سعر الجنيه الذهب اليوم الخميس 16-10-2025 في السوق المحلية    بعد حادثة عم فوزي.. محافظ الدقهلية في جولة ميدانية جديدة بحي غرب المنصورة    باحثة بالشأن الأفريقي: مصر أكثر دولة تفهم تعقيدات المشهد السوداني ولن تسمح بانقسامه    وزير الحكم المحلي الفلسطيني: خطة التعافي الفلسطينية تعتمد على البرنامج العربي لإعمار غزة    ستاد المحور: تأخر وصول بعثة الأهلي إلى بوروندي بسبب رحلة الطيران الطويلة    نجم الزمالك السابق: الموسم لا يزال طويلًا وفقد النقاط وارد.. وناصر الأنسب لتعويض غياب الدباغ    الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الجمعة 17-10-2025    منة شلبي تُكرم في مهرجان الجونة السينمائي وتُهدي جائزتها لوالدتها    محافظة الإسماعيلية تستعد لإقامة النسخة 25 من المهرجان الدولي للفنون الشعبية    مواقيت الصلاة غدًا الجمعة 17 أكتوبر 2025 في المنيا    صحة بني سويف تُطلق حملة في 188 مدرسة للتوعية بصحة الفم والأسنان    الخطيب يكلف عبد الحفيظ بملف كرة القدم في الأهلي: «خبرته تجعله جزءًا من صناعة القرار»    100 مغامر يحلقون ب «الباراموتور» |سياح 38 دولة فى أحضان وادى الملوك    محافظ الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يشهدان احتفالات عيد القوات الجوية    مصادر أمريكية: واشنطن أبلغت إسرائيل اهتمامها بمواصلة تنفيذ اتفاق غزة    لتفادي نزلات البرد .. نصائح ذهبية لتقوية المناعة للكبار والصغار    حسام شاكر: ذوو الهمم في قلب الدولة المصرية بفضل دعم الرئيس السيسي    مواجهات نارية في ذهاب دور ال32 من دوري أبطال إفريقيا 2025    الوطنية للانتخابات تعلن قوائم المرشحين في انتخابات مجلس النواب 2025    الحليب المكثف المحلى في البيت.. وصفة سهلة بطعم لا يقاوم    غارات إسرائيلية تستهدف عددا من مناطق جنوبي لبنان وبلدة في الشرق    رابطة المحترفين الإماراتية تعلن موعد طرح تذاكر السوبر المصري في أبوظبي    نائب محافظ القاهرة تتابع تطبيق قانون التصالح بحي شرق مدينة نصر    عاجل- رئيس الوزراء يطمئن ميدانيا على الانتهاء من أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير والطرق المؤدية إليه    قائد القوات المسلحة النرويجية: قادرون مع أوروبا على ردع روسيا    بيع أكثر من مليون تذكرة ل كأس العالم 2026 والكشف عن أكثر 10 دول إقبالا    يرتدي جلبابا أحمر ويدخن سيجارة.. تصرفات زائر ل مولد السيد البدوي تثير جدلًا (فيديو)    سيدات يد الأهلي يهزمن فلاورز البنيني في ربع نهائي بطولة أفريقيا    نائب رئيس مهرجان الموسيقى العربية: آمال ماهر تبرعت بأجرها ورفضت تقاضيه    حسام زكى: العودة الكاملة للسلطة الفلسطينية السبيل الوحيد لهدوء الأوضاع فى غزة    بعد مقتل رئيس أركان الحوثي.. نتنياهو: سنضرب كل من يهددنا    هل الصلوات الخمس تحفظ الإنسان من الحسد؟.. أمين الفتوى يوضح    هل يجوز المزاح بلفظ «أنت طالق» مع الزوجة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الله حرم الخمر والخنزير والبعض يبحث عن سبب التحريم    الشيخ خالد الجندى: رأينا بأعيننا عواقب مخالفة ولى الأمر (فيديو)    سكك حديد مصر تعلن موعد تطبيق التوقيت الشتوي على الخطوط    حجز قضية اتهام عامل بمحل دواجن بالخانكة بقتل شخص بسكين لحكم الشهر المقبل    ضبط فتاة بالجامعة العمالية