(في روايته الجديدة، "نادي السيارات"، يعود الأديب العالمي علاء الأسواني، بعالم مُحكم البناء، فريد في تفاصيله، بعد ما يقرب من السنوات الخمس؛ كي يكتمل إبداعه)، بهذه الكلمات تجد دار الشروق تُروج لرواية علاء الأسواني الجديدة، وكأنها فتح روائي جديد، ولكن ما أنْ تقرأ ستمائة وأربع وأربعين صفحة تكتشف أنّ دار الشروق تروّج لبضاعة أفسدها كاتبها من أول صفحة، وأنه دار بنا في فلك وهمي يُسمى سردًا بطريقة لا تمُت للسرد من قريب أو بعيد، طريقة هي الأقرب لحكايات المسلسلات المملة المطولة، بلا داع يُذكر، شخصيات كثيرة مبتورة وخنوعة ومجانية، مُقحمة في مجال الرواية، لا لغرض إلا لتصدير بعض الحكايات التي تخص كل شخصية متراوحة بين الجنس تارة، وبين الفكاهة تارة أخرى؛ لذا ليس غريبًا أنْ نجد الرواية تقع في هذا العدد الهائل من الصفحات، الرواية باختصار تدور في نادي السيارات الشهير، حيث يُسيطر الخادم الطاغية "الكو" على مقاليد عماله إلى أنْ يأتي "عبدون"، العامل الثائر، في محاولة لرفض القمع والاستبداد، الأمر الذي لا يتعدى قصة قصيرة، ولكن نحن أمام الأديب المحسوب إعلاميًا على أنه عالمي؛ وبالتالي كيف للأمر أنْ يتوقف عند هذا الحد؟!! وكيف لدار الشروق أنْ تقبل نشر قصة قصيرة لكاتبنا (العالمي) القدير المبدع؟!! وكيف لا يستنسخ الأسواني نفس شخوص عمارة يعقوبيان مرة أخرى – ولكن في زمن آخر- ليُقدم لنا نادي السيارات. والفخ الذي نحن بصدده، أنّ المكان هو بطل الرواية، ولكن ليس المكان هنا سوى قيمة عمارة يعقوبيان نفسها بروايته الأشهر، فوجدنا الهرولة هنا وهناك عبر شخصيات عدة تتداخل وتتناص – رغمًا عنها- مع فكرة إعادة تأريخ فترة الأربعينيات في مصر. بدأ الأسواني روايته باستهلال، ليته استخدمه بطول الرواية، حيث الكاتب المعروف ينتهي من رواية جديدة ويُفاجأ ب"كامل "،"وصالحة"، كشخصيْن من روايته يعترضان عليه، لكنه لا يقتنع فيتركان له ما يودان أنْ يكتبه على لسانيهما، حيلة قديمة ومعروفه قدمها بيرانديللو، وقدمها أيضا غيره كإيتالو كالفينو، وإبراهيم عبدالمجيد في "حكايات على الفطار"، وينتقل الأسواني للدخول في صلب روايته عبر التوازي بين عائلة ألمانية هي عائلة كارل بنز، مُخترع السيارة، وبين عائلة عبد العزيز همام، ثم من خلال عائلة كارل بنز، وفجأة ننتقل لنادي السيارات، والجزء الألماني المتواضع القيمة هو أضعف أجزاء الرواية، وإنْ تم حذفه لا يضر العمل في شيء، ويبدو أنّ الأسواني بشكل ما، تناسى هذا الجزء، وتناسى إكماله؛ بحجة أنه أراد فقط أنْ يتحدث عن نشأة السيارات وبداية اختراعها، وكان يمكن أنْ يقول هذا في صفحة، أو صفحتين على الأكثر، ولكن يبدو أنّ المنحة التي قدّمتها له الجامعة الأمريكية؛ ليقيم في ألمانيا ستة أشهر؛ لكتابة هذا الجزء، لابد وأنْ ترد بالرواية، وكان نصيبنا نحن أنْ نقرأه، رغم سخافته. اعتمد علاء الأسواني على طريقة النص