التصعيد بين الهندوباكستان بيئة خصبة لعودة الإرهاب واتهامات متبادلة تعيد شبح التطرف «القاعدة» يدعم باكستان فى صراع كشمير ومخاوف من انتشار الإرهاب فى العالم
الحروب والصراعات التى ضربت العالم تركت أثرًا كبيرًا ومهمًا فى انتشار جماعات العنف والتطرف، وربما أثرت بصورة أكبر فى عودة تنظيم داعش بعد أنّ أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترمب فى ولايته السابقة وتحديدًا فى 22 مارس من العام 2019 سقوط التنظيم. غالبًا ما تجد التنظيمات المتطرفة فى الفوضى ملاذًا آمنًا، ولعل الحروب والصراعات هى البيئة التى تعمل فيها هذه التنظيمات، وهو ما بدا واضحًا مع الحروب الروسية وما تلاها من حروب وصراعات حتى وصلنا إلى الحرب بين الجارتين النوويتين، الهندوباكستان. عندما بدأ التصعيد بين الجارتين فى 22 أبريل وقتل قرابة 26 شخصًا فى كشمير، على الفور اتهمت نيودلهى إسلام آباد بالوقوف وراء الحادث، وهو ما نفته الأخير ودعت إلى إجراء تحقيق محايد، ولكن الأزمة بدت فى صدام عنيف بين الدولتين الكبيرتين، فدقت طبول الحرب، وهنا دخلت الجماعات المتطرفة على الخط. المخابرات الباكستانية دعمت قوات طالبان وعمدت إلى تجنيد وتدريب المجاهدين للقتال فى أفغانستان وكشمير، واستنادًا إلى اعتراضات الاتصالات، خلصت وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى أن المخابرات الباكستانية كانت وراء الهجوم على السفارة الهندية فى كابول فى يوليو من العام 2008، وهى التهمة التى وجهتها حكومتا الهندوأفغانستان سابقًا. هذه الاتهامات تراه باكستان غير صحيحة وهدفها التشويه على ما تقوم به الهند ضد المسلمين فى كشمير، وأنّ الأخيرة تقوم بدعم جماعات هندوسيّة متطرفة تقتل المسلمين على الهوية لمجرد الاختلاف فى الدين. الاتهامات المتبادلة بين الدولتين تؤكد وجود الأزمة الحقيقية التى تتعلق بفكرة القتل باسم الدين، وهو ما يُزيد المخاوف التى ترتبط بنشأة الحركة الجهادية فى شبه القارة الهندية، وبالتالى القتل سوف ينتشر فى قارة آسيا وينتقل منها إلى باقى القارات على خلفية الاحتقان الديني، وهو ما يُساعد بصورة كبيرة فى نشأة الحركة الجهادية على خلفية الحرب القائمة والمتوقع استمرارها بين باكستانوالهند. فوضى الحروب والإرهاب على السريع قام تنظيم قاعدة الجهاد بإصدار بيان أعلن فيه دعمه لأحد طرفى الصراع، ومعلوم أسباب الدعم لباكستان التى تتصارع مع الهند على إقليم كشمير، ومعلوم السبب وراء الموقف المعادى للهند التى يعبد جزء كبير من ساكنيها البقر، فضلًا على أنّ أغلب سكان كشمير مسلمين، ويرغبون فى تقرير مصيرهم. باكستان تعتبر الهند بلدًا محتله للإقليم، ودافعت عن سكانه واستقلاله، وهو ما جعل البلدين فى حالة صراع وعداء، وربما حادثة مقتل 26 شخص فى آخر إبريل الماضى أحيا الصراع، والذى ترشح فيما بعد إلى حرب. دستور الجماعات المتطرفة دائمًا ما يقوم على استغلال الفوضى أو صناعتها فى نفس الوقت، فالتنظيمات المتطرفة لا يمكن لها أنّ تظهر أو تعمل إلا فى بيئة الفوضى، وهنا يمكن القول، إنّ الحروب تصنع هذه البيئة بكل تأكيد، وإنّ لم تكن هذه الظروف متوفرة فإنّ التنظيمات المتطرفة تعمل على تخليقها من أجل أنّ تتواجد وتنمو. ولا شك أنّ الإرهاب الذى تُمارسه التنظيمات المتطرفة يخلق الفوضى، وهنا يمكن أنّ نوصف الفوضى على أنها سبب ونتيجة فى نفس الوقت، وهذا ما يجب أنّ ينتبه إليه العالم، فلا يقتصر الأمر على مجرد مواجهة هذه التنظيمات ولكن لابد أنّ يتعداه إلى مواجهة البيئة الحاضنة. ما حدث بين الهندوباكستان يرسم خطوطًا عريضة لحركة جهادية فى شبه القارة الهندية، ليس فقط للفوضى التى تخلفها الحرب