انتحلت صفة "أخصائى تجميل" وأدارت مركزًا للتجميل بمركز جرجا    نائب رئيس جامعة الأزهر بأسيوط يشهد انطلاق المؤتمر العلمي الخامس لقسم المخ والأعصاب بالأقصر    قائمة بأسماء ال 72 مرشحًا بالقوائم الأولية لانتخابات مجلس النواب 2025 بالقليوبية    وزير العدل: تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية تعزز الثقة في منظومة العدالة    الاتحاد الأوروبي يكرّم مي الغيطي بعد اختيارها عضو لجنة تحكيم مهرجان الجونة    أوبريت «حلوة بغداد» يختتم فعاليات الدورة السادسة لمهرجان المسرح    محافظ كفر الشيخ يناقش موقف تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    «يمامة» يشكر الرئيس السيسي: عازمون على تقديم رؤى تناسب الجمهورية الجديدة    جامعة قناة السويس تطلق فعاليات«منحة أدوات النجاح»لتأهيل طلابها وتنمية مهاراتهم    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي بمدخل المراشدة في قنا    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    بعثة بيراميدز تتفقد منشآت الدوحة استعدادًا للمشاركة في كأس الإنتركونتيننتال بدعوة من "فيفا"    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    نبيلة مكرم تشارك في انطلاق قافلة دعم غزة رقم 12 ضمن جهود التحالف الوطني    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رءوف مسعد يفتح النار على الأسواني.. ويؤكد: سرق رواية يوسا وحولها لنادي السيارات بدعوى التناص الأدبي.. التشابه في الشخوص والحبكة والأحداث يتعدى مفهوم توارد الأفكار
نشر في البوابة يوم 09 - 04 - 2014

عقد الروائي رؤوف مسعد، مقارنة مثيرة للجدل، بين روايتي «حفلة التيس» للكاتب «ماريو بارغاس يوسا»، ترجمة صالح علماني، دار المدى، و«نادي السيارات» للكاتب المصري علاء الأسواني.
وأبحر "مسعد" في خضم تفاصيل الروايتين، وأوجه التشابه بينهما، وكيف اجتمعا على رصد حياة الديكتاتور، والحاشية التي تحيط به في كل زمان ومكان.
وقال "مسعد" في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط، "بداية علينا أن نطرح التعريف الذي نشرته «الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب» في الإنترنت:
التناص الأدبي: هو تداخل نصوص أدبية مختارة قديمة أو حديثة شعرًا أو نثرًا مع نص أصلي بحيث تكون منسجمة وموظفة ودالة قدر الإمكان على الفكرة التي يطرحها الشاعر أو الكاتب.
إذن مفهوم التناص يدل على وجود نص أصلي في مجال الأدب أو النقد على علاقة بنصوص أخرى، وأن هذه النصوص قد مارست تأثيرا مباشرا أو غير مباشر على النص الأصلي في وقت ما.
بداية مصطلح التناص: ظهر مصطلح التناص عند (جوليا كريستيفا) عام 1966، إلاّ أنّه يرجع إلى أستاذها الروسي (ميخائيل باختين)، وإن لم يذكر هذا المصطلح صراحة، واكتفى ( بتعددية الأصوات)، و(الحوارية)، وحللها في كتابه «فلسفة اللغة»، وكتاباته عن الروائي الروسي دستويفسكي.
النصان هما «حفلة التيس» للكاتب «ماريو بارغاس يوسا»، ترجمة صالح علماني، دار المدى، و«نادي السيارات» للكاتب المصري علاء الأسواني التي صدرت عام 2012، بينما صدرت «الحفلة» قبل ذلك بكثير.
ولتبيان التناص بوضوح بين العملين، نفككهما إلى «موادهما الأساسية» وكذا – بالتأكيد - سبب وجود كل رواية أي reason d'être لأن سبب الوجود هنا هو الذريعة الرئيسة لأي عمل فني.