السينمائي،"السيناريو"، أكثر من اعتماده على السرد والبناء الروائي؛ فنجد حتى فكرة المعالجة السينمائية التي تُقدم لك ملخصًا للعمل ككل موجودة في تقديم كل شخصية، وتجد القفزات الزمنية التي يتولاها الرواي؛ بغرض تقديم شخصيته، أو حتى عبر لسان المُتكلم كما في شخصيات مثل، صالحة، وكامل مثلا، سنرى فيها نفس القفزات، وإذا كان الفخ المطروح لدنيا، أنّ نادي السيارات هو البطل، سنجد العكس هو الصحيح تماما؛ حيث المكان لا يتعدى الحديث عنه سوى هاتيْن العبارتيْن بطول الرواية وعرضها، (افتتح نادي السيارات رسميا لأول مرة عام 1924م)، (تم تشييد النادي كنسخة طبق الأصل من نادي كارلتون الشهير في لندن، وجاء المبنى تحفة معمارية تجمع بين الأناقة والعراقة)، جمل تقريرية تستطيع إيجادها في موسوعة ويكيبيديا مثلا، وبالمثل نجد الكلام عن شارع السد الجواني، أو قرية دراو مثلا، إذن اللعبة الروائية كانت من خلال شخصيات الرواية التي تعمّد علاء الأسواني من نصب السيرك لها، حيث لعبة المثلث الشهيرة في السينما، فتجد العشيقة، والزوجة، والزوج، وإنْ غابت العشيقة كما في حال صالحة وزوجها عبد البر، تجد الضلع الثالث للمثلث هو، القهر تارة، أو الرغبة في التحرر كما في حال عبدون، وميتسي ابنة جيمس رايت، أو الكبت والفقر كما في حال محمود أخو صالحة، أو مقاومة الاحتلال كما في حال كامل. بهذا التعمد المقصود، والمفضوح تتوالى الأحداث، وكأنّ كل شخصية هي رواية بذاتها، ولكن الأمر ليس كما اشتهى الأسواني؛ لأنّ الشخصيات جاءتْ مبتورة، وأسعفها بالحوار المباشر والمبالغ فيه أحيانًا، والمغلوط تاريخيًا في أحيان أخرى، ( قال- جيمس رايت- باستخفاف: أنت نوبي يا كامل أليس كذلك؟ - أنا صعيدي- وما الفرق؟ - الصعايدة ينحدرون من القبائل العربية التي جاءتْ إلى مصر مع الفتح، أما النوبيون فهم جماعة مختلفة عرقيًا، ولهم لغة خاصة بهم). الشخصية الأهم، والتي تدور حولها الأحداث هي شخصية (الكو)، أو قاسم محمد قاسم شماشرجى الملك، الشخصية التي أوجد لها الأسواني مساحة كبيرة، وبنى عليها حبكة روايته؛ حيث الصراع ضد جبروته وطغيانه، فهو (الكو)، (كائن أسطوري، كأنه كائن خرافي، قريب أو بعيد، ممكن ومُستبعد، حقيقى ومتخيل، يتناقل الناس الحكايات، ولا يصدقون تمامًا أنه موجود حتى يتجلى أمامهم فجأة، ثم يختفي فجأة، ويتركهم تحت تأثيره العارم المزلزل)، و(الكو) هو الأب، وهو الحاكم بأمره في نادي السيارات، وبرغم الحكايات التي وردتْ عنه في الرواية إلاّ أنّ (الكو) هو الشخص الوحيد في الرواية الذي لا نعرف عنه سوى عمله، وقربه من الملك، وأنه أقدم شماشرجية القصر حتى قبل ولادة الملك نفسه، وكأنه هكذا هبط من السماء، كذلك نجد الشخصية المحورية الثانية "عبدون"، الصديق لأوديت، والتي تتوسط له؛ ليعمل في النادي، وليصبح العدو اللدود ل (الكو)، أما بقية الشخصيات، فنجدها تنحدر من عائلات وأصول، بالرغم من ثانويتها في الصراع الدرامي