جاء اختيار مملكة البحرين مقرًا إقليميًا لمعهد السلام الدولى ليرسخ حقائق التاريخ وأحداثه فى أن البحرين كانت دائمًا مهد السلام ورمز التعايش والوئام، فما حققته المملكة على الأصعدة كافة، من منجزات حضارية ونجاحات انسانية وضعها فى مكانتها المرموقة عالميا واقليميا، فقد كان للبحرين جهود مضنية فى دعم الاستقرار العالمي وتعزيزه، وترسيخ أسس السلم والأمن الدوليين وتجذرهما من خلال دورها المتميز فى المنظمات الدولية والاقليمية التى تشارك فى عضويتها بما تقدمه من رؤى وما تطرحه من افكار كان من شأنها الاسهام فى تجاوز الكثير من الخلافات وحلحلة العديد من الازمات والعمل على تقارب بين وجهات النظر المتباينة بما مهد لاقرار السلام فى الكثير من النزاعات والصراعات الدولية دون ان يمثل ذلك تدخلًا منها فى شئون الدول الداخلية احترامًا لسيادة الدول وسلامة اراضيها واعلاء استقلالية قراراتها، وهو ما جعل المملكة بفضل تلك الرؤية المستنيرة والحكمة السديدة فى ادارة علاقاتها الدولية والاقليمية مركز اشعاع عالمى فى خدمة عملية السلام والامن الدوليين والاقليميين. وغنى عن القول إن ما حققته المملكة كواحة للامن والاستقرار والسلام فى المنطقة كان نتاجًا طبيعيًا لسياسات انتهجتها الحكومة البحرينية منذ قيامها فى سبعينيات القرن المنصرم على يد رئيسها الامير خليفة بن سلمان آل خليفة الذى أدرك بحسن بصيرته وصدق نيته وبعد نظره أن الموقع الاستراتيجي الذى تشغله المملكة يفرض عليها انتهاج سياسات حذرة تقرأ مخاطر الواقع بحنكة وتنظر الى تداعيات المستقبل بحكمة وتتعامل مع تحديات الحاضر بحرفية ومهارة ربان سفينة مخضرم قادر على الابحار بها فى خضم بحر من الظلمات، ولعل الرؤية التى اوضحها رئيس الوزراء فى لقائه مع مدير معهد السلام الدولي تيري رود لارسين بمناسبة افتتاح مقر المعهد فى العاصمة البحرينيةالمنامة، والتى جاء فيها أن :"الأجواء العالمية المضطربة والمشحونة بالمخاطر تستوجب الحذر وتقوية الجبهة الداخلية لصد آثارها ، وأن يتحرك المجتمع الدولي ليعم السلام الجميع، فمن غير المنصف أن تعيش دول في سلام واستقرار وتنمية وتترك دول أخرى تعاني من ويلات الإرهاب والصراعات والنزاعات الطائفية"، فهذه الكلمات تعكس رؤية قائد وحنكة زعيم وخبرة مسئول فى كيفية ادارة علاقات دولته فى محيط من التشابكات والصراعات والنزعات، فحينما يتذكر قادة العالم والمنطقة ما واجهته مملكة البحرين من تحديات عديدة تارة بسبب تصرفات غريبة لبعض القادة العرب كما فعل صدام حسين فى غزوه للكويت فى تسعينيات القرن المنصرم، وتارة أخرى بسبب الممارسات اليومية الاستفزازية التى تمارسها الجارة الفارسية على الحدود البحرينية فى محاولات مستمرة لمد سيطرتها ونفوذها على المملكة، وتارة اخرى بسبب ممارسات بعض البلدان الخليجية التى لا تدرك حجم المخاطر وصعوبتها وتتبنى سياسات تعصف بامن دول المنطقة واستقرارها من أجل أهواء شخصية وطموحات خيالية كما هو الحال فى الجارة القطرية، ورغم كل هذه التحديات والمخاطر إلا ان السياسة الحكيمة التى