* سبب الوجود في"نادي السيارات"
حسب كلام الغلاف الأخير «يصطحبنا علاء الأسواني إلى مصر الأربعينات من القرن الماضي، إلى مجتمع بدأ تذمره يعلو ضد سلطة تعبث، وبدأ يدرك على استحياء أن له حقوقًا طال صمته عنها، وما بين ملك منغمس في لذاته الخاصة وكبير للخدم يتصرف كملك فوق الخدم، ومحتل إنجليزي لا ينفك ينظر إلى المصريين نظرة احتقار»، يقولون لنا نحن أمام نص عن مصر الأربعينات.. يعني أنها رواية تؤرخ لمرحلة من أربعينات القرن الماضي من تاريخ «المجتمع «المصري»، ويقدمون تحليلا نصيا للرواية بأن الكاتب عقد "مقارنات بين المصريين حينها والمصريين الآن".
أما «حفلة التيس» فهي عن اغتيال ديكتاتور في الدومينيكان تروى من خلال فلاش باك، استرجاعا، لفتاة (أوروا) جرى تهريبها وهي في الرابعة عشرة من العمر من الدومينيكان خوفا أن يقتلها الديكتاتور بعد أن فشل جنسيا معها، النص، 439 صفحة من القطع الكبير، مليء بالتفاصيل المتقاطعة عن تصرفات الديكتاتور وعن حياة الشعب هناك، ارتباطًا بعودة أورانيا بعد أكثر من ثلاثين سنة إلى موطنها.. وبعد اغتيال الديكتاتور أيضا.
النص الروائي «نادي السيارات» للأسواني يتعامل مع إسقاطات اجتماعية/ سياسية في حين أن «التيس» تتعامل - مع السياسة - مباشرة دون إسقاطات. الالتباس التناصي هنا يجعل - الأسواني - ينساق كثيرا مع «التيس» حتى يصل إلى ذات النتيجة التي وصلت إليها «التيس» في منطقيتها ومكانها وزمانها: أي الاغتيال، فالاغتيال في «نادي السيارات» ليس له من مبرر سوى أن الكاتب أراد أن يقدم «حكمته» الأخيرة للقارئ.
وخلق الأسواني شخصية «الكوو» كمعادل موضوعي للديكتاتور اللاتيني حتى يصل به إلى نهاية الديكتاتور نفسها؛ أي الاغتيال، لكن من دون منطق زماني أو مكاني، لوجود اختلاف أساسي في «تركيب فضاء» الروايتين، فالاغتيال للساسة والحكام في مصر نادر التحقيق العملي إلا في مرات قلائل.
غلاف «التيس» يقدم تلخيصًا مركزًا عن «أحداث الرواية» محددًا مهامها بأنها «تأريخ» لتطور أحداث أدى إلى «كمين نصبته جماعة في الثلاثين من مايو 1961 تمكنت من قتل رجل الدومينيكان القوى، الزعيم والرئيس الموقر والمنعم إلى الوطن فخامة الجنرال يسمى الدكتور رفائيل تروخيو مولينا». في «نادي السيارات» يريد الكاتب أن «يلخص» لنا ما يطلق عليه «المجتمع المصري» في مكانين محددين: نادي السيارات الملكي، وأحياء سكنية شعبية داخل القاهرة.
يجعل الأسواني النادي «خلاصة» ما يُطلق عليه «المجتمع المصري»، فيقدم لنا الاحتلال الإنجليزي في شخصيات بريطانية؛ كمدير للنادي، وجنرال يستجوب الساقي عن كيفية عمل الكوكتيل، وزيارة الملك فاروق للنادي لكي يلعب القمار، أي المثلث التقليدي من المحتل والحاكم والسلطة الحاكمة باعتبار أن النادي هو «المجتمع» إياه، يقاوم النادي «عبث السلطة وفسادها وانغماس الملك في لذاته الخاصة واحتقار المحتل الإنجليزي».. بالعمل من خلال خلية سرية سياسية يعمل بعض أفرادها في النادي يترصدون للملك ليصوروه مقامرا واضعا طرطورا على رأسه.
وبالطبع توجد خلية سياسية في «التيس» هي التي قامت بتنفيذ الاغتيال.
وينقسم «مجتمع النادي»، أي الخدم، ومن يعمل به إلى قسمين، قسم، معظمهم من النوبة (المصرية والسودانية) يحتج على إهانات يلحقها بهم «الكوو»، ممثل الملك في النادي: تصل إلى حد ضربهم وحرمانهم من البقشيش.
وقسم منهم يتواطأ مع الكوو، بل ويقدم له معلومات عمن يتزعم التمرد ضده ويعلنون أنهم لا يأبهون لضربهم لهم طالما لم يحرمهم من البقشيش.