في الرواية؛ فنجد عائلة عبد العزيز همّام وزوجته رقية وأولاده، (سعيد وكامل، ومحمود، وصالحة)، الذي ينتقل للقاهرة بعد إفلاسه بقريته، ونجد جاره على حمامة، وزوجته، وابنته فايقة وفوزي، ولكي تكتمل خطة الأسواني التي تلوي ذراع السرد؛ نجد بقية عالم نادي السيارات عبر مديره، مستر جميس رايت، وزوجته، وابنته، ميتسي، وعشيقته أوديت، ونجد الملك، وابن عمه الأمير شامل، والمسئول عن سهرات الملك كارلو بوتشيللى، وبالطبع نجد العمال في نادي السيارات، المكان البطل في الرواية؛ فنجد البارمان بحر، والطباخ /الشيف ركابي، والمتر شاكر، ويوسف طربوش، القائم على ترابيزة القمار، وحميد الشاذ، الذي يُذكرك بالصحفي الشهير في عمارة يعقوبيان. تتراوح الأحداث ما بين الشخصيات المكبوتة الفقيرة الخاضعة للاستبداد والانتهازية، وأيضًا التي تؤكد وجهة نظر جميس رايت( إنهم قذرون، أغبياء، لئام، كاذبون ولصوص)، رغم محاولة الأسواني لدحض تلك الرؤية عبر زوجة عبد العزيز همّام أثناء موقفها الحاسم بطلب معاش لزوجها عبد العزيز من جيمس رايت، ولكنها تتنازل عن موقفها عندما يعرض عليها، أنْ يعمل ابنها كامل في النادي؛ خلفًا لأبيه بحجة الفقر، والاحتياج المادي، ولعل الشخصية السوية الوحيدة في الرواية هي شخصية ميتسي ابنة جيمس رايت، وعبدون الثائر الذي نكتشف في صفحة 409، أنه في تنظيم سري مع أوديت، وعطية، وحسن مؤمن، والأستاذ عوني، والأمير شامل، وينضم إليهم كامل أيضًا؛ ليضعنا الأسواني في عمق الحدث السياسي الأوحد في الرواية، حيث نشأة الطليعة الوفدية- والشيوعيين- التي تثور على شيخوخة من وجهوا حزب الوفد لسياسة المهادنة مع القصر والإنجليز، (الوفد حزب الوطنية المصرية لكنه خلال السنوات الأخيرة تحكّم فيه مجموعة من الإقطاعيين؛ فوجهوا سياسته إلى مهادنة القصر والانجليز، وتجاهلوا حقوق الجماهير، مُقابل المحافظة على مكاسبهم الطبقية)؛ وبذلك يُمهّد الأسواني لنهاية روايته، حيث القبض على كامل، والثورة على (الكو) في ذات الوقت داخل قصر الملك الذي شاعتْ مفاسده، وكثرتْ نزواته، وعم فساده على الأخضر واليابس . .الرواية تأتى عبر لغة عادية مستفيضة، ولا تحتوي على أي عمق، أو جمالية ما، وجاء الحوار الكثير جدًا في الرواية باللغة الدارجة في أغلبه، وممتليء بالجمل المقززة، وشتان مابين مصر الأربعينيات في روايات محفوظ، أو حتى في رواية "الرجل ذو البدلة البيضاء الشركسكين" للمؤلفة لوسيت لينادو، بالطبع لا نقصد الموضوع المُتناول، ولا نقصد لغة الأدب فقط. أخيرًا يبدو أنّ علاء الأسواني قد وقع في فخ تنوع النفس الروائي طوال العمل، وكأنّ الأمر قد كتبه أكثر من كاتب، وأغلب الظن أنّ علاء الأسواني قد أخذ يوميات والده، عباس الأسواني، وأضاف عليها مع تغيير بسيط، أما عن المغالطات التاريخية فلا أود الحديث عنها، وأكتفي فقط بذكر بعضها ومنها، أنّ كلية الشرطة لم تُعرف بهذا الاسم إلاّ في عام1959م.