انتهجها الامير خليفة بن سلمان آل خليفة استطاع ان يحافظ على خط الوسط بعيدًا عن انحرافات الشاطئ وتعرجاته من جانب، او الغوص فى اعماق الصراعات ومنزلقاتها من جانب آخر، فضلا عن هذا النجاح الخارجى، إلا انه من المنطقى القول إن نجاح أية دولة فى سياستها الخارجية وخاصة حينما تلعب دورًا مهمًا كالدور الذى لعبته المملكة فى دعم السلام والاستقرار الدولى إنما يتطلب ان يكون الداخل البحرينى قادرًا على التعامل مع تحدياته ومشكلاته خاصة فى ظل ما تواجهه المملكة من خروقات عديدة وتجاوزات متعددة من جانب بعض القوى الداخلية التى حاولت من خلال علاقاتها المشبوهة ومصالحها غير الوطنية ان تسقط الدولة وتفكك اواصر المجتمع خدمة لاطراف خارجية لديها اطماع فى اراضى المملكة. ومن ثم، فالنجاح المتميز الذى حققته الحكومة البحرينية برئاسة الامير خليفة بن سلمان فى مواجهة واحدة من أخطر التحديات فى عمر المملكة مثّل الضمانة الرئيسية فى الحفاظ على سياسة الدولة القائمة على السلمية والمحافظة على التعايش المجتمعى دون اية خروج عن القواعد والاسس الدستورية والقانونية الحاكمة لادارة الدولة، ففى ظل أزمة مستفحلة تتصاعد بسبب ممارسات ارهابية ترتكبها جماعة تنتهج العنف والارهاب وسيلة لفرض سيطرتها على المجتمع، ظلت الدولة البحرينية متمسكة بنهجها فى احترام القانون وسيادته مع الحفاظ على اللحمة الوطنية بعيدة عن اية اصطفافات طائفية او انقسامات مذهبية او شروخات مجتمعية، وهو ما اوضحه رئيس الوزراء البحرينى بقوله :"إن الجميع في البحرين ينعم بحقوقه الإنسانية والحريات والديمقراطية وتهيئ له الحكومة الخدمات وفق أعلى مستويات الجودة وتدعم الكثير من الخدمات والسلع في متناول المواطن بسهولة ووفرة ، فلماذا إذن هناك من يحاول أن يجرها لدوامة العنف وعدم الاستقرار ويجعل منها ساحة للصراعات والاضطرابات ويستغل الأطفال والناشئة في العنف، فمن يمارس مثل هذه الأعمال جماعات بعيدة كل البعد عن الإصلاح وهي لا تعدو عن كونها جماعات إرهابية"، فصحيح ان من يمارس مثل هذه الاعمال إنما يستهدف هدم كيان الدولة واستقرارها، ليتفق فى هذا مع رؤية مدير المعهد العالمى للسلام الذى أكد على وجود أياد خارجية تتدخل في شئون المملكة وأن الإعلام الخارجي تعامل بطريقة غير عادلة وغير منصفة وبمعايير مزدوجة دون النظر إلى حجم المنجزات والإصلاحات المهمة التي حققتها البحرين في المجال الإنساني والحقوقي والديمقراطي. خلاصة القول إن اختيار المملكة مقرًا لمعهد السلام العالمى تأكيدا على المكانة المتميزة التى تشغلها المملكة على المستويين الدولى والاقليمى فى دعمها لجهود الامن والاستقرار الدوليين والاقليميين وتتويجا لمبادرتها المهمة التى تنظمها سنويا تحت مسمى "حوار المنامة" ذلك الاجتماع السنوى الذى يجتمع فيها عشرات من المسئولين الرسميين ورجال الأعمال والشخصيات الدولية والاقتصاديين والسياسيين والمفكرين الاستراتيجيين من مختلف قارات العالم لتبادل وجهات النظر إزاء التحديات الأمنية الراهنة وكيفية التعامل معها والحد من تداعياتها.