مقابل المجتمع المصغر في النادي نجد في «التيس» مجتمعا بطبقاته المتعددة في «جمهورية الدومينيكان» يرزح تحت وطأة الديكتاتور السادي النزعة وهو من عرق خارج العرق السائد في الجمهورية، قدم من هجرة أهالي هايتي المجاورة.
يتشابه عرقيا مع «الكوو» في لون البشرة السمراء الداكن وهو عرق ينظر إليه أهالي الدومينيكان باحتقار، والهايتيون يعملون - أيضا مثل النوبيين - كخدم في البيوت والمزارع في الدومينيكان، وقد وصل الديكتاتور في «حفلة التيس» إلى أعلى منصب في البلاد نتيجة مجموعة من الانقلابات، بينما نجد أن الكو في «نادي السيارات» هو المتصرف في الشئون السياسية في قصر عابدين الملكي.. يقول له الملك قاصدا القرارات الملكية التي لا يعنى باتخاذها: «قاسم.. تصرف» (ص 61) وقاسم هذا هو اسم"الكوو".
يقدم لنا الأسواني شخصية «الكوو النوبي السوداني واسمه بالكامل قاسم محمد قاسم.. أكبر شماشرجية الملك الذي يساعد مولانا على ارتداء الملابس وخلعها.. واكتسب الكوو نفوذا طاغيا غير مسبوق في القصر». (ص60 و61).
«الكوو» يفسرها الأسواني بأن «معناها في النوبية القائد أو الكبير»، وقد وجدت شخصية مشابهة لها كثيرا كانت تعمل في القصور الخديوية إبان الثورة العرابية هي شخصية خليل أغا التي رصدتها رسالة ماجستير عن الرقيق في مصر في القرن التاسع عشر. لقبه الرسمي «فخر الأغوات المعتبرين ذخر أصحاب العز والتمكين معتمد الملوك والسلاطين الجناب المكرم والمخدوم المعظم خليل أغا باش أغاي القصر العالي»، ونحن نعرف أن «الأغا» هو رقيق جرى شراؤه ثم يجري ترفيع وظيفته في القصر الذي يعمل له.. في هذه الدراسة نكتشف أن خليل أغا أمر بضرب عبد الله النديم الذي كان يعمل تلغرافجيا في قصر الخديو بعد اكتشاف علاقته بالعرابيين، وطرده من الخدمة، وهنا نكتشف التشابه الواضح بين الشخصيتين. وبالتمعن في شخصية الديكتاتور وشخصية الكوو في «السيارات» لم يكن بالصدفة!
ثم هناك في «السيارات» المدير البريطاني مستر «رايت» الذي يوافق أن يستغل القواد ابنته ليقدمها لفاروق رغم أنه لم يفقد الحظوة الملكية أساسا (!) لكنه يرحب بذلك مرددا ذات العبارة (بمفهومها العام) بأنه يفعل ذلك لمصلحة ابنته (ص 220 و221). في «التيس» نجد أجواء مشابهة لما يحدث في النادي، في نطاق حاشية الديكتاتور، هو يستمتع بإهانتهم بل ويحرمهم فجأة ودون أسباب واضحة من الحظوة بلقائه أو رضاه، وهذا ما حدث لوالد الفتاة «أورانيا» الذي عمل رئيسا لمجلس الشيوخ وفقد الحظوة فجأة دون سبب مفهوم، فأقنعه القواد «الملكي» بتقديم ابنته لفراش الديكتاتور حتى يسترجع حظوته. وينجح المتآمرون في قتل الديكتاتور غيلة.. كما ينجح «متآمرون» آخرون في «السيارات» لا نعرف عنهم شيئا في التسلل إلى غرفة نوم الكوو في القصر الملكي وقتله.
* تناص الشخصيات والأماكن
أولا، في كل من الروايتين نجد قوادا له دور محدد، في «السيارات» نجد قوادا للملك هو «بوتشيللي»، في التيس نجد قوادا للديكتاتور هو «مانويل» وهو أيضا شماشرجي الديكتاتور (ص 284). أي الذي يختار له ثيابه.