ولكن لأنّ الصراع على استقلال إقليم أغلب سكانه مسلمين متهمين بالإرهاب من قبل الحكومة الهندية. وهذا يتطلب إدراكًا مهمًا بضرورة عدم استمرار الحرب بين الجارتين أو على الأقل عدم اللعب على وتر الدين، والوقوف فى نفس الوقت فى وجه أى استغلال سياسى من قبل الجماعات المتطرفة، المثال كان واضحًا فى تنظيم قاعدة الجهاد الذى بادر بإعلان دعمه لباكستان، وهو ما جعل الحرب تأخذ منحنًا دينيًا إسلامويًا، وهو ما يرسم ملامح الحركة الجهادية المشار إليها فى شبه القارة الهندية. باكستان التى دعمها تنظيم قاعدة الجهاد فى بيانه منذ أيام هى نفس الدولة التى ساعدت فى التخلص من زعيم التنظيم أسامة بن لادن، والذى كان يُقيم على الأراضى الباكستانية، ولكن "القاعدة" تنظر للحرب من زاويتين، أولهما أنها توفر ملاذًا لهذه التنظيمات التى تحاول العودة من جديدة، وثانيهما، أن ّ الحرب بين دولتين أحدهما مسلمة والأخرى غير ذلك، فضلًا على أنّ الحرب على استقلال إقليم أغلب سكانه من المسلمين، وهنا يمكن أنّ يتحول إقليم كشمير إلى أفغانستان جديدة. وهذا يتطلب أنّ تقف الدولتين أمام أى تحرك يصب فى صالح جماعات العنف والتطرف، فضلًا عن استخدام خطاب هذه التنظيمات مهما كانت خلفيتها الدينية، وأنّ ينتبه المجتمع الدولى إلى خطورة ما سوف تًخلفه هذه الحرب عمومًا. دور الصراعات الطائفية فى صناعة الإرهاب لم تتوقف الصراعات الطائفية بين الهندوباكستان يومًا ما منذ استقلال البلدين فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، وهو يُساعد الجماعات المتطرفة للظهور والعمل فى هذه البيئة المحتقنه والمهيئة بين أصحاب الديانات المختلفة. ففى عام 1950 قتل قرابة 10 آلاف شخص فى أعمال طائفية بين الهندوس والمسلمين، كما أنّ الأمر تكرر مرة ثانية فى العام 1954 حيث قتل قرابة 9633؛ فالإقليم يقبع على كتلة من لهب الصراع الديني. هذه الصراعات أنتجت فى النهاية جماعات دينية دورها تأجيج الخطاب الطائفى المتطرف، مثل جبهة المقاومة المرتبطة بجماعة (لشكر طيبة)، وهنا قد يكون الصراع الدينى وراء وجود هذه الجماعات المتطرفة فى الأساس، وفى الجهة المقابله هناك أحزاب هندوسية متطرفة، ولعل حزب بهاراتيا القومى المتطرف هو نموذج على التعصب الدينى وتطرفه أيضًا. جبهة مقاومة كشمير، هو نموذج لهذه الجماعات التى تصب فى صالح التعصب الديني، وقد تشكلت فى آواخر عام 2019 ردًا على الحكومة الهندية التى ألغت المادة 370 والتى كانت تمنح إقليم جامو وكشمير حكمًا ذاتيًا، ولعل التوتر الطائفى والدينى منذ العام 2019 هو من أشعل الحرب الحالية. ولكن دعونا نتفق أنّ أصل الخلاف يعود إلى العام 1948، وهو العام الذى حصلت فيه الدولتان على استقلالهما، استقلال لم يحل مشكلة الإقليم المسلم، الذى ترى باكستان أنه ليس هنديًا، وأنّ سيطرة الأخيرة يمثل احتلالًا له، وهو ما تطلب تدخلًا من باكستان نتج عنه صراع عمره قارب الثمانين عامًا، وحرب بين الجارتين يتجدد كل فترة. جماعة قاعدة الجهاد من أهم التنظيمات المتطرفة التى تتمتع بوجود واسع فى شبه القارة الهندية؛ مع العلم أنّ باكستانوالهند يشهدان ثانى أكبر تجمع للمسلمين فى العالم، وهو ما أعطى مساحة لعمل هذا التنظيم، الذى لعب على وتر الدين والاستقطاب الطائفي. ولابد أنّ نستحضر فى هذا المقام انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والذى أعطى مساحة أكبر للتنظيمات الإسلاموية فى هذه المنطقة من العالم، فأمريكا دخلت أفغانستان لمواجهة الإرهاب وخرجت بعد 20 عامًا دون أنّ تقضى عليه، بل قامت بتسليم السلطة إلى حركة طالبان، وهذا ينعكس إيجابيًا على وجود التنظيمات المتطرفة ويُعزز هذا