أطلق السيد وزير الثقافة مبادرة المليون كتاب خلال فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب الأخير، وشاركت في هذه المبادرة كل من وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والتضامن الاجتماعي والشباب والرياضة والكنيسة والأزهر الشريف ونقابة الصحفيين، إذ تقرر أن تقوم وزارة الثقافة بتوزيع مليون كتاب على الوزارات وكافة القطاعات، وأهمها وزارة التربية والتعليم. وبالفعل طبقت خطوات تفعيل هذه المبادرة وبدأت دفعات ضخ كتب مهداة ومنتقاة في كافة المجالات الثقافية الحيوية. تابعت مثل المهتمين تطورات تنفيذ هذه المبادرة التي تقرر أن تكتمل على ثلاثة مراحل من الضخ لكميات من الكتب. زاد اهتمامي بها لأننا في عصر لم يعد للكتاب فيه تواجد كبير كما كان قبل خمس سنوات، إذ أن اعتماد الشباب عليه في طريقه للانقراض بشكل يجعل من الورق سلعة قابلة لأن يزيد سعرها ويقل توزيعها لندرة الاستخدام. شاهدنا جميعًا صحفًا عالمية أغلقت إصداراتها الورقية واكتفت بنسخها الإلكترونية خلال تلك السنوات الخمس الأخيرة، ولم تعد للصدور كما فعلت صحيفة NwesWeek التي غابت ورقيًا عام 2012 وعادت عام 2014. صارت الكتب تعاني من رفوف ضاقت بها دون أيدٍ تمدها بالحياة. مما يثير الإعجاب في هذه المبادرة أن مقاطع من أمهات الكتب تمت مشاركتها إلكترونيًا على مواقع رسمية وصفحات تواصل اجتماعي لجهات توزيعها، وبشكل مختصر جذاب. مقاطع مختارة بعناية وتجعل من أمهات الكتب المليئة بتراث الإنسانية العميق أفكارًا قابلة للتحديث والتداول بين صغار السن. وهو أمر صار ضروريًا جدًا، ولأنني أعلم أن عددًا كبيرًا من الكتب المميزة في جامعتي تم إدخالها على أنظمة الجامعة الإلكترونية في نسخ تفاعلية كاملة، مازلت أتوقع وأنتظر بقوة إتاحة نسخ تفاعلية في صيغة PDF قابلة للتحميل على هذه المواقع والمنصات، إذ أن iCloud الكثيرين صار مكتبة متنقلة في السفر والإقامة، ويمكن أن تزداد قيمته بهذه القوة التفاعلية الفكرية المنتقاة. إن إتاحة الفكر الراقي للنشء خاصةً على اختلاف مراحلهم العمرية يلعب دورًا ذهبيًا في حياتهم، وربما يجعلهم أقدر على نبذ الفكر الاستهلاكي الذي ينتشر بقوة ولا يجعل فكرة الفرد المنتج الغير انتهازي للفرص هي الصورة الأسهل تطبيقًا لديهم، مما يعني أن قيمة الكتاب تنتقل كالعدوى إلى قيم القارئ، وهو ما أسعدني في هذه التجربة. ما توقعته وطال انتظاري له هو عمل تطبيق مستقل باسم المبادرة، تطبيق "مليون". هذا التطبيق يمكن تحميله على الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الشخصي، لا يستهلك شيئًا من ذاكرة تلك الأجهزة، ويقدم إشعارات ذكية اصطناعيًا، ويصبح له بشريًا رقميًا يخاطب النشء بهذه الإصدارات ومقتبسات عصرية منها، حتى لو كانت لابن خلدون الذي ترهقني لغته شخصيًا لأن رأسه كان عامرًا بأفكار تزيد بكثير عما كتب. هذا التطبيق بإشعاراته الدورية يمكن أن يترجم في تفاعلاته لجوائز يومية بسيطة مادية وغير مادية للطلاب لن ترهق أحدًا، وليكن البشري الرقمي نصف كلامه بلهجتنا العامية حتى يقدم للفصحى، وكأنه يفتح بابًا سهلًا يوصل للممتنع في سلاسة. تعد فكرة العودة للمكتبة عبقرية في كل زمان ومكان، ألا ترون أن الجهلة والهمج يهاجمون المكتبات وكأنها عدوهم الأول رغم أنهم لا يعرفون ما بها؟ ألم يحدث ذلك في هجوم المغول على بغداد حتى تحول نهر دجلة للون الحبر من فرط ما أُعدمت فيه من مخطوطات غرقًا؟!. إن القراءة الحقيقية تعني التغيير الجيد المنتج، فإن لم يحدث تغييرًا جيدًا نحو الإنتاج فليس هناك قراءة من الأساس لأنها تتلاشى ولا يبقى منها إلا نغمة الأحرف التي حفظناها من أجل سهولتها.