وثانيا، نجد أن الأسواني جعل النادي مرتعا لملذات فاروق، إنه نادٍ لملك - كما جاء في الرواية - يقضي فيه أوقاتا للعب القمار والتسلية، وكذا الاستراحة الملكية على ضفاف بحيرة قارون، وكل من فاروق والديكتاتور يفضلان الفتيات الصغيرات.
ونجد في «التيس» حوارا بين الأب والابنة (ص 298) حول فكرة إرضاء الديكتاتور، ونجد أيضا أن التبرير الذي يقدمه الأب الدومينيكي يتشابه في التبرير الذي يقدمه الأب البريطاني.
وثالثا، يتشارك الأسواني مع يوسا في محور أساسي من رواية الثاني «حفلة التيس»، بل إن الشخصية الأساسية في رواية يوسا هي الفتاة التي قدمها والدها إلى الديكتاتور. وعند الأسواني نجد أن ميتسي ابنة المستر رايت شخصية محورية.
رغم أن هذين الحدثين في الروايتين لم يشكلا أهمية كبيرة في بناء العملين، لكن التناص هنا نجده أيضا في ردود أفعال ابنة رئيس مجلس الشيوخ المتشابهة لردود أفعال ابنة رئيس النادي، فقد «هجرت» كلتاهما والدها، رفضت الأولى التخاطب مع والدها أو حتى الاستجابة لمكالماته الهاتفية واستقرت في أمريكا (البلد المعادي للديكتاتور)، بينما هجرت ميتسي عمليا منزلها واستقرت مع حبيبها الثوري المصري في منزله، وواصلت انتماءها الفكري والجسدي لخلية الثوار المصريين المعادية للاحتلال والملك.
وتتشابه أيضا مواقف البنتين: الأولى لم يستطع الديكتاتور ممارسة الحب معها. عجز عن ذلك. والثانية تهربت من فراش الملك بحجة وجود مرض غامض في حنجرتها..
ونعلم أن ميتسي ترفض عرض والدها في البداية لأنها تعلم رغبة الملك فيها على العكس من «أورانيا» التي لم تفهم العرض.. «أورانيا» ذهبت طائعة ذاهلة إلى فراش الديكتاتور العاجز، فأحس بالخزي وأهانها وطردها.
المتآمرون والاغتيال.. والخدم
المتآمرون في «نادي السيارات» قتلوا الكوو كما جرى مقتل الديكتاتور في «حفلة التيس» على يد متآمرين. ونحن لا نعلم من الذين قتلوا الكوو. فالأسواني ترك هوية المتآمرين غامضة ولعل السبب أنه لا توجد سابقة تاريخية لدخول متآمرين قصر عابدين واغتيالهم ممثلا للملك! في «التيس» نحن نعلم بالتفصيل أسماء (وأسباب) خلية من أصدقاء ورفاق وزملاء أقسموا يمين الولاء على اغتيال الديكتاتور (لانغماسه في الملذات ولقتله أقاربهم وأصدقائهم).
* الأب الدومنيكاني والأب البريطاني
ولأن موقف كل من الأبوين الدومنيكاني والبريطاني يشكل مفصلا هاما في الروايتين وما نتج عن موقفيهما هذا، لذلك سأورد بعض التفاصيل المتعلقة بهما في الروايتين:
يستنجد الأب الدومنيكاني بمانويل وهو معروف في أوساط الحكم بأنه «قواد» الزعيم، فيستدعيه إلى بيته متذرعا بصداقة قديمة لكي يتوسط له عند الديكتاتور حتى يسترجع حظوته السابقة. يرى مانويل الابنة أورانيا ذات الأربعة عشر عاما - العذراء - يتيمة الأم فيبهره جمالها العذري. يقول لها «لقد كنت طفلة حينما رأيتك في المرة الأخيرة – أطرى عليها مانويل ألفونسو مبتسما - وأنت الآن آنسة باهرة الجمال".
الأب مخاطبا القواد مانويل: «أنا أيضا أدين له (الزعيم) بكل ما أنا عليه وكل ما فعلته يا مانويل - قال مؤكدا - إني أفهمك جيدا ولهذا السبب أنا مستعد لكل شيء من أجل استعادة صداقته".
