. المرض لا يميز بين الأشخاص.. مشاهير أصيبوا به إصابة جو بايدن ليست الأولى بين الساسة، فقد سبقه العديد من الشخصيات العامة الكبرى، الذين أُصيبوا بنفس المرض، ما ساهم في رفع الوعي العالمي بأهمية الكشف المبكر. الممثل الأمريكي الشهير روبرت دي نيرو تم تشخيصه في 2003، وخضع للعلاج بنجاح. أما الكوميديان بن ستيلر، فتمكن من اكتشاف المرض مبكرًا عام 2014، وهو ما أنقذه من مضاعفات خطيرة. كذلك واجه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري المرض في 2002، وخضع لجراحة ناجحة. وفي العام 2024، فاجأ وزير الدفاع الأمريكي الحالي لويد أوستن الرأي العام بإعلانه إصابته بسرطان البروستاتا، بعد خضوعه لعملية استئصال البروستاتا. إصابته أثارت جدلاً بسبب تأخر البنتاجون في الإعلان عن وضعه الصحي، قبل أن يصدر أوستن بيانًا شخصيًا أكد فيه تجاوزه المرحلة الحرجة، ودعا الرجال إلى عدم إهمال الفحص الدوري. وفي 2023، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن إصابة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو بسرطان البروستاتا في مرحلة مبكرة، وخضع للعلاج الطبي والمراقبة المستمرة، قبل أن يعود لممارسة مهامه الحكومية بصورة طبيعية.