الوجود. أعلن تنظيم قاعدة الجهاد فى 3 سبتمبر من العام 2014 فرعًا جديدًا له فى الهند وبنجلاديش وميانمار؛ وهنا يمكن القول إنّ الحركة الجهادية تُعيد تشكيل نفسها منذ عقد مضى، ولعل الحرب الدائرة حاليًا بين الهندوباكستان يُسارع من فكرة هذه الجبهة الجهادية، التى تمثل خطرُا على كل قارة آسيا. وهنا نتذكر اختيار أيمن الظواهرى خلفًا لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة ومؤسسها، وهو ما تم داخل جبال وكهوف أفغانستان وعلى حدود باكستان، بل كلا منهما عاشا على الأراضى الباكستانية، وكانوا جزءًا من الصراع الذى قادته باكستان فى أفغانستان، فدعم باكستان للحرب فى العام 1979 كان فيه انحيازًا للمقاتلين العرب أو ما أطلق عليه المجاهدون العرب، وهم من شكلوا نواة تنظيم قاعدة الجهاد فيما بعد. حدث انفصال فعلى لداعش عن القاعدة فى العام 2014، وهو ما سمح لتنظيم داعش من إعلان وجوده فى ولايات جديدة فى دول كثيرة، وهو ما جعل شبه القارة الهندية مسرح لانتشار الجماعات المتطرفة والإرهاب عمومًا. ملامح الحركة الجهادية فى شبه القارة الهنديّة سوف تتشكل الحركة الجهادية فى شبه القارة الهندية سريعًا، على خلفية الحرب الدائرة بين باكستانوالهند وعلى خلفية الصراع بين الدولتين منذ عقود طويلة، واستخدام كل منهما الدين بوابة للمواجهة، وهى نفس المساحة التى تعمل من خلالها جماعات العنف والتطرف الدينى فى كلا الدولتين. الحركة الجهادية المتوقع تشكلها سوف تكون من جماعات محليّة وإقليمية مثل جبهة المقاومة المرتبطة بالدفاع عن كشمير كمثال وجماعات إسلاموية أكثر راديكالية مثل القاعدة وداعش، والحركة الجهادية سوف تشمل جماعات هندية ذات خلفية هندوسية، وكلها تقاتل باسم الدين، وهذه هى الخطورة الحقيقية. هناك نواة للحركة الجهادية وربما هناك ميراث من الاحتقان الدينى والطائفى بين المسلمين والهندوس، وهو ما سوف يُعزز مفهوم الحركة الجهادية، الحرب سوف تُعزز وتُعجل بنشأة هذه الحركة المتطرفة فى شبه القارة الهندية، وهنا سوف يقع ضررها على كل الدول الآسيوية فى هذه القارة. من ملامح الحركة الجهادية فى شبه القارة الهندية، أنها تقتل على الهويّة، ولها مؤيدون من البيئة التى نشأت فيها، ويرى أتباعها أنها الوسيلة الوحيدة لمواجهة الخصوم، وهو ما سوف يُغزى المفهوم الدينى والطائفى تجاه المختلفين ويخلق أجيالًا لا تؤمن بالسلام ولا تُرحب بهؤلاء المختلفين بشكل عام. الخطوة الأولى فى مواجهة الحركة الجهادية المشار إليها لابد أنّ يكون من خلال إسكات صوت المدافع والصواريخ، وحل قضية إقليم كشمير المتنازع عليه، بحيث يأخذ الحوار إطارًا قانونيًا وليس دينيًا، ثم بدء مرحلة من السلام بين الهنود والمسلمين كخطوة ثانية، خاصة وأنّ هذا الصراع بين ديانة سماوية وأخرى أرضيّة وفق مفهوم المسلمين، وهذا قد يُصعب قليلًا من هذه المهمة وقد تأخذ هذه المرحلة وقتًا أطول. وهنا يبدو أهمية المجتمع الدولى ليس فقط فى إسكات صوت المدافع خشيّة أنّ تتحول الحرب إلى نووية وهو ما سوف يُؤثر على أغلب دول العالم، لأن هذه الحرب النووية المتوقعة سوف تكون حربا عالمية، ولكن فى تأثير الحرب على قارة آسيا وباقى قارات العالم من خلال انتشار التنظيمات الإسلاموية، وهنا خطر هذه التنظيمات أكبر بكثير من خطر النووى فى حال استخدامه. استمرار الحرب أو حتى الصراع أو النزاع يُعنى عودة التنظيمات الإسلامية، كما يُعنى إنشاء الجبهة الجهادية وتقوية شوكتها، ولذلك الحل يكمن فى تفكيك الأسباب التى أدت إلى الحرب أو تلك التى تدعو لاستمرار الصراع والنزاع، وهو ما يتطلب دورًا دوليًا فى تقريب وجهات النظر بين الجارتين وإنهاء أسباب الخلاف.