نظر إليه مانويل ألفونسو وقرب رأسه منه، لم يقل شيئا لوقت لا بأس به لكنه واصل تفحصه كأنه يتأكد من مدى جدية كلماته بالمليمتر:
- أتعرف أمرا. لو أنها ابنتي لما ترددت لحظة واحدة. ليس من أجل نيل ثقته وليس لأثبت له أني مستعد لأية تضحية من أجله، إنما ببساطة لأنه ليس هناك ما يرضيني ويسعدني أكثر من جعل الزعيم يُمتع ابنتي ويستمتع بها.
فيرد الأب: «إنها ما تزال طفلة بعد»، لكن القواد يقول «هذا أفضل فالزعيم سينظر بتقدير كبير إلى اللفتة.. لا تفكر بنفسك فقط لا تكن أنانيا.. فكر بابنتك وما الذي سيحدث لها لو خسرت كل شيء وانتهى بك الأمر إلى السجن مُتهما بسوء التصرف والاحتيال".
* المستر رايت
في الفصل 16 (السيارات ص 220) نشاهد العلاقة بين رايت الأب وبوتشيللي القواد الذي يزور رايت في مكتبه بنادي السيارات يستدرجه لكي يأخذ ابنته لفراش الملك بعد أن رآها بالصدفة في نادي الجزيرة.
- رايت: طمني كيف صحة جلالة الملك؟
بوتشيللي: صحة مولانا جيدة لكنه يعمل أكثر مما يجب
جلالته يجب أن يرتاح
القواد يسأل رايت: إذا سنحت لك الفرصة لإرضاء جلالة الملك هل تتردد؟
أنا تحت أمر جلالته
هذه بداية جيدة.
يحدث أحيانا أن يطلب مني مولانا الملك أن أنظم حفلا صغيرا حتى يلتقي فيه شبان وشابات الطبقة الراقية
يوم الإثنين القادم سأنظم حفلة صغيرة. المدعوون جميعا شبان وشابات من الطبقة الراقية. يسعدني أن أوجه الدعوة للآنسة ميتسي.
يسأله الأب: هل تعرف ميتسي؟
- رأيتها في نادي الجزيرة فلفتت نظري وفكرت أن أقدمها للملك.
- هذا شرف عظيم.
ويستطرد الأسواني كيف أن مستر رايت فكر، فيما بعد، بأنه يفعل هذا «من أجل ابنته. إنه لا يريد شيئا لنفسه.. إنها ابنته الوحيدة.. صداقتها بالملك لن تفيد سواها ص 22.
وحينما يخبر زوجته بما دار من اتفاق بينه وبين بوتشيللي تقول له: هل تعلم أن بوتشيللي قواد؟
لكن الحوار بين رايت وميتسي في «حفلة التيس» مختلف في طبيعته العدوانية بعد أن أخبرها والدها بأنها «معزومة» لحفلة عند الملك.
ميتسي: من قال لك إني سأقابل الملك؟
- ألم تخبرك أمك بالدعوة؟
- أخبرتني.
- ستوافقين بالطبع.
- لم أقرر بعد.
* الاغتيال كحل وعقاب
في «نادي السيارات» قتل الكوو في غرفته في قصر عابدين بعد أن «اطمأن أن جلالة الملك قد خلد إلى النوم ثم راجع مع الخدم مهام اليوم التالي»، كما جرى قتل الديكتاتور في «حفلة التيس» وهو في سيارته، بإطلاق الرصاص عليه للأسباب المتعددة التي ذكرناها ومنها الأسباب الأخلاقية. والاغتيال البدني، للسياسيين وغيرهم، سمة من سمات الصراع السياسي في أميركا اللاتينية، لكنه بعيد كل البعد عن ميكانيزم وتاريخ الصراع في مصر، على الرغم من عمليات اغتيال بعض السياسيين حتى مرتبة رؤساء وزراء في مصر نتيجة لمواقفهم السياسية التي رأى الذين اغتالوهم أنها غير متفقة مع النضال الوطني المصري. ونرى أن إقحامه في عمل الأسواني - خاصة أن القتيل في «نادي السيارات» لا يمثل أي أهمية سياسية - ليست له ضرورة روائية، لذا قدم اغتيال الكوو في قصر عابدين الملكي بديلا للملك وكذا بديلا للديكتاتور الذي جعل الكوو يشبهه كثيرا في السمات الجسدية